لا تزال قيمة الليرة التركية متماسكة أمام سعر صرف العملات الصعبة،
رغم تخفيض البنك المركزي معدل الفائدة من 14 بالمئة إلى 9 بالمئة، خلال 4 أشهر
فقط، إذ يتراوح سعر صرف الدولار عند 18.6 ليرة تركية منذ ثلاثة أشهر.
ويتزامن تخفيض البنك المركزي لمعدل الفائدة في تركيا، مع رفع عالمي لمعدلات الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا ودول الخليج، ما يعني أن الحكومة التركية
تعتمد خطة اقتصادية مغايرة لما يتم تنفيذه في باقي دول العالم، لمواجهة التضخم.
وترى الحكومة التركية أن تخفيض معدلات الفائدة ووصولها إلى خانة الأحاد
(9%)، يساهم في تخفيض نسب التضخم، من خلال سحب الأموال الموجودة في البنوك وضخها بالأسواق،
ما يبقي معروض الليرة التركية بالسوق كبيرا ويؤدي إلى تراجع سعر العملات الصعبة
أمام العملة المحلية.
وشهدت تركيا انخفاضاً في نسب التضخم، للمرة الأولى منذ أيار/مايو 2021،
حيث أظهرت بيانات "معهد الإحصاء التركي"، أن التضخم السنوي تراجع إلى
84.39 بالمئة في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، مقارنة بمعدل 85,51 سُجّل في تشرين
الأول/أكتوبر.
بالمقابل، ارتفعت أسعار المستهلكين 2.88 بالمئة على أساس شهري، بينما
بلغ الارتفاع على أساس سنوي 84.39 بالمئة، كما ارتفع مؤشر أسعار المنتجين المحليين
0.74 بالمئة على أساس شهري في تشرين الثاني / نوفمبر بارتفاع سنوي قدره 136.02
بالمائة.
نسب الفائدة
وعلى مدار السنوات الأربع الماضية فقدت الليرة التركية أكثر من 200
بالمئة من قيمتها أمام الدولار، وفق حسابات "عربي21"، حيث سجلت في
أيلول/سبتمبر 2018 سعر 6.5 مقابل كل دولار، فيما بلغ سعر الليرة التركية أمام
الدولار حاليا نحو 18.5 ليرة للدولار الواحد.
الخبير الاقتصادي وعضو غرفة اتحاد المصدرين الأتراك، علاء الدين
شنكولر، نبه إلى أن تخفيض معدلات الفائدة المعلن عنها في تركيا والتي وصلت إلى 9 بالمئة، هي بين البنك المركزي التركي والبنوك الموجودة في السوق.
وأوضح أن البنوك في السوق التركية هي الوحيدة التي تستفيد من معدل الفائدة 9 بالمئة، بينما تقوم ذات البنوك بمنح قروض للمستهلكين بمعدل فائدة يتراوح
بين 30 إلى 33 بالمئة، وهو ما يفسر معدلات الأرباح الكبيرة لدى البنوك والتي وصلت
إلى 500 بالمئة.
وأضاف في تصريحات لـ"عربي21": "معدل الفائدة المعلنة
هي نسبة سياسية يتم الإعلان عنها ولكنها لا تطبق في الأسواق".
صمود الليرة
وحول أسباب صمود الليرة التركية أمام سعر صرف العملات الصعبة، أشار شينكولر،
إلى أن الأموال القادمة من خارج تركيا ساعدت البنك المركزي في تدعيم خزينته بالعملات
الصعبة، حيث تشير التقديرات إلى أن "الأوليغارش" الروس، أدخلوا ما يقارب
20 مليار دولار إلى السوق التركية منذ بدء الحرب الأوكرانية في 24 شباط / فبراير.
وأوضح أن تركيا باتت ملاذا آمنا لـ"الأوليغارش" لأنها لم
تتدخل في العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على روسيا والمقربين من فلاديمير
بوتين.
وأشار إلى أن عدة دول أعلنت مؤخرا عن ودائع سيتم تقديمها للبنك المركز
التركي، ومن المفترض أن تقدم السعودية مبلغ 5 مليارات دولار خلال الفترة المقبلة،
بينما ستقدم قطر نحو 10 مليارات دولار.
واعتبر أن الخطاب الحكومي يساهم بشكل كبير في الحفاظ على سعر الصرف
دون تقلبات، من خلال الترويج للمشاريع المستقبلية وخاصة مسألة التنقيب على الغاز
والنفط في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، وكذلك ما يتم تداوله في أن تصبح
تركيا بوابة لنقل الغاز الروسي.
وحول إمكانية نجاح أو فشل الخطة الاقتصادية للحكومة التركية، أعرب
شينكولر عن أمله في نجاح الخطة وخروج البلاد من أزمة التضخم، لكنه توقع أن مؤشرات
نجاح الخطة لن تظهر في السوق المحلية إلا مع حلول نهاية عام 2026، ما يعني أن
تعافي الليرة التركية يحتاج إلى 3 سنوات على أقل تقدير.
وحول قيمة سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، قال الخبير التركي إن
الأحاديث التي تدور في غرفة تجارة إسطنبول وغرفة اتحاد المصدرين الأتراك جميعها
تتفق على أن سعر الصرف يجب أن يكون حاليا بما يعادل 25 ليرة تركية، لكي يتمكن
المنتجون من تحقيق أرباح وزيادة نسب الإنتاج.
وأكد أن سعر الصرف الثابت يؤثر على عمل المصدرين في تركيا، لأنهم لا
يحققون أرباحا وبعضهم توقف عن الإنتاج، وذلك نتيجة لارتفاع نسب التضخم، والزيادات
المتوالية للأجور.
وحذر من أن ضعف الإنتاج في المصانع التركية نتيجة ارتفاع التكاليف قد
يضر بجميع المصدرين الأتراك، موضحا أن سعر الكهرباء للمعامل في إسطنبول وصل إلى 14
سنتا، بينما تبيع الحكومة الصينية الكهرباء للمصانع بنحو 4 سنتات مقابل كل كيلو واط،
مضيفا: "مع الأسف المؤشرات والمعطيات ليست مبشرة".
تخفيض الفائدة "إيجابي"
من جهته، قال المحلل والخبير الاقتصادي، يحيى السيد عمر، إن تخفيض معدل الفائدة غالبا ما يترافق بتراجع قيمة العملة المحلية في أي دولة والعكس صحيح، وذلك
كون تخفيض معدل الفائدة يؤدي إلى زيادة عرض النقود في السوق، وهو ما ينسحب على
الحالة التركية.
وأشار إلى أن التخفيض الأخير على معدل الفائدة التركي ليس الأول، فسبقه
عدة تخفيضات، وهذا ما يقود لدراسة الأثر الحدي للتخفيض، بمعنى أن القرار الأول
يسبب تراجعاً حاداً في قيمة الليرة، والتخفيض الثاني يسبب تراجعاً أقل وهكذا.
ومن المتوقع أن يؤثر التخفيض الجديد على معدل الفائدة إيجاباً على
الإنتاج والتصدير، كونه يقلل من تكلفة التمويل ويدعم عملية الإقراض الإنتاجي.
ولفت السيد عمر إلى أن المركزي التركي قام بعدة إجراءات بهدف التقليل
من الآثار السلبية لتخفيض معدل الفائدة، منها رفع نسبة العائد على الأوراق المالية
المودعة في البنوك إلى 5%، وتقديم ضمانات لتعويض خسائر المودعين بالليرة.
ورأى أن المناخ السياسي الإيجابي العام ساهم في دعم استقرار الليرة،
منها الاتفاقات المالية بين السعودية وتركيا لإيداع 5 مليارات دولار في البنك
المركزي التركي، كما أن الأنباء عن انفراجات في العلاقات التركية المصرية تجد صدى
لها في الثقة بمستقبل الاقتصاد التركي وبالتالي الليرة التركية.
تركيا تخفض سعر الفائدة إلى 9%.. والليرة تتماسك مقابل الدولار