هل من المقصود أو من غير المقصود إعلان القيادة المركزية الأمريكية عن
مقتل أبو الحسن الهاشمي القرشي بعد شهر ونصف بخبر عادي على وسائل الإعلام ليمر
مرور الكرام دون أن تتوقف عنده وسائل الإعلام بتحقيقات وتفصيلات؟ فقد جاء الإعلان عبر
بيان سريع ومقتضب ومن دون تسليط الأضواء على حدث بهذا الحجم وكان سابقا ذا شأن عظيم،
وبشكل عادي خلافا للعادة الجارية في استغلال مقتل أي أمير من أمراء التنظيم
الإرهابي
داعش، حيث كان يتصدر مواقع الصحف ووسائل الإعلام ونشرات الأخبار من أجل
حصد مكاسب سياسية للحزب أو للرئيس برسائل موجهة للداخل الأمريكي والخارج.
وجرت العادة أن جميع العمليات الموجهة ضد
أمراء داعش تشرف عليها القوات الخاصة الأمريكية المدعومة من الطيران الحربي وعناصر
من الإنزال الجوي.
وقُتل القرشي في بلدة جاسم التابعة لمحافظ
درعا منتصف تشرين الأول/ أكتوبر، بعد محاصرته في مبنى لإلقاء القبض وتصفيته من قبل
مجموعات كانت تنتمي للجيش الحر ممن أجروا
اتفاقات تسوية مع مخابرات
الأسد واحتفظوا بأسلحتهم في المنطقة، وذلك بعد
الملاحقة والتحريات والاستطلاع الليلي والنهاري المتواصل من قبل السكان المحليين، الذي
أشار إلى
تواجد الأمير الداعشي في المنطقة بشكل خفي عن الإنظار قريباً من منطقة
تسيطر عليها مفارز أمنية وعسكرية تابعة لنظام الأسد، وعند محاصرته ومجموعته في أحد
الأبنية، قام بتفجير نفسه خشية الوقوع بالأسر.
وكل هذا يدعو إلى الاستهجان حول وصول القرشي إلى جاسم والتمركز في مزرعة بعيداً عن القيادة المركزية لداعش في المنطقة الشرقية، حيث تمركز مع مجموعة صغيرة وأنشأ هيكلا تنظيميا وهميا لا يتجاوز فصيلة مشاة راجلة
وكل هذا يدعو إلى الاستهجان حول وصول
القرشي إلى جاسم والتمركز في مزرعة بعيداً عن القيادة المركزية لداعش في المنطقة الشرقية،
حيث تمركز مع مجموعة صغيرة وأنشأ هيكلا تنظيميا وهميا لا يتجاوز فصيلة مشاة راجلة.
لكن بالنتيجة ما هو إلا تحصيل حاصل بأن من معه هم بقايا خلايا الاغتيال العاملة في
الجنوب السوري التي كانت تعمل بتوجيهات القيادة الأمنية في الجنوب السوري.
في
الحقيقة الأمر برمته يدعو لمزيد من الاستغراب حول سهولة تنقل أمراء داعش؛ كيف ومتى
ومن أين وإلى أين يشاؤون الذهاب بين المحافظات السورية، ولكن لماذا الاستغراب، ألم
نقل الدواعش بالباصات المكيفة من القاع اللبناني والقلمون الغربي إلى دير الزور
على مرأى العالم، ومناشدة نصر الله العالم وأمريكا بأن لا يتعرض لهم أحد، مدعيا
حرصه وخوفه على أطفالهم وعائلاتهم الذين يرافقونهم بالحافلات، وفق خطة أمنية يدخل
بها الجهاز الأمني التابع لنظام الاسد وحزب الله وإيران؟ وإلا كيف وصل زعيم داعش
بقدره وقيمته من المنطقة الشرقية من
سوريا متجاوزاً كل الحواجز الأمنية المنتشرة
على الطرقات بين المحافظات السورية، وعلى الطرقات الترابية الزراعية إلى درعا؟
قي الحقيقة أن تنظيم داعش بعد تسويات عام 2018 تحول في درعا إلى خلايا اغتيال للثوار
والشخصيات البارزة من الفعاليات المدنية الموجودين على امتداد المحافظة، حيث قتل
منذ عام 2018 حتى اليوم حوالي 2000شخص،
منهم قادة فصائل سابقون من الثوار وفعاليات مجتمع مدني ومحامون وأطباء ومدراء
مدارس وطلاب جامعات.
لا شك أن اللا مبالاة الأمريكية بمقتل
القرشي يضعنا أمام حقيقة مفادها بأن ما يجري في الجنوب من إعلان الأجهزة الأمنية
التابعة لنظام الاسد في كل مرة تتأزم الأمور بدرعا؛ عن وجود دواعش في بلدة جاسم ودرعا
البلد وقرى مختلفة من ريف درعا، يعني أن تنظيم داعش الأم المتواجد في سوريا الذي
كان يترأسه أبو بكر البغدادي غير مرتبط من حيث الهيكل التنظيمي مع الخلايا
الداعشية الأمنية الصغرى (التي كانت قبل 2018 تتمركز على طرق المواصلات الحيوية وقطعها، والآن تعمل خلايا اغتيال وتَتبع الثوار
وقادة فصائل سابقين) المتواجدة في الجنوب
السوري وفي الأحياء الجنوبية من دمشق وريف دمشق والسويداء ودرعا التي تتبع للأجهزة
الأمنية السورية، لكنها ترتبط معها بالفكر والأيديولوجيا فقط.
نظراً لرفض أهالي المنطقة لانتشار الفكر المتطرف، لم يتوانوا عن الهجوم على الخلية الداعشية وتصفيتها، والأدهى من ذلك أن يتم الإعلان من القيادة الأمريكية على أن أمير داعش قتل على يد الجيش السوري الحر، وهذا ما سارع بقلب السحر على الساحر، وصمتت وسائل إعلام الأسد عن صبغ الثوار بفكر التنظيم
المفارقة الكبرى أن جهاز الامن التابع
للأسد هو الذي روج بإعلامه عن وجود خلايا لداعش في جاسم، كشمّاعة من أجل اقتحام
المدينة وإلقاء على الثوار، نتيجة رفض الثوار المتبقين من
الجيش الحر العمل مع أي
جهة أمنية أو مليشياوية تتبع لنظام الأسد أو حزب الله، ورفضهم الذهاب إلى قسم الأمن
بدرعا،لإجراء تسويات وطلب التفاوض في مدينة جاسم. وعندما تصدى الثوار للخلية التي
تزعمها أبو الحسن القرشي لم يعرج إعلام نظام الأسد على مقتل أي من عناصر التنظيم،
ولكن بعد إعلان القيادة العسكرية الأمريكية عن مقتل الأمير الداعشي على يد الجيش
السوري الحر، عمل نظام الأسد على نسب مقتله إلى "الجيش السوري" دون أن
تذكر كلمة الحر، من أجل حصد نتائج مقتله لتبييض صفحته أمام العالم وأمريكا بالذات.
لم ينجح إعلام نظام الأسد في حصاد نتيجة
الحدث استخباراتيا وإعلاميا بتلفيق ولصق التهم بأبناء درعا الثائرين بوجه الأسد، فمبجرد
الكشف والتحقق من التواجد الفعلي لخلية من داعش، ونظراً لرفض أهالي المنطقة
لانتشار الفكر المتطرف، لم يتوانوا عن الهجوم على الخلية الداعشية وتصفيتها، والأدهى
من ذلك أن يتم الإعلان من القيادة الأمريكية على أن أمير داعش قتل على يد الجيش
السوري الحر، وهذا ما سارع بقلب السحر على الساحر، وصمتت وسائل إعلام الأسد عن صبغ
الثوار بفكر التنظيم.
لا شك بأن تنظيم داعش الإرهابي الديماغوجي
يستند على أيديولوجيا متشددة بحد ذاتها غائصة في التفاصيل وسفاسف العقيدة، ويلهث وراء
السراب، لذا فهو سهل وسريع الانقياد من قبل الرعاة الذين يحركونه وفق أجندات
براغماتية، ليس في درعا وحدها بل في كل أنحاء سوريا ومراكزها الحيوية، من الجنوب
للوسط وإلى الشمال وإلى الشرق.