ثلاث قمم ستجمع قادة 14 دولة عربية بالرئيس الصيني شي جين بينغ في العاصمة السعودية الرياض؛ (قمة الرياض الخليجية ـ الصينية للتعاون والتنمية)، و(قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية) تسبقها قمة سعودية ـ صينية تضم الرئيس الصيني شي جين بينغ والملك سلمان وولي عهده الأمير محمد رئيس مجلس الوزراء السعودي الحالي.
زيارة الرئيس الصيني للرياض سيتخللها التوقيع على 20 اتفاقا بين
البلدين بقيمة 29 مليار دولار؛ إلى جانب الإعلان عن خطة المواءمة بين رؤية 2030 السعودية
ومبادرة الحزام والطريق الصينية.
شراكة تنافست دول المنطقة على تطويرها اقتصاديا وثقافيا؛ فالإمارا ت
العربية التي تضم واحد من اكبر المراكزالثقافية الصينية في المنطقة (معهد
كونفوشيوس) باتت تواجه منافسة حقيقية من السعودية التى تسعى للانتقال بهذه العلاقة
إلى مستوى جديد عبر الإعلان عن جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية
والصين؛ ما يعني أن مسار العلاقة الصينية ـ العربية متجدد في صوره الثقافية
والاقتصادية وتنافسي في طبيعته الإقليمية وهي بيئة مناسبة للصين لخلق مزيج
جيواقتصادي وثقافي مقبول خلافا للحالة الأمريكية المتراجعة في قوتها الناعمة
والصلبة وتحالفاتها الإشكالية التي تعاني من منسوب ثقة متراجع وصعوبات متزايدية في
بناء التحالفات لمحاصرة الصين وروسيا في المنطقة .
الناطق باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي علق على الزيارة
من جهته بالقول "لم نطلب أبدًا من أي
دولة الاختيار بين الولايات المتحدة والصين.. لذا، إذا أراد أصدقاؤنا وشركاؤنا في
الشرق الأوسط مقابلة الرئيس شي جين بينغ والتحدث معه حول مجموعة من القضايا، فمن
المؤكد أن هذا حقهم ونحن نحترم ذلك".
تصريح جون كيربي الدبلوماسي في مؤتمره الصحفي المعقود عبر الهاتف عكس
مأزق الإدارة الأمريكية؛ فتصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن في وقت سابق بأن بلاده لن تسمح بأن تملأ روسيا أو الصين
الفراغ في منطقة الخليج العربي عززتها سياسات أمريكية على الأرض بإطلاق شراكات أمنية
وسياسية في المنطقة تضم الهند أحد أبرز
خصوم بكين على أمل الحد من النفوذ الصيني في المحيط الهندي وخلجانه الممثلة بالبحر الأحمر وبحر العرب والخليج العربي.
الاستراتيجية الأمريكية واضحة في محاصرة النفوذ الصيني وجمع حلفائها
وشركائها في المنطقة تحت مظلة احتواء ومحاصرة النفوذ الصيني بما فيهم الكيان الإسرائيلي
والدول العربية؛ هندسة جيوسياسية تتعارض
مع توجهات القيادة السعودية التي ذهبت
للمرة الثانية بعد اتفاق أوبك بلس بالشراكة مع روسيا خصم واشنطن في أوروبا؛
نحو الموائمة بين رؤية 2030 لولي العهد محمد بن سلمان التي يقع في لبها (مشروع
نيوم) شمال السعودية ومشروع الحزام والطريق الصيني الذي يربط المحيط الهادئ
بالهندي بإفريقيا وأوروبا .
مشروع نيوم الواقع على مثلث جغرافي يربط آسيا بإفريقيا وأوروبا؛ يقدم
رصيفا مهما للبضائع والاستثمارات الصينية في المنطقة؛ كما أنه يسير بالتوازي مع
مشاريع تطوير الموانئ السعودية كمشروع ميناء جيزان بالشراكة مع الصين؛ ليمنع بذلك محاصرة الصين في المحيدط الهادي والهندي؛ إضافة إلى مشاريع أثارت
لغطا كبيرا حول مساعي صينية سعودية لإنتاج كعكة اليورانيوم الصفراء ومشاريع لتطوير صواريخ بالستية؛ نشاطات اشعلت
الأضواء الحمراء لدى المؤسسات الأمنية الإسرائيلية التي نقلتها إلى واشنطن
وناقشتها في أكثر من محفل وتقرير أمني حول الطموحات السعودية.
الصين تبدو أكثر اندفاعا في تطوير علاقتها مع دول المنطقة من
الولايات المتحدة والهند التي تجد عوائق أكبر بكثير من تلك التي تحاول أن تضعها
واشنطن في طريق بكين وأبرزها ملف الأيغور المسلمين في إقليمي شينيجانع الصيني (تركستان
الشرقية)؛ فالهاجس الديموغرافي الهندي يتنامي ويتحول إلى ملف مثير للجدل في منطقة
الخليج العربي إلى جانب الصعود الكبير للجناح الهندوسي المتطرف الذي طرح مشروعا
فاشيا جديدا كان أحد مظاهرة الإعلان عن مشروع
لهدم 2000 مسجد؛ فضلا عن الصدام
الدائم مع باكستان وانتهاكاتها اليومية في إقليم
كشمير.
زيارة الرئيس الصيني للمنطقة العربية جاءت لتتوج شراكة اقتصادية طويلة وممتدة مع العالم العربي خلافا للشراكة الأمريكية العربية المثقلة بالأزمات والصراعات وانعدم الثقة فزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ تمثل علامة فارقة في السياسة الصينية
الصورة السلبة للهند تتفوق على الدعاية الأمريكية الموجهة ضد الصين
بكثير في المنطقة العربية إذ لا تحتاج الهند إلى كبير جهد في المنطقة العربية؛
فالهند سوقت نفسها بنجاح عبر سياسات رئيس الوزراء ناريندرا مودي المتطرفة ضد
المسلمين وعبر التقارب مع الكيان الإسرائيلي التي لم يغفل رئيس الكيان يتسحاق
هرتسوغ خلال مؤتمر الفضاء المعقود يوم أول أمس الإثنين في الإمارات العربية عن الإشارة
إليها عبر الشراكة في مشاريع الفضاء؛ فالهند تقع في لب الاهتمام الإسرائيلي خصوصا
بعد تنامي قوة اليمين الهندي الفاشي والذي يجد له صدى وقبولا كبيرا داخل الكيان الإسرائيلي.
زيارة الرئيس الصيني للمنطقة العربية جاءت لتتوج شراكة اقتصادية
طويلة وممتدة مع العالم العربي خلافا للشراكة الأمريكية العربية المثقلة بالأزمات
والصراعات وانعدم الثقة فزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ تمثل علامة فارقة في
السياسة الصينية؛ فهي لا تمثل رد فعل مجردا على السياسة الأمريكية في جنوب شرق آسيا
ومضيق تايوان بل محاولة صينية جادة لتدشين مرحلة جديدية تعكس مستوى التطور في
العلاقات الاقتصادية والثقافية بين المنطقة العربية والصين وهو ما يؤكده حجم التبادل
التجاري النامي بين السعودية والصين والذي تجاوز 67 مليار دولار.
ختاما.. السياسة الأمريكية والغربية تواجه معضلة جيوثقافية وسياسية وثالثة
اقتصادية؛ تكشفت بعض جوانبها في مونديال قطر؛ فهي مثقلة بإرث تاريخي ممتد لأكثر من
70 عاما يضاف له إرث استعماري أنجلوسكسوني يقع في لبه الكيان الإسرائيلي؛ فالقوة
الناعمة للنموذج الغربي في تراجع وتآكل مستمر؛ وتقبل الشعوب العربية للمشروع
الصهيوني تعادل صفر مهددة مشروعية البرامج والمشاريع الأمريكية في المنطقة؛ معضلة
لا يتوقع أن تتغلب عليها الولايات المتحدة سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي بالجمع بين متناقضات
تغذي عن غير قصد التقارب الجيواقتصادي والثقافي العربي الصيني موفرة الأرضية
لتطوير العلاقات الجيوسياسية بين الصين والعالم العربي على حساب الشراكة السياسية
والاقتصادية والثقافية مع الولايات المتحدة وشركائها الاشكاليين في الهند والكيان
الإسرائيلي.
hazem ayyad
@hma36
الانتخابات الإسرائيلية ومأزق اليسار
خطوات بايدن الاستباقية لتحييد أبو ظبي