عندما تم توقيع اتفاقات إبراهيم «للسلام»
بين بعض الدول العربية وإسرائيل، سألني دبلوماسي غربي عن معنى ذلك للقضية الفلسطينية
وأجبته: بأن ما جرى هو عملية نقل للتنسيق بين أطراف في النظام العربي الرسمي وإسرائيل
من «الخفاء» الى «العلن» ، وأن هذه المسألة لا تأثير لها على الصراع بين الفلسطينيين
وإسرائيل.
وأضفتُ بأن الفلسطينيين والشعوب العربية
تدرك بأن النظام العربي الرسمي متحالف سراً مع إسرائيل، وأن نقل هذا التحالف للعلن
له حسابات خاصة بهذا النظام ولا علاقة له بالقضية الفلسطينية. وأضفت أيضاً، بأن الفلسطينيين
يميزون بشكل لا لبس فيه بين الشعوب العربية التي تدعمهم وبين أجزاء النظام العربي الرسمي
المتحالف تاريخياً مع إسرائيل.
الدبلوماسي الغربي أظهر شكوكاً كبيرة فيما
قلته له لأن لديه رغبة كبيرة في تصديق «أكاذيب» إسرائيل بأن الشعوب العربية جاهزة لتجاوز
القضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل لأسباب يشير اليها أنصار التطبيع على أنها حقائق
مؤكدة، ومنها أن الصراع مع إيران له أولوية على الصراع مع إسرائيل، وأن الجيل العربي
الجديد لا يهتم بالقضية الفلسطينية مثل الجيل الذي سبقه وأن أولوياته مختلفة، وأن الدمار
الذي حدث في العالم العربي وتحديداً في سورية والعراق واليمن وليبيا فرض أجندة جديدة
على شعوب هذه الدول وفلسطين غير موجودة فيها.
في غياب استطلاعات حقيقية للرأي في العالم
العربي يصبح من الصعب معرفة حقيقة توجهات الجمهور العربي: هل هو حقاً لا يزال يؤمن
بأن القضية الفلسطينية هي قضيته أيضاً، أم أن الظروف الاقتصادية وقساوة الحياة التي
يعيشها قد أنسته فلسطين وجعلته يتعلق بأكاذيب المطبّعين مع إسرائيل بأن التطبيع سيجلب
لهم «الرفاه الاقتصادي».
من هنا تأتي أهمية المونديال العالمي لكرة
القدم في دولة قطر لأنه يشكل استطلاعاً مباشراً للرأي العام في العالم العربي. عندما
تهتف الجماهير العربية لفلسطين في ملاعب كرة القدم، عندما يرفض الجمهور العربي الحديث
مع الاعلام الإسرائيلي، عندما يهاجمون دولة الاحتلال إذا تحدثوا مع إعلامه، عندما يقفز
فتى تونسي لم يتجاوز عمره العشرين الى ارض الملعب حاملاً العلَم الفلسطيني، وعندما
يرفع فريق المغرب علَم فلسطين بعد فوزه على الفريق الإسباني، هذا كله يؤكد بأن القضية
الفلسطينية مازالت تحتل مكانة متقدمة جداً في وجدان الشعوب العربية، وأن إسرائيل كدولة
احتلال لا أمل لها بالتطبيع مع هذه الشعوب قبل أن تنسحب من الأراضي الفلسطينية والعربية
التي تحتلها.
هنالك شيء لا يفهمه الغرب ولا تفهمه إسرائيل.
صديق تونسي قال لي العام ٢٠١٢ بأن «عشق»
التونسيين لفلسطين (اقرأ العرب بشكل عام) نابع من مسألتين: الأولى بأن الشعب الفلسطيني
تعرّض لظلم تاريخي مستمر للآن لأن «العالم العربي الرسمي» لم يقم بدوره في الدفاع عنهم
والانتصار لقضيتهم، وبالتالي هنالك إدراك عند الشعب التونسي (والعربي) بأن الفشل في
إنهاء الاحتلال هو عربي.
والثانية أن عدم استسلام الفلسطينيين ودفاعهم
المستمر عن ارضهم منذ مائة عام هو مصدر إلهام للتونسيين (وللعرب) بأن عليهم أن يقاتلوا،
مثل الفلسطينيين، من أجل تحرير أنفسهم من الظلم الذي يتعرضون له داخل أوطانهم.
ما قاله صديقي التونسي بكلمات مغايرة لكن
بشكل أوضح: نحب فلسطين لأننا عرب وهويتنا واحدة، ونحب شعبها لأنهم «رمز» لنا لمقاومة
الظلم في بلادنا.
هذا كلام لا يرغب الغرب في سماعه، فهو يريد
أن يكون العرب قبائلَ متناحرة لأن هذا يخدم مصالحه السياسية والاقتصادية، وهو لهذا
يدعم اتفاقات إبراهيم والتطبيع مع إسرائيل لأنها تؤكد فكرته التي يرغب في جعلها حقيقة
بأن العرب لا يجمعهم شيء مشترك، رغم أن لغتهم وتاريخهم وثقافتهم مشتركة.
الرياضة كانت دائماً أحد الفضاءات التي
يستخدمها العرب للتعبير عن أنفسهم:
في الكثير من المباريات انسحب لاعبون عرب
عندما اضطروا لمواجهة لاعبين إسرائيليين بهدف إعلان موقفهم ضد إسرائيل.
مشجعو كرة القدم في مصر وسورية وتونس الذين
يهتفون لفلسطين في المباريات كانوا في مقدمة مَن تحركوا في احتجاجات العام ٢٠١١ لتغيير
أنظمتهم السياسية.
اليوم يستغل العرب كأس العالم في الدوحة
للإعلان بأن تطبيع بعض الأنظمة الرسمية مع إسرائيل لا علاقة لهم به، وأن إسرائيل هي
دولة عدوة طالما استمرت في احتلالها للأرض الفلسطينية.
(الأيام الفلسطينية)
من كسب فى مونديال قطر.. فلسطين أم إسرائيل؟!!