نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا، قالت فيه إن الرئيس
التونسي قيس سعيّد رفض الأربعاء الانتقادات الأمريكية لتوطيد سلطته، خلال مشاركته في القمة الأفريقية بواشنطن، ودافع متحديا عن التحركات التي تقول إدارة بايدن وآخرون إنها تهدد الديمقراطية الوليدة التي برزت في يوم من الأيام على أنها النجاح الوحيد للربيع العربي.
وألقى سعيد باللوم على "الأخبار الكاذبة" في الانتقادات الغربية الواسعة لخطواته لتعزيز سلطاته الرئاسية، وندد بـ"قوى أجنبية" غير محددة قال إنها تحاول إثارة المعارضة لإسقاطه.
وقال في اجتماع مع هيئة تحرير "واشنطن بوست" والمراسلين إن "هناك الكثير من أعداء الديمقراطية في تونس يريدون بذل كل ما في وسعهم لنسف الحياة الديمقراطية والاجتماعية للبلاد من الداخل".
وأشارت الصحيفة إلى أن سعيّد تحدث في لحظة مهمة بالنسبة لتونس، بعد أكثر من عقد من انتفاضة 2011، التي أنهت دكتاتورية طويلة، وأطلقت موجة من الثورة في جميع أنحاء العالم العربي.
وتأتي زيارة سعيّد لواشنطن لحضور قمة الرئيس بايدن الأفريقية، قبل أيام فقط من الانتخابات التي يأمل الرئيس التونسي أن تنهي فترة الاحتكاك مع الداعم الرئيسي، الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة.
لكن تضارب الروايات الأمريكية والتونسية حول الأحداث التي تلت انتخابات سعيد 2019 -والأهم بعد تعليق البرلمان في 2021- بدا كأنه يشير خلال الزيارة إلى تصلب العلاقات بين البلدين، ما قد يدفعها إلى حد المواجهة، حيث تهدد إدارة بايدن بوقف المساعدة المطلوبة، ويرفض سعيد أي تلميح للتوبيخ.
ودافعت واشنطن عن الديمقراطية الوليدة في تونس بعد الإطاحة بالرئيس الأوتوقراطي زين العابدين بن علي، وهي تكافح لتوفير الدعم السياسي والاقتصادي. في حين انحدرت دول الربيع العربي الأخرى إلى الصراع أو الفوضى أو الحكم العسكري، برزت تونس كنقطة مضيئة. لكن الآن، خفضت إدارة بايدن المساعدات المدنية والعسكرية لتونس بمقدار النصف تقريبًا في ميزانيتها المالية 2023، بسبب إجراءات سعيّد.
وقالت سارة يركس، المسؤولة الأمريكية السابقة التي تدرس تونس في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن سعيّد يأمل في أن تكون الانتخابات التشريعية المقررة في نهاية هذا الأسبوع، والذي سينتخب هيئة تشريعية لتحل محل البرلمان الذي أغلقه الرئيس، أن تنهي التوترات مع واشنطن من غير المرجح أن تؤتي ثمارها.
وقالت: "يبدو أن سعيد يعتقد أنه بعد انتخابات يوم السبت، ستعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الانتخابات. من غير المرجح أن تسمح الولايات المتحدة بحدوث ذلك، ولا ينبغي لهم ذلك".
في نقاشه الذي استمر لمدة ساعة مع صحيفة "ذا بوست"، رفض سعيد الاعتراف بأي نقد شرعي، وحدد حملة غامضة لتقويض حكمه، وقال "إنها حركة منسقة بالكامل يقودها أعداء الديمقراطية هؤلاء الذين أرادوا نهب الناس ، الذين أرادوا سلب الشعب، والذين أرادوا تفجير الدولة من الداخل".
ودافع عن قراره الصادر في تموز/ يوليو 2021 بتعليق عمل البرلمان، قائلاً إن المقاعد كانت "تُباع وتُشترى" في البرلمان السابق، مشيرا إلى أن دستور 2022 وفر للتونسيين حقوقا وحماية أكبر من الدستور السابق للبلاد.
بينما يقول مسؤولو إدارة بايدن إنهم يفضلون عادةً توجيه انتقادات لسجلات الدول الشريكة في مجال حقوق الإنسان والحقوق السياسية في السر، فقد اتخذوا موقفًا عامًا ينتقد بشدة تونس. ويمثل هذا تباعدا عن الحلفاء في أوروبا، الذين يقول محللون إنهم يركزون أكثر على وقف موجة المهاجرين المتدفقة من شمال أفريقيا.
كما تحدث سعيّد بعد اجتماع مع وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، الذي أشار في ملاحظاته الافتتاحية إلى آماله في انتخابات شفافة، فيما قال مسؤول كبير في الوزارة ، طلب عدم الكشف عن هويته إنه بينما أيدت إدارة بايدن انتخابات السبت، فإنها ستبحث عن خطوات إضافية لوضع تونس في مسار مختلف.
وقال المسؤول: "الأمر دائما يتعلق بما هو أكثر من الانتخابات. يتعلق الأمر بالتنفيذ، إنها تتعلق بالروح الديمقراطية التي يجب أن تتجاوز آلية الانتخابات نفسها ".
واعتبرت "واشنطن بوست" أن يكون الإكراه الاقتصادي الشديد الذي يشعر به ملايين التونسيين، الذين خاطر الكثير منهم برحلة محفوفة بالمخاطر عبر البحر الأبيض المتوسط بحثًا عن وظائف أفضل ودفع أجور في أوروبا، أكثر خطورة من الانتقادات الأجنبية لسعيّد.
بعد الانكماش بنسبة 9 في المائة تقريبًا في ذروة جائحة كورونا، يواجه الاقتصاد التونسي الآن رياحًا تضخمية ناجمة جزئيًا عن الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث تأمل الحكومة في أن يوقع صندوق النقد الدولي في الأيام المقبلة على شريان حياة بقيمة ملياري دولار يمكن أن يساعدها في تجنب التخلف عن السداد.
وردا على سؤال حول كيفية إدخال الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة لاتفاق صندوق النقد الدولي دون مزيد من نفور التونسيين، قال سعيّد إنه سيسعى لمساعدة الشركات الصغيرة ومكافحة البطالة، دون تقديم تفاصيل بحسب "واشنطن بوست".
وأضاف: "بالطبع، إذا أردنا تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية بنجاح، فنحن بحاجة إلى إدارة محايدة، ومحايدة تمامًا".
في المقابل، قالت سلسبيل شلالي، مديرة مكتب هيومن رايتس ووتش في تونس، إن سعيد لم يتمكن من حل الضائقة الاقتصادية التي تهم التونسيين، مضيفة أن "سعيد الآن هو المسؤول عن الأزمة".
وتابعت: "الأمر متروك للشعب التونسي، بدعم من أصدقاء الديمقراطية في كل مكان، للمطالبة بالعودة إلى حكومة خاضعة للمساءلة، حكومة ذات ضوابط وتوازنات وضمانات لحقوق الإنسان، كأفضل طريقة للمضي قدمًا".