لا تزال أصداء فيلم "
فرحة" للمخرجة الأردنية دارين سلام تتوالى، لا سيما مع استمرار حملة التحريض
الإسرائيلية المتواصلة عليه.
وأشارت مخرجة الفيلم، دارين سلامة، إلى أن حبكته مقتبسة من قصة حقيقة حدثت لفتاة
فلسطينية كانت تبلغ من العمر 14 عاما، حينما وقعت النكبة في عام 1948، مضيفة أن والدة المخرجة نقلت لها قصة الفتاة المأساوية، وهي بدورها حولتها لعمل سينمائي.
وقالت سلام في حوار خاص مع "عربي21"، إن فيلما واحد لا يكفي لسرد القصص المأساوية والأحداث التي وقعت في أثناء النبكة، بل يحتاج الأمر لأفلام كثيرة وتضافر الجهود، سواء من قبل صناع السينما أو الداعمين لهم.
وتاليا نص الحوار:
من أين أتت لك فكرة وقصة الفيلم؟
الفيلم يسرد حكاية صبية كانت تبلغ من العمر 14 في وقت حدوث النكبة، وكانت تعيش في قرية فلسطينية، وتحلم بأن تتعلم في المدينة، خاصة في ظل عدم وجود مدارس للفتيات في بلدتها.
إلا أن النكبة حرمتها من تحقيق هذا الحلم، حيث حدث اجتياح إسرائيلي لقريتها، وتحول حلمها من التعليم إلى البقاء على قيد الحياة، كذلك فارقت في الوقت ذاته والدها وصديقتها، لتتحول لامرأة في الغرفة التي حبسها فيها والداها خوفا على حياتها.
والفيلم مقتبس من قصة حقيقية لصبية اسمها "رضية" عاشت تجربة مشابهة، حيث حُبست داخل غرفة من قبل والدها، وذلك لخوفه عليها وعلى حياتها نتيجة للأحداث التي كانت تحدث في قريتهم وقت النكبة.
ووعدها والدها بأن يعود لها سريعا، لكنه لا يعود، ويسود الاعتقاد لدى الأهل بأنه إما مات أو فقدت آثاره في الشتات، ولا يُعلم مصيره للآن، ولكن الفتاة خرجت من الغرفة ولجأت إلى سوريا، وشاركت قصتها المؤلمة والمؤثرة مع والدتي، وحينما تزوجت أمي وأنجبتني وكبرت، سردت لي القصة التي بقيت معي وتأثرت بها، ولهذا قررت كتابتها وتحويلها لفيلم سينمائي.
وبعد عرض الفيلم، أكثر ما حرك مشاعري وأثر فيّ أن هناك الكثير من النسوة اللواتي يبلغن الآن من العمر ثمانين عاما وعاصرن النكبة قلن إنهن شاهدن الفيلم، وتحدثن عنه بعاطفية وبكاء وتأثر شديد، وقلن: نحن فرحة، وكل سيدة منهن قالت: أنا فرحة.
كذلك كثير من الشباب الذين شاهدوا الفيلم قالوا أمي وجدتي "فرحة"، وهذ الأمر فعلا مؤثر، أيضا قالت سيدة إن كل فتيات فلسطين اللواتي شهدن النكبة هن فرحة، وإنهن شاهدن فظائع وقصصا مشابهة لقصة بطلة الفيلم، وهذا أجمل ما يمكنني سماعه كمؤلفة ومخرجة للفيلم.
كان هناك حملة تحريض إسرائيلية على الفيلم، هل أثرت عليه، وما ردك عليها؟
في البداية، شنوا حملة على الفيلم، ودعوا الإسرائيليين للدخول لصفحته على المواقع المتخصصة بالأفلام، ومن ثم التصويت ضده حتى ينزل تقييمه، وفعلا في البداية للأسف انخفض تقييمه، ولكن بعد عرضه على شبكة نتفليكس ومشاهدته من قبل الجمهور، أصبح هناك تصويت عادل، وبالتالي عاد وارتفع تقييمه.
كذلك ساعد أحد الزملاء، وهو الناشط والصحفي أحمد شهاب الدين، بالتعريف بالفيلم، حيث خرج في بث مباشر، وشجع الناس على مشاهدته، وأن يقوموا بتناقله فيما بينهم، والتوصية بمشاهدته ودعمه هو وفريق العمل، خاصة بعد الهجوم عليه.
وسعدت كثيرا بردة فعل الناس، حيث استجابوا وشاهدوا الفيلم، وفرحت كثيرا بنخوتهم وفزعتهم، وهذا أثر في كثيرا، حيث لمست الشهامة العربية، كذلك كان هناك تفاعل غربي مع الفيلم، وتم دعمه من قبلهم، لكن مرة أخرى الفزعة العربية كانت جميلة جدا، وتحديدا فزعة الشعب الأردني، حيث دعموا العمل، الأمر الذي زاد من فرحتي بهذا الدعم، وردود الفعل الإيجابية جعلتني عاطفية أكثر وسعيدة جدا.
فيما يتعلق بردنا على حملة التحريض الإسرائيلية، أصدرنا أنا ومنتجات الفيلم تصريحا خاصا، أوضحنا فيه موقفنا من الهجمة الشرسة والتنمر الذي تعرضنا له من قبل الإسرائيليين، وأكدنا أن هذه المحاولات التي تسعى لإسكاتنا لن تنجح، وسنستمر بالكلام، وسننشر الفيلم أكثر وأكثر.
كذلك الذي ساعدنا أن شبكة نتفليكس لم تخضع للضغوط الإسرائيلية، ولم تقبل بتنفيذ مطالبها بحذف الفيلم من على المنصة، ولم يضطر فريق العمل للتواصل مع إدارة الشبكة، لأنهم من دون تواصلنا معهم اتخذوا القرار الصحيح بإبقائه على المنصة والاستمرار بعرضه، وهذا القرار جدد احترامي لهم، ما ساهم بأن يكون شعوري مختلفا تجاههم الآن، وأتأمل ألّا يتراجعوا أمام هذه الضغوطات.
هل تنوين صنع فيلم آخر يتحدث عن النكبة؟
بالتأكيد لا يمكنني أنا وغيري من صناع الأفلام الحديث عن كل ما حدث بالنكبة في فيلم واحد، ولهذا بدلا من الحديث عن قصص كثيرة في عمل واحد، وطرحها بطريقة معلوماتية ومباشرة، يمكنني الحديث عن قصة واحدة بأسلوب سينمائي مكثف ومؤثر، وبطريقة شاعرية تبقى مع الناس، أفضل من عمل قصص كثيرة داخل الفيلم تشتت الناس، والأهم توصيل القضية بطريقة ذكية وحساسة وشاعرية، ومن المهم أن تكون إنسانية؛ حتى تصل بسهولة لقلب ومشاعر المشاهد، خاصة الإنسان الغربي.
وبالطبع، لا يمكننا الحديث عن كل ما حدث في النكبة بفيلم واحد، ولكن على الأقل والأهم أن يبقى الفيلم ويؤثر في قلوب الناس، وهذا ما يحدث حاليا مع
فيلم فرحة، خاصة عند الغربيين الذين لا يعرفون ما هي القضية الفلسطينية وما هي النكبة، لدرجة أنهم حينما يبحثون يكتبون nakba وليس المعنى الإنجليزي لكلمة نكبة "catastrophe"، حيث أصبح مصطلحا عند الغرب، وهذا الأمر يعنيني كثيرا.
ونحن نحتاج لكثير من الأعمال التي تتحدث عن هذه القضية وتاريخها المهمش، وبرأيي ما حدث مع فيلم فرحة يؤكد ضرورة وأهمية صناعة أعمال مشابهة ونشرها على منصات عالمية، لأن العالم الغربي أصبح أوعى الآن، وأصبحت أعينه ترى أكثر وآذانه تسمع أكثر عن قصص كثيرة لم يكن يعرفها ولم يسمعها أو يشاهدها من قبل، وهذا الأمر يُظهر أهمية السينما والإعلام بشكل عام كوسيلة لتوصيل قصصنا وصوتنا.
وبالتأكيد في حال سمعت قصة، وأثرت في كحكاية "رضية"، وبقيت معي، سأعمل عليها، فأنا حينما يعتريني الشغف تجاه قصة إنسانية أعمل عليها، وبالنهاية أنا كفنانة أحب أن أكون متنوعة وأتحدث عن قضايا إنسانية كثيرة، ولا أضع نفسي في قالب معين، وأختبر أنواعا مختلفة من الأفلام، ولكن في حال وجدت قصة أثرت في وتدور أحداثها عن النكبة بالتأكيد سأكون مستعدة لتحويلها لفيلم.
ماذا تقولين للجمهور العربي؟
أطلب منهم أن يشاهدوا الفيلم، وأن ينشروه، ويتحدثوا عنه أكثر، وليس بالضرورة الترويج له كقضية، لكن يمكن الترويج له كفيلم سينمائي يحاول أن يطرح قضية قديمة جدا من منظور مختلف، حيث إن معظم أحداثه تدور داخل غرفة، الأمر الذي دفع البعض لتسميته "النكبة من غرفة".
والفيلم كتجربة سينمائية تميز، خاصة في المهرجانات، ولهذا أتمنى أن يشاهده الجمهور العربي، وأن يتحدثوا عنه أكثر، فنحن نصنع الأفلام حتى يتم مشاهدتها وتعيش أطول، فالعمل الآن لم يعد معي، بل بقلوب الناس، وهذا ما سيجعله يعيش لفترة أطول وينتقل للأجيال القادمة بإذن الله.
صناعة الأفلام وخاصة التي تتحدث عن التاريخ تحتاج لدعم مادي. في هذا الصدد، ما هي الرسالة التي توجيهها لرجال الأعمال العرب؟
بالتأكيد أقول لرجال الأعمال وغيرهم ممن يستطيعون دعم هذه القصص أن يدعموها، وأن يساندوا تحويلها لأفلام، سواء ماديا أو معنويا، خاصة بعدما رأينا الأثر الذي تركه فيلم فرحة، وإلى أين يمكن أن يصل هذا الأثر.