سحرت
كرة القدم مئات الملايين من الناس لأيام معدودات. انقضت تلك الأيام وعاد كل إلى واقعه فوجده كما تركه قبل
كأس العالم، لم يتغير في شيء.. الفقراء هم الفقراء والأغنياء هم الأغنياء والحرب هي الحرب والأزمات هي الأزمات والأمن هو الأمن. لم تُغيِّر كرة القدم من واقع الناس شيئا، ومع ذلك استمر عدد كبير منهم مرتبطا بها وأحيانا إلى حد الإدمان؟ أين يُمكِن تصنيف هذه اللعبة بعد انتهاء مرحلة تأثير مفعولها القوي: هل في صنف المُخدِّر المؤقت لملايين الناس؟ أم في صنف الصناعة المُربِحة لمن أخذها حِرفة أو نشاطا دعائيا لمنتوجه أو سياسته؟ أم في صنف الفُرجة التي لم تتوقف عن إدخال السرور على متابعيها بغض النظر عن واقعهم الاجتماعي وظروفهم السياسية؟
يبدو لي أننا بحاجة حقا إلى طرح هذه الأسئلة وعشرات أخرى عن هذه اللعبة التي باتت عنوان حقبة تاريخية تمر بها مجتمعاتنا لعلنا نكتشف السر الكبير الذي تُخفيه.
ومن بين الأسئلة الأخرى التي تفرض نفسها؟
– لماذا يقبل الفقراء من المتابعين لهذه الرياضة وهم الغالبية أن يكونوا سببا في ثراء فاحش لبعض الرياضيين ولا يرون في ذلك ظلما أو استغلالا لهم؟
– لماذا يقبل هؤلاء أن يكونوا هدفا مباشرا لشركات الإعلان العالمية تستغل ارتباطهم باللعبة لتوجيه أذواقهم واستنفاد بعض الأموال التي لديهم على قلتها؟
– لماذا يقبل هؤلاء أن تُنفَق ملايير الدولارات على لعبة تنتهي خلال أيام، في حين كان الأحرى بهم المطالبة بتخصيص تلك الملايير لمحاربة الفقر ولتحقيق التنمية حيث وجدوا؟
– هل المسألة تتعلق بدفع ثمن الفرجة؟ أم بقدرة أطراف على تقديمها في شكل خدمة للرياضة وخدمة لما تؤمن به من قيم؟ أم أنها تتعلق بحاجة أطراف أخرى لاستغلالها لأغراض سياسية ذات صلة بمصالح دول وشركات عالمية؟
يبدو أننا اليوم في حاجة إلى البحث عن إجابات عن هذه الأسئلة في ظل الواقع الذي نعيش لتصحيح نظرتنا بشأن كرة القدم بشكل خاص والرياضة بشكل عام؟
ما الذي نربحه ونخسره؟ ومَن هم الرابحون والخاسرون حقا؟
إن الإجابة الأولية التي تبدو أكثر وجاهة، بعد الخروج من مرحلة التأثير المباشر لهذه اللعبة، تقول: لقد أصبح لدينا إفراط في الاهتمام بهذه اللعبة على حساب غيرها من الرياضات… وعلينا تدارك الأمر..
من حق الدول المتقدمة أن تنتقل إلى مرحلة الترف، ومن حقها أن تستغل هذه اللعبة كما شاءت، فقد بلغت درجة الرفاه، أما تلك الشعوب المغمورة، المحتاجة إلى الكثير من المتطلبات الأساسية فليس من حقها قلب سُلَّم أولوياتها، بما في ذلك الرياضية منها.
صحيح كرة القدم رياضة أصبح لها سحر خاص، ولكن بالنسبة لنا كشعوب في طور النمو، ينبغي ألا تُختَصر كل الرياضة عندنا في كرة القدم، وكذلك الفُرجة والاستمتاع…
نحن في حاجة إلى منظور أقل عاطفية لكرة القدم، وأكثر عقلانية للرياضات الأخرى.. نحن في حاجة إلى أن نُفكِّر خارج منطق ضغط مساحة الثمانية عشر مترا…
(
الشروق الجزائرية)