أسبوع
وينتهي عام كان من الأصعب في حياة
المصريين اقتصاديا وماليا، وسط مخاوف من أن يسير
العام المقبل بنفس وتيرة العام المنصرم في تصاعد الأزمات وتفاقم معدلات التضخم وتزايد
نسب الفقر والبطالة.
وفي
الوقت الذي يعرب فيه قطاع كبير من المصريين عن فقدانهم الأمل في تحسن الأحوال على يد
رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي وحكوماته المتتابعة، فإن هناك من يحدوهم الأمل في تغير
الأحوال خلال العام المقبل ليشهد المصريون تحسنا في أوضاعهم.
"وضع
قاتم"
ويترك
العام 2022 ذكريات سيئة لجميع المصريين، حيث تفاقم أسعار جميع السلع والخدمات، وتزايد
سياسات الجباية، وعدم السيطرة على الأسواق، وظهور الأزمات الغذائية تباعا بداية من
القمح والزيت والذرة، وأعلاف الدواجن، وحتى الأرز، ورغيف الخبز.
وسجل
الاقتصاد المصري في 2022 العديد من الإخفاقات، ووضع المصريين أمام كوارث اقتصادية،
وأزمات اجتماعية، وهبط بملايين المصريين إلى سلم الفقر، والفقر المدقع.
وبفعل
تأثير الحرب الروسية الأوكرانية التي اندلعت في 24 شباط/ فبراير 2022، تفاقمت أسعار
المواد الغذائية التي كوت ظهور المصريين، وتراجع الاقتصاد مع هروب نحو 20 مليار دولار
من الأموال الساخنة، ومغادرة بعض الاستثمارات الأجنبية، وفق تقارير صحفية سابقة لـ"عربي21".
ومع
تعاظم الحاجة للعملة الأجنبية لاستيراد السلع الأساسية والاستراتيجية مثل القمح والزيوت
والذرة والأعلاف ومستلزمات الإنتاج، فقد زادت ضغوط فوائد وأقساط دين خارجي يصل إلى 177 مليار
دولار، على الاقتصاد في 2022، خاصة أن الدين يشكل 89 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
خلال
2022، وقع المصريون في فخ التعويم الثاني للجنيه بعهد السيسي في آذار/ مارس الماضي،
ثم تعويم ثالث في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مع انتظار التعويم الرابع في كانون الأول/
ديسمبر الجاري، والذي هبط بقيمة الجنيه مقابل الدولار من 15.60 إلى نحو 24.5 رسميا،
وإلى نحو 35 جنيها في السوق السوداء.
نتائج
كارثية لكل تلك الأوضاع في 2022، بينها نسب فقر يصعب قياسها مع غياب الأرقام الرسمية،
وتضخم بلغ ( 21.5 بالمئة) على أساس سنوي هو الأعلى منذ 5 سنوات، وشروط صعبة لصندوق
النقد الدولي برفع الدعم بشكل نهائي، تشير إلى أيام صعبة في انتظار المصريين.
غلب
أيضا، على 2022، قرارات بيع أصول وممتلكات الدولة بأقل من قيمها الحقيقة لصالح الصناديق
العربية الإماراتية التي لحقت بها الصناديق السعودية كمنافس، ثم ظهور قطر ببعض الصفقات،
وهو ما رصدته تقارير "عربي21"، خلال 2022.
"تفاؤل
حكومي"
ورغم
ما يعانيه المصريون من أزمات إلا أن الحكومة المصرية تعطي مؤشرات إيجابية عن اقتصاد
البلاد في 2023، إذ إن وزير المالية محمد معيط، قال في 7 كانون الأول/ ديسمبر الجاري:
"نتطلع إلى وضع اقتصادي أكثر تحسنا واستدامة عام 2023، مع تنامي الصادرات غير
البترولية والبترولية وعائدات قناة السويس".
وفي
30 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، توقعت وزارة التخطيط المصرية أن يسجل اقتصاد البلاد
نموا بنحو 5 بالمئة بنهاية السنة المالية 2022-2023، ارتفاعا من 4.4 بالمئة في الربع
الأول من العام المالي الجاري.
أهم
الملفات التي قد تشهد أزمات في 2023؟
وفي
إجابته، قال الخبير والمستشار الاقتصادي الدكتور أحمد خزيم إن "أهم الأزمات التي
عانى منها المصريون في 2022 ستنتقل معهم إلى 2023، وجميعها مرتبطة بشكل مباشر بسعر
الجنيه مقابل العملات الأجنبية وخاصة الدولار، وكذلك مرتبطة بمدى ارتفاع الأسعار".
وفي
حديثه لـ"عربي21"، فهو يعتقد أن "تلك الأزمات مرتبطة بحجم الفجوة بين العرض
والطلب للدولار وللسلع، وإذا زاد الطلب عن العرض تحدث أزمة، وإذا زاد المعروض من الدولار
فإن المشكلة سوف تُحل".
رئيس
منتدى التنمية والقيمة المُضافة أكد أن "مصر تستورد بحوالي 85 مليار دولار سلعا ومستلزمات إنتاج، وهناك فجوة مالية من 35 إلى 40 مليار دولار".
ولفت
إلى أن "الدولار يتم توفيره من منتجات تصدرها الدولة، أو بمزايا تضعها لجلب المستثمرين
أو من القروض الخارجية"، مبينا أنه "طالما ظلت الفجوة بين المعروض من الدولار
وبين الطلب عليه فسيتحرك سعر الصرف وتظل الأزمة، في 2023".
وبين
أن "ارتفاع أو انخفاض أسعار السلع مرتبط بسعر وحضور مدخلاتها، وكلما زادت أسعار
المدخلات زادت أسعار المنتجات والسلع، ما يعني استمرار الأزمة مع زيادة الطلب وقلة
المنتج وزيادة سعر المكون المستورد".
وألمح
إلى أن "القوة الشرائية للجنيه انخفضت في 2022، بشكل مثير، والجنيه يظل مخزن قيمة
إذا ظل هذا المخزن بلا قيمة أو غطاء من إنتاج فإن قوته الشرائية ستتهاوى مجددا وستزيد
الأسعار بالعام المقبل بالطبع".
وتحدث
عن أزمة "المرتبات في القطاع الحكومي والعام والخاص، وأكد أنها حاليا لا تتوازن
مع نسب رفعها، خاصة مع استمرار هبوط قيمة الجنيه"، مبينا أن "هناك أزمة في
مداخيل الناس مقابل ضعف قوة الجنيه وارتفاع الأسعار، وهي الفجوة المستمرة بلا شك".
من جانبه،
توقع الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور علي عبدالعزيز، أن "يكون عام
2023 على المصريين أشبه بعام 2017، حيث كان التعويم الأول نهاية 2016، وبالتالي فقد ارتفع
سعر الصرف 100 بالمئة من 8 جنيهات إلى 16 جنيها تقريبا، وصاحب ذلك ارتفاع التضخم إلى
33 بالمئة".
ويرى
عبدالعزيز، في حديثه لـ"عربي21" أن "هذا ما سيحدث خلال أيام، حيث التعويم
أو حسب شروط صندوق النقد التحرير الكامل لسعر الصرف"، مضيفا أنه "لا شك أن
هذا له انعكاس خطير على مستوى معيشة المصريين وصعوبات كبيرة فى توفير الغذاء والحياة
الكريمة".
ويعتقد
أن الأمور ستسير "على عكس ما يروج النظام العسكري"، و"صحيح أنه قد
يحدث انخفاض بعجز الميزان التجاري بسبب ارتفاع سعر الصرف، وتقليل الفجوة الدولارية
من 50 مليار دولار إلى أقل من 20 مليار دولار".
"ولكن
هذا يتزامن مع ضريبة كبيرة من بيع الأصول المنتجة، وضغط المعيشة، وصعوبات توفير احتياجات
الشركات والمصانع"، لافتا إلى أنه "قد يصاحب ذلك أيضا ارتفاع الناتج المحلي
الإجمالي والذي في مجمله سيكون بسبب ارتفاع التضخم من ناحية واستمرار الجيش في إهدار
المليارات على الطرق والكباري والقصور والعاصمة الجديدة".
وقال
إن "الأزمات الحقيقية في 2023، قد تكون في القدرة على توفير دولارات تكفي الاحتياجات
وسداد الالتزامات، في ظل ارتفاع متوقع للدين الخارجي قد يقترب من 180 مليار دولار أو
يتجاوزه، بجانب استمرار آثار ملء سد النهضة على قطاع الزراعة".
"وذلك
إلى جانب قدرة المصريين على التكيف مع ضغط النظام الجديد فى توفير احتياجات الشعب والشركات،
حيث التضخم وانخفاض الدعم وزيادة الضرائب والبطالة والفقر وإهمال الإنفاق على الصحة
والتعليم".
كيف
يمكن للمصريين الخروج من أي أزمات قد تطالهم في 2023؟
يعتقد
عبدالعزيز، أنه "ليس هناك حل جذري للخروج من الأزمة اقتصاديا ما دامت سياسات النظام
في الإنفاق كما هي أو استمر النظام نفسه في الحكم"، مبينا أن "الحلول قد
تكون فردية بضغط المعيشة وتأمين ثرواتهم الخاصة أو البحث عن عمل بدخل دولاري أو السفر
للخارج".
ويرى
خزيم أن "الحل موجود"، موضحا أنه "طالما أنك لا تزرع ولا تصنع ولا تنتج
لتكفي السوق المحلي وتصدر أيضا، بل وتعمل على تقليل الاستيراد وتقليل الفارق مع التصدير،
فأنت تجري خلف سراب".
وأكد
على ضرورة أن "تكون "قادرا كدولة على الموازنة بين احتياجاتك من مستلزمات
إنتاج وقمح ووقود وسلع استراتيجية، مع ما يدخل لك من دخل السياحة وقناة السويس وعوائد
المصريين بالخارج والتصدير وغيرها".
يعتقد
خزيم أن "الأزمة مستمرة طالما بقيت الفجوة"، مبينا أن "الفجوة تتعاظم
بسبب الجهة الإجرائية أو الحكومة التي دورها تنظيم الأسواق، وتكون النتيجة تحقيق الاكتفاء
بطريقة ما، والتصدير لتوفير الدولار، وذلك بناء على خطط ورؤية وبرامج ومناقشتها بالبرلمان".
ويرى
أنه للخروج من الأزمة في العام القادم، يجب "ضبط الموازنة العامة بتحقيق الوحدة
والعمومية بأن تكون كل الإيرادات والمدخلات والصرف العام دون استثناء في الميزانية
العامة للدولة، ولا يصح عمل صناديق تقتطع من مدخلاتها وتحمل الموازنة الإنفاق".
وأكد
أن استمرار مثل هذا التوجه الحكومي يعني مخالفة الدستور والقانون، وعندها لن تكون قادرا
على توزيع النفقات، ولن تعرف سبب العجز لديك بين الإنفاق والإيراد، ومهما رشدت الإنفاق
فستظل الفجوة".
وشدد
على ضرورة "الإنتاج، ووضع القوانين الميسرة للسوق، وصناعة رؤية استراتيجية، ووقف
الضغط على المواطن بالقرارات والتفنن في طرح القوانين المثيرة للجدل، واستحداث الرسوم
والتراخيص والفاتورة الإليكترونية في توقيت معاناة المصريين".
وأكد
على أهمية "دور المؤسسات والوزارات والبرلمان"، قائلا: "من تأتي به
لا بد أن يقدم له الحلول وقت الأزمة، مع مصارحة الشعب، لأن هذا يصنع أزمات وإشاعات وعدم
ثقة، مع إصدار قانون شفافية المعلومات، وضبط لغة الخطاب الإعلامي والسياسي".
"لا
تفاؤل"
وفي
رؤيته، توقع الخبير المصري في الإدارة، الدكتور هاني سليمان، "عاما جديدا من المعاناة"،
وقال في حديثه لـ"عربي21": "كنت أتمنى أن أكون متفائلا لكن لا يوجد
ما يدعو للتفاؤل على المستوى الاقتصادي والسياسي".
وأضاف:
"ما زال العالم يعاني بسبب الأزمات العالمية كالحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها
الاقتصادية والسياسية، والتي أثرت تأثيرا سلبيا كبيرا على أوروبا كلها، وبات تأثيرها
يشمل الكثير من دول العالم".
ويرى
أنه "في مصر، وإلى جانب التأثير العالمي السلبي، لا توجد أية مظاهر حقيقية تدل
على نية الإصلاح السياسي والاقتصادي، فما زالت الدولة تدار بنفس أسلوب الحكم الديكتاتوري
المعتاد، رغم التظاهر بالقيام بمبادرات تدعم الحكم الرشيد".
ولفت
إلى "مبادرة الحوار الوطني والذي لم يبدأ حتى الآن، والذي اتضح أنه مجرد كلام
مؤتمرات ولجان فقط لا غير، والمبادرة المصرية لحقوق الإنسان والتي ولدت ميتة ولم نرَ
فيها أية خطوات حقيقية وجادة، ولم ينتج عنها أي إنجازات تذكر".
وأكد
أنه "على المستوى الاقتصادي، لا توجد مبادرة حقيقية لإصلاح الأوضاع، فلا مشروعات
إنتاجية ولا صناعية أقيمت لتنمية مصادر دخل الدولة وتشغيل الشباب والتصدير، بل على
العكس استمرت عمليات تصفية وبيع المصانع والشركات والمؤسسات العامة بدلا من إصلاحها
وتنميتها".
وتابع:
"وما زالت الضرائب والرسوم التي تُستقطع من جيوب المواطنين الغلابة، سواء المقيمين
بمصر أو خارجها، هي المصدر الأساسي لدخل الدولة".
وأضاف:
"وما زالت القروض الداخلية والخارجية وسيلة الدولة لتعويض العجز بالإنتاج والتصنيع
والتصدير، وأصبحت هذه القروض المتتالية عبئا على الدولة تستقطع من ميزانيتها العامة،
والتي لم تكن أساسا تكفي لسد احتياجات الشعب".
وقال
إنه "لا توجد أي بوادر تنبئ أن عوامل الفشل هذه في طريقها للانتهاء"، معتقدا
أنه "لا توجد أي نية في محاولة إصلاح تلك العوامل، بل ستستمر عوامل الفشل والفساد
الحاكمة والمتحكمة، طالما بقي من يحكمون".
وختم
بالقول: "نحن بحاجة لمعجزة تُخرجنا مما نحن فيه، وحتى لو حدثت عام 2023، فإن طريق
الإصلاح سيظل طويلا ويتطلب عملا مكثفا ومجهودا كبيرا لإصلاح ما تم إفساده بالسنوات
القليلة الماضية".