تشهد
مصر هذه الأيام
جدلا محموما بشأن موافقة مجلس النواب خلال جلسته العامة التي انعقدت في التاسع عشر
من هذا الشهر؛ على مشروع قانون مُقدم من الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون رقم 30 لسنة
1975 الخاص
بنظام هيئة قناة السويس وذلك من حيث المبدأ، حيث ينشأ بموجب هذا القانون
صندوق يسمى "صندوق هيئة
قناة السويس"، تكـون لـه شخصية اعتبارية مستقلة،
ويكون مقره الرئيس محافظة الإسماعيلية، ويجوز لمجلس إدارة الصندوق أن ينشئ له فروعا
أو مكاتب داخل جمهورية مصر العربية. ويصدر النظام الأساسي للصندوق -بقرار من رئيس الجمهورية-
بناء على عرض رئيس هيئة قناة السويس وموافقة مجلس الوزراء، خلال ستين يوما من تاريخ
العمل بهذا القانون.
ويهدف الصندوق إلى
المساهمة في التنمية
الاقتصادية المستدامة لمرفق هيئة قناة السويس وتطويره من خلال
الاستغلال الأمثل لأمواله وفقا لأفضل المعايير والقواعد الدولية لتعظيم قيمتها، ومجابهة
الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية أو قوة قاهرة أو سوء
في الأحوال الاقتصادية.
ويكون للصندوق في
سبيل تحقيق أهدافه القيام بجميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية، بما في ذلك:
أثارت مواد القانون المخاوف من التفريط في قناة السويس واستقلال مصر وسيادتها، في ظل الأزمة المالية العميقة التي تعيشها مصر وحاجتها إلى توفير موارد دولارية بصفة عاجلة، وتبارت في الأذهان ما حدث من تفريط في تيران وصنافير، وما حدث على يد الخديوي إسماعيل الذي كان سببا في فقدان مصر سيادتها
1- المساهمة بمفرده أو مع الغير في تأسيس الشركات،
أو في زيادة رؤوس أموالها.
2- الاستثمار في الأوراق المالية.
3- شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال
أصوله الثابتة
والمنقولة والانتفاع بها.
وقد أثارت مواد القانون
المخاوف من التفريط في قناة السويس واستقلال مصر وسيادتها، في ظل الأزمة المالية العميقة
التي تعيشها مصر وحاجتها إلى توفير موارد دولارية بصفة عاجلة، وتبادر في الأذهان ما
حدث من تفريط في تيران وصنافير، وما حدث على يد الخديوي إسماعيل الذي كان سببا في فقدان
مصر سيادتها من خلال سياسة السفه التي اتبعها وكانت نتيجتها التضحية بقناة السويس وبيع
حصة مصر من أسهم القناة لبريطانيا بمبلغ 100 مليون فرنك، في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر
1875م، ورغم ذلك لم تنفرج الأزمة المالية التي أوقع مصر فيها وفقدَ معها منصبه أيضا
بعد أن أجبره الدائنون على النزول عن العرش في عام 1879م.
وفي المقابل خرج من
دولاب أهل الحكم من يدافع عن مشروع القانون، وفي مقدمتهم رئيس مجلس النواب المستشار
حنفي جبالي الذي صرح بأن مشروع القانون لا يتضمن أية أحكام تمس قناة السويس، لكونها
من أموال الدولة العامة، ولا يجوز التصرف فيها أو بيعها، والدولة ملزمة وفق المادة
(43) من الدستور بحمايتها وتنميتها، والحفاظ عليها
بصفتها ممرا مائيا دوليا مملوكا لها، كما تلتزم بتنمية قطاع القناة، باعتباره مركزا
اقتصاديا متميزا. وأن ما تضمنه مشروع القانون من حق الصندوق في بيع أو شراء أو استئجار
أو استغلال أصوله الثابتة أو المنقولة؛ هو أمر طبيعي يتفق مع طبيعة الصناديق كوسيلة
من وسائل التمويل والاستثمار، ولا يمس بشكل مباشر أو غير مباشر "قناة السويس"،
لأن لفظ "الأصول" لا يمكن أن ينصرف بأي حال من الأحوال إلى القناة ذاتها،
فهي مال عام لا يمكن التفريط فيه.
ما تضمنه مشروع القانون من حق الصندوق في بيع أو شراء أو استئجار أو استغلال أصوله الثابتة أو المنقولة؛ هو أمر طبيعي يتفق مع طبيعة الصناديق كوسيلة من وسائل التمويل والاستثمار، ولا يمس بشكل مباشر أو غير مباشر "قناة السويس"، لأن لفظ "الأصول" لا يمكن أن ينصرف بأي حال من الأحوال إلى القناة ذاتها، فهي مال عام لا يمكن التفريط فيه
كما دافع أيضا عن
مشروع القانون رئيس هيئة قناة السويس أسامة ربيع بقوله: إن إنشاء الصندوق لن يؤثر على
المبلغ الذي تشارك فيه القناة في ميزانية الدولة كل عام، والقناة لديها فائض يتزايد
سنويا وسيتم استغلال جزء من هذا الفائض في إنشاء الصندوق، والأصول التي يمكن أن يبيعها
الصندوق هي تلك التي سيشتريها ويستثمر فيها بالأموال التي ستوضع فيه وليست أصول قناة
السويس.
وكذلك مجلس الوزراء
دافع عن مشروع القانون، نافيا أن يكون الصندوق بابا خلفيا لبيع القناة، مؤكدا أن القناة
وإدارتها ستظل مملوكة بالكامل للدولة المصرية وتخضع لسيادتها، وسيظل كامل طاقم هيئة
القناة من موظفين وفنيين وإداريين من المواطنين المصريين، والصندوق مملوك لهيئة القناة
وهدفه المساهمة في التنمية الاقتصادية المستدامة لمرافق الهيئة، وستخضع كافة حساباته
لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات.
ومع ذلك خرج من أهل
الحكم مستشار السيسي للموانئ ورئيس هيئة قناة السويس السابق، مهاب مميش، رافضا مشروع
القانون وقال إنه من المستحيل تنفيذه، وأنه يفتح الباب لسابقة لم تحدث من سنوات طويلة،
وهي وجود أجانب في إدارة قناة السويس، وهذا يمثل خطرا وبداية السرطان في القناة، وتهديدا
للأمن القومي. ولكن تصريحاته التي نشرتها صحيفة المصري اليوم على موقعها الإلكتروني
لم تلبث طويلا، فقد تم حذفها من موقع الصحيفة.
إن الباحث البصير
المحلل لمواد مشروع القانون وتلك التصريحات يصل حتما إلى حقيقة واضحة، وهي أن مشروع
القانون مشروع غامض وله ما بعده، وأن تصريحات رئيس مجلس النواب ورئيس هيئة قناة السويس
فيها تخبط واضح، فلا يوجد مانع قانوني من أن يمتد مصطلح "الأصول" إلى قناة
السويس ذاتها، ولا يعني هذا المصطلح اقتصار الأصول التي يبيعها الصندوق على الأصول
التي سيشتريها ويستثمر فيها بالأموال التي ستوضع فيه.
مشروع القانون مشروع غامض وله ما بعده، وأن تصريحات رئيس مجلس النواب ورئيس هيئة قناة السويس فيها تخبط واضح، فلا يوجد مانع قانوني من أن يمتد مصطلح "الأصول" إلى قناة السويس ذاتها، ولا يعني هذا المصطلح اقتصار الأصول التي يبيعها الصندوق على الأصول التي سيشتريها ويستثمر فيها بالأموال التي ستوضع فيه
كما أن هيئة قناة
السويس لها دور تشريعي شامل وكامل ولكن ينقصها التفعيل الإداري والرقابي كفاءة وأمانة،
فما الحاجة لمثل هذا الصندوق ومهام الهيئة واضحة المعالم وفقا للمادة رقم (1) من قرار
رئيس الجمهورية بالقانون رقم (30) لسنة 1975م والتي هي محل التعديل، حيث نصت على أنه:
"تتولى هيئة قناة السويس القيام على شئون مرفق قناة السويس وإدارته واستغلاله
وصيانته وتحسينه، ويشمل اختصاصها في ذلك مرفق القناة بالتحديد والحالة التي كان عليها
وقت صدور القانون رقم 285 لسنة 1956م بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية.
وللهيئة أن تنشئ ما يقتضي الأمر إنشاءه من المشروعات المرتبطة أو المتصلة بمرفق القناة
أو أن تشترك في إنشائها أو أن تعمل على تشجيع ذلك"؟
كما أتاحت القوانين
بعد ذلك للهيئة تملك الأراضي والعقارات وتأجيرها، وإنشاء شركات مساهمة ذات أسهم قابلة
للتداول بمجرد تأسيسها ومن ثم قابليتها للبيع، وهي تملك بالطبع اثنتي عشرة شركة تابعة
لها.
حصيلة هذه الأموال لن تعرف طريقها للموازنة العامة للدولة، بل ستدخل نفق الصناديق الخاصة ومغاراتها، وبذلك تفقد الموازنة العامة جزءا هاما من مواردها، ويفقد الوطن استقلاله، ويصبح التبديد والتجريف -لا البناء والتطوير- هو سيد الموقف
إن مشروع القانون
هذا له ما بعده، خاصة وأن النظام الأساسي للصندوق الذي يصدر من رأس السلطة التنفيذية
ممثلا في رئيس الدولة بناء على عرض رئيس هيئة قناة السويس وموافقة مجلس الوزراء؛ سيعكس
بوصلة الصندوق التي هي متجهة -كما يبدو- للتفريط في المرحلة الأولى في ضفاف القناة
لشركات أجنبية لإقامة مشروعات عليها بحق الانتفاع -كما حدث منذ أيام بضاف النيل بالقاهرة-
وقد تصل مدة هذا الحق إلى 99 عاما، ثم بعدها يمكن منح حق الانتفاع عن قناة السويس ذاتها
من أجل حفنة دولارات لحل أزمة سببها سوء إدارة البلاد والفشل في التخصيص الأمثل للموارد،
مقابل التسابق في الرفع المالي من خلال الديون المتنامية بلا تنمية.
كما أن حصيلة هذه
الأموال لن تعرف طريقها للموازنة العامة للدولة، بل ستدخل نفق الصناديق الخاصة ومغاراتها،
وبذلك تفقد الموازنة العامة جزءا هاما من مواردها، ويفقد الوطن استقلاله، ويصبح التبديد
والتجريف -لا البناء والتطوير- هو سيد الموقف.
twitter.com/drdawaba