عام آخر جديد سيطلّ علينا وسيضاف إلى تقاويم
حياة العراقيّين، ونأمل ألا تستمرّ فيه حكايات القهر والغُربة والتهجير والفوضى
والغِشّ السياسيّ والوطنيّ!
تفصلنا الآن ساعات معدودة عن بداية العام
2023 ونهاية العام
2022 الذي كان، على مستوى
العراق، مُزدحما بأحداث ضخمة مدروسة
وعبثيّة، ونقيّة وخبيثة، وواضحة وغامضة.
كان العام 2022 مليئا بالأحداث والوقائع
السياسيّة العراقيّة الفارقة، وفي مقدّمتها الحراك السياسيّ بعد عام من الانتخابات
البرلمانيّة، وإعادة انتخاب محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان بداية العام!
كان العام 2022 مليئا بالأحداث والوقائع السياسيّة العراقيّة الفارقة، وفي مقدّمتها الحراك السياسيّ بعد عام من الانتخابات البرلمانيّة، وإعادة انتخاب محمد الحلبوسي لرئاسة البرلمان بداية العام!
ولكنّ هذا الحراك فشل في التغطية على المُناحرات
السياسيّة التي خلّفت العديد من الخُطوات التي قصمت ظهر "الدولة وهيبتها"،
ومن بينها اعتصام تيار مقتدى الصدر داخل المنطقة الخضراء المُحصّنة، والذي تمخّض
عنه قرارات صدريّة غير مَدْروسة وذلك بإيعاز الصدر لنوّابه (73 نائبا) بتقديم
استقالاتهم من البرلمان منتصف حزيران/ يونيو الماضي.
هذه التطوّرات السياسيّة والشعبيّة تزامنت
مع التسريبات الصوتيّة المنسوبة لزعيم الإطار التنسيقيّ نوري المالكي، والتي أحدثت
ضجّة كبيرة داخل البلاد، ولكن يبدو أنّهم لَمْلَموا الموضوع قضائيّا وكتبوا نهاية
هذا الملفّ الخطير رغم المعلومات الجسيمة التي تَطرّق إليها المالكي، وهجومه الناريّ
على "آل الصدر"!
وقد يكون قرار الاستقالات الصدريّة المُتعجِّل
وتسريبات المالكي دفعت الصدر "الحائِر" لمُطالبة المحكمة الاتّحاديّة، بداية
آب/ أغسطس الماضي، بحلّ البرلمان وإعادة الانتخابات خلال سبعة أيّام، مُهدّدا
الجميع بالعودة للمظاهرات، ولكن يبدو أنّ "قوّة" الصدر تَلاشت بعد أن
رمى مقاعده البرلمانيّة بأحضان خُصومه، وفي مقدّمتهم المالكي!
هذه الهفوات المُتوالية للصدر تزامنت مع
إعلان (مرجعيّة الصدر الدينيّة والسياسيّة) المُتمثّلة بالمرجع الدينيّ كاظم
الحائري نهاية آب/ أغسطس 2022 تنحّيه عن منصب المرجعيّة، وبالمحصّلة جميع هذه "الضربات"
السياسيّة والمذهبيّة دفعت الصدر لإعلان اعتزاله النهائيّ للسياسة ودخوله، حتّى
الساعة، في مرحلة صمت وسكون وركود سياسيّ!
وخلال ذات المرحلة، قدّم علي علاوي، وزير
الماليّة بحكومة مصطفى الكاظمي السابقة، استقالته بسبب
الفساد الماليّ والإداريّ!
وبعيدا عن تهديدات الصدر "الهشّة"
كُلِّف محمد شياع السوداني برئاسة الحكومة الجديدة (13 تشرين الأول/ أكتوبر 2022)،
وهي حكومة غير واضحة المَعالِم والأهداف والتوجّهات حتّى الساعة!
وبعيدا عن الأحداث الثانويّة والشديدة
الأخرى في العام 2022، يُمكن القول بأنّ الشعب العراقيّ أبرز الخاسرين، وأنّ الصدر
أكبر المغْلوبين والصامتين، حيث لم يَعد له دور يذكر رغم الأحداث الداخليّة
والخارجيّة المُتضاربة.
وهذا الواقع المرير ليس وليد اللحظة بل هو
حقيقة ماثلة منذ العام 2003، ورغم مرور ما يَقرُب من عقدين إلا أنّ القوى الحاكمة
فشلت، بالنهاية، في التمهيد لبناء الدولة، وما زالت تربُط فشلها بالنظام السابق!
ولا ندري مَن يقود العراق منذ العام 2003
وحتّى اليوم؟
ويعود السبب الرئيس لجميع الكَبَوات
العراقيّة إلى وَباء "الغِشّ السياسيّ"، الذي تعرّضت له العمليّة
السياسيّة، والذي تختلف أنواعه وأعراضه وتداعياته من عام إلى عام، ولكنّها جميعا تعود
لعُقدة "الغِشّ الوطنيّ" والعمل المُزوّر والمغشوش.
لقد أدّت سياسات قُصر النظر وجفاف الوعي
ونضوبه؛ إلى تفريغ البلاد من الكفاءات العلميّة والمهنيّة (المدنيّة والعسكريّة)
وكأنّها مُؤامرة مَقْصودة نجحت بمخطّطاتها الخبيثة!
بقيَت الحالة العراقيّة مُشوّهة ومبتورة، ولهذا لا يُمكن للمُمارسات غير الناضجة التي حُسِبَت على الديمقراطيّة والدولة المدنيّة أن تنطلي على البُسطاء فضلا عن عِلْية القوم والنُخب الثقافيّة والفكريّة، لأنّ ديمقراطيّة العراق كائن هزيل لا علاقة له بالإنسان وحرّيّته وكرامته وحاضره ومستقبله
إنّ سياسات تسقيط الخصوم بالحقّ والباطل،
والفعّاليات السياسيّة الهابطة، وتهديدات الجهلة الانتقاميّة، والتراخي الأمنيّ لصالح
القوى الشرّيرة؛ قادت لدوام الهشاشة والضياع لمؤسّسات الدولة العامّة.
واقعيّا، بقيَت الحالة العراقيّة مُشوّهة
ومبتورة، ولهذا لا يُمكن للمُمارسات غير الناضجة التي حُسِبَت على الديمقراطيّة
والدولة المدنيّة أن تنطلي على البُسطاء فضلا عن عِلْية القوم والنُخب الثقافيّة
والفكريّة، لأنّ ديمقراطيّة العراق كائن هزيل لا علاقة له بالإنسان وحرّيّته
وكرامته وحاضره ومستقبله، وربّما هي ديمقراطيّة رُتّبت لتنظيم ظروف ومقامات زعماء
سياسات الغِشّ وحاشيَتهم بينما يعيش بقيّة الشعب بدهاليز مُخيفة!
وهذه الحقائق المُؤلمة نتيجة طبيعيّة
للعمل السياسيّ المغشوش والمُزيّف، والذي قاد إلى ضياع مفهوم الدولة.
والمُثير أنّ هؤلاء الساسة الذين فَصّلوا
الدولة العراقيّة على مَزاجهم الشخصيّ والحزبيّ لم يكتفوا بذلك، بل هنالك مِن
بينهم دُعاة فتنة لأنّهم يُطبلون للتعامل الطائفيّ والتهجير والمطاردة والتجريم
والاتّهامات الباطلة لكلّ مَن لا يتّفق معهم سياسيّا ومذهبيّا وفكريّا!
فإذا كانت "الدولة" عاجزة عن
حماية المواطنين ورعاية مصالحهم، وتسعى بغالبيّة كوادرها لترفيه طبقة "النبلاء
السياسيّين"، فكيف يُمكنها الاستمرار والتعافي؟
هؤلاء الساسة الذين فَصّلوا الدولة العراقيّة على مَزاجهم الشخصيّ والحزبيّ لم يكتفوا بذلك، بل هنالك مِن بينهم دُعاة فتنة لأنّهم يُطبلون للتعامل الطائفيّ والتهجير والمطاردة والتجريم والاتّهامات الباطلة لكلّ مَن لا يتّفق معهم سياسيّا ومذهبيّا وفكريّا!
مَن يدعي حُبّ العراق يَتوجّب عليه إزالة
السدود المُهلِكة، والعمل بمنهاج سياسيّ عادل ونقي يَضع العَالِم مكان الجاهل،
والأمين مكان الخائِن، والقويّ مكان الضعيف، والنقيّ مكان الخبيث، والجامع مكان
المفرِّق، والمُتحضّر مكان المُتخلّف، والمُثقّف مكان الهمجيّ، والمُحبّ مكان
الكاره، والوطنيّ مكان العميل، وكافّة هذه الخطوات الضروريّة قائمة على أسس
الكفاءة والمصلحة الوطنيّة وتجفيف سياسات الغِشّ والمُحاصصة الحزبيّة والشخصيّة!
صراحة نترقّب أن يكون العام 2023 عاما
عراقيّا مُتميّزا مليئا بالأمل والحُبّ والبناء، ولكنّ الواقع المرير، للأسف، يُخيّم
على ألوان حروفنا، وآفاق أفكارنا، وتفاصيل حياتنا، وكأنّ قَدرنا أن نعيش وسط هذا
الغِشّ المُتنوّع الفتّاك!
فكيف يُمكن للعراقيّين النجاة من سياسات الغِشّ
السياسيّ والفكريّ والاجتماعيّ والإنسانيّ؟
ما أشدّ بلاء العراق وأهله!
twitter.com/dr_jasemj67