يطوي الواقع
الفلسطيني عاماً جديداً، ويستقبل آخر مفتوحا على ما سبقه من
مشاريع متصلة بسلسلة واضحة من خطط عدوان المؤسسة الصهيونية، بعد انجلاء أوهام
كبيرة وكثيرة عن المفهوم
الإسرائيلي للسلام، واتضاح برامج الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة
في تنفيذ خطط المؤسسة الصهيونية ونهاية حقبة "أوسلو".
بقي العقل السياسي الفلسطيني والفعل العربي مكبلاً بعجزٍ مفضوح عن مواجهة
خطط العدوان عليه، ولم تفلح التجربة والمعرفة العربية والفلسطينية في أن تفرز واقعا
مغايرا عما تئن تحته قضية فلسطين. بعد كل عدوان وكل توليفة عنصرية إسرائيلية تخرج المناشدات
الخجولة للبحث عن مواقف محلية وإقليمية ودولية تحذر وتطالب بلجم المشاريع
الصهيونية، على عكس العقود الماضية تتسلح إسرائيل اليوم بحكومتها الفاشية وبتحالفات
أقوى تشمل أنظمة عربية لم يصدر عنها أي موقف نحو خارطة مشاريع صهيونية تتهيأ
للانقضاض على ما تبقى من الأرض الفلسطينية، بل حظي التحالف الحكومي في تل أبيب بزعامة
نتنياهو بمباركة وتهنئة عربية لما سيستكمله مشروع العدوان على الفلسطينيين من برامج
عنصرية وعدوانية واضحة.
لم يأخذ أي طرف عربي يقيم صلات تطبيعية مع إسرائيل خطوة "تحافظ" على الأقل على أكاذيب الانبطاح أمام المؤسسة الصهيونية بذرائع الحفاظ على السلام وغيرها من شعارات
ففي وقت يعبر فيه بعض "السياسيين والدبلوماسيين" الإسرائيليين عن
قلقهم ورفضهم أن يكونوا في توليفة عنصرية تضر بـ"مصالح إسرائيل وسمعتها"،
واستقالة سفيرة إسرائيل في باريس ياعيل جيرمان من منصبها احتجاجاً على حكومة
نتنياهو وتحالفه الحكومي، إضافة لرسالة من مائة دبلوماسي إسرائيلي سابق تصب في
جوهر رسالة السفيرة في باريس.. لم يأخذ أي طرف عربي يقيم صلات تطبيعية مع إسرائيل
خطوة "تحافظ" على الأقل على أكاذيب الانبطاح أمام المؤسسة الصهيونية
بذرائع الحفاظ على السلام وغيرها من شعارات.
اللافت هنا، أن الموقف الروسي من حكومة نتنياهو يحمل الكثير من الدلالات لا
المفاجآت، وذلك في رسالة التهنئة التي نشرها الكرملين من الرئيس بوتين لصديقه
الحميم نتنياهو، مهنئاً بعودته تشكيل حكومة جديدة أقطابها عتاة الإرهاب والعنصرية
ضد الشعب الفلسطيني والعربي. وحسب رغبة السيد بوتين وآماله أن يستمر نتنياهو
بتعزيز أواصر العلاقة بين موسكو وتل أبيب، والعمل على تطوير التحالف الذي يسهم
بترسيخ الأمن وضمان السلام في المنطقة. الأمن وفق المفهوم الروسي- الإسرائيلي ليس
بحاجة لشرح مقاصده، إن كان في دمشق أو القاهرة والمنامة وأبو ظبي وغيرها من
المناطق التي ترى موسكو حليفها الصهيوني يخترق الصفوف فيها.
ما هي الأدوات المتبقية لعدة المواجهة الفلسطينية والرسمية العربية لأعوام نتنياهو القادمة وبرامج تكثيف الاستيطان وعمليات تشريع القتل والإعدام والتهويد وضم الأراضي؟
لم تتضمن الرسالة الروسية لنتنياهو أي ذكر لفلسطين أو الاحتلال، أو لمشروع
السلام وحل الدولتين، فقط هناك تبنٍ لمفهوم وهاجس الأمن الذي يجمع موسكو وتل أبيب في
المنطقة العربية وفلسطين. ويتقاطع هذا الموقف مع أنظمة
التطبيع العربي وعلاقتها مع
حكومة إسرائيلية فاشية الطرح والسياسية نحو الشعب الفلسطيني، ومع حلف موسكو مع
أنظمة عربية مشغولة في هاجس الأمن الحامي للمشروع الصهيوني.
كان من بعض نتائج سياسة التمسك الفلسطيني والعربي بخيارات وهم السلام،
والرهان على تغيير إسرائيل لجلدها في حكوماتها المتعاقبة، والتخلي المستمر عن
عوامل القوة الذاتية والإمعان في تكرار تجريب الفشل؛ ترسيخ لعوامل الضعف الفلسطيني،
وإعادة سيطرة القمع الرسمي العربي عززت من معادلات المصلحة الصهيونية بفعل الزمن، فما
هي الأدوات المتبقية لعدة المواجهة الفلسطينية والرسمية العربية لأعوام نتنياهو
القادمة وبرامج تكثيف الاستيطان وعمليات تشريع القتل والإعدام والتهويد وضم
الأراضي؟
كان من بعض نتائج سياسة التمسك الفلسطيني والعربي بخيارات وهم السلام، والرهان على تغيير إسرائيل لجلدها في حكوماتها المتعاقبة، والتخلي المستمر عن عوامل القوة الذاتية والإمعان في تكرار تجريب الفشل؛ ترسيخ لعوامل الضعف الفلسطيني، وإعادة سيطرة القمع الرسمي العربي عززت من معادلات المصلحة الصهيونية بفعل الزمن
على الأقل ما يظهر من الجعبة العربية استعداد مؤثر لاستقبال نتنياهو وأقطاب
حكومته من الصهيونية الدينية؛ في عواصم عربية ستحتضن الإرهابي إيتمار بن غفير
وبتسلئيل سموتريتش، لتعزيز التحالف والأمن المستهدف القضاء على الشعب الفلسطيني
وحقوقه وأرضه.
ختاماً، إشهار الفلسطينيين سلاح التوجه للمنظمات الدولية وللمحكمة الجنائية
الدولية، والعمل ضمن بوتقة شعارات وسياسة عربية لا توفر أي مظلة حماية للأرض
والشعب الفلسطيني، سيبقى دون فعل وفائدة كما أظهرت حقائق ونتائج العقود الماضية،
والتفتيش في رصيد النتائج يُظهر تضخم بنك العدوان أمام معادلة الإفلاس الفلسطيني
والعربي.
وإذا ما استمعنا جيداً للسجالات الجارية في صراع خلافة الرئيس الفلسطيني
محمود عباس، وزعيم حركة فتح التي أطفأت شمعتها الثامنة والخمسين هذه الأيام، وراقبنا
الأداء الأمني والسياسي لحركة تحرر وطني غارقة في بحرٍ من أزماتٍ عدة، لا تتوقف
عند الشخصية القادمة لموقع الرئاسة واستعادة وحدة فلسطينية وبرنامج نضالي فلسطيني،
ولا تنتهي بواقع يفرضه الاحتلال الإسرائيلي والمؤسسة الصهيونية بمزيد من التماسك،
فكيف سنواجه تماسك وإجماعا صهيونيا بشرذمة ذاتية والإصرار على حرث حقول التجريب؟
twitter.com/nizar_sahl