بريغوجين.. "طباخ الرئيس" وبائع النقانق المقرب من الكرملين

علاقته بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وثيقة جدا لا تهزها أي ريح ولا تتأثر ببرد سيبيري ولا بغضب واشنطن وأوروبا.

يواجه وشركاته وشركاؤه عقوبات اقتصادية واتهامات جنائية في الولايات المتحدة الأمريكية، بوصفه أحد الأوليغارشية الروسية التي تملك الملايين وولاء مطلقا لبوتين.

ثري يملك سلسلة مطاعم جنت المليارات بفضل قرب صاحبها من "الكرملين"، ويقود ميليشيا عسكرية تنتشر في بلدان عدة كسوريا وليبيا ومالي وأوكرانيا وغيرها.

أطلق عليه لقب "طباخ بوتين" بسبب المطاعم وشركات المأكولات التي استضافت الرئيس فلاديمير بوتين مع شخصيات أجنبية رفيعة المستوى.

ولد يفغيني بريغوجين عام 1961 في لينينغراد ب‍روسيا، مسقط رأس بوتين، وتخرج من مدرسة داخلية لألعاب القوى في عام 1977 كما أنه شارك في التزلج الريفي على الثلج. كان والده وزوج أمه من أصل روسي يهودي، في حين أن والدته من أصل روسي.

وفي عام 1979، حكم عليه بالسجن مع وقف التنفيذ بتهمة السرقة في لينينغراد. وما لبث أن خضع للمحاكمة من جديد في عام 1981 وحكم عليه بالسجن 12 عاما بتهم السرقة والاحتيال وتوريط مراهقين في الجريمة، وفي نهاية المطاف قضى 9 سنوات في السجن قبل إطلاق سراحه.

بعدها مباشرة قام في عام 1990 بإنشاء شبكة مطاعم لبيع النقانق "هوت دوغ" ، وحصلت شركته، "كونكورد للطعام"، على مئات الملايين من العقود الحكومية لإطعام أطفال المدارس والعاملين الحكوميين.

وفي أواخر التسعينيات، افتتح مطعم "نيو آيلاند"، العائم على نهر فياتكا في سانت بطرسبرغ.

واشتهر المطعم بين النخبة الروسية، وبعد سنوات قليلة من افتتاحه، ظهر بوتين وهو يتناول العشاء فيه بصحبة الرئيس الفرنسي حينذاك جاك شيراك.

وفي عام 2012 حصل على عقد لتوريد وجبات إلى الجيش الروسي بقيمة 1.2 مليار دولار أمريكي على مدى عام واحد. ويزعم أن بعض الأرباح المتأتية من هذا العقد قد استخدمت في إنشاء وتمويل وكالة بحوث الإنترنت.

واتهمت مؤسسة مكافحة الفساد بريغوجين بممارسات تجارية فاسدة.

وفيما بعد بدأت تطفو على السطح تقارير صحافية تربط بينه ومجموعة مرتزقة تعرف باسم مجموعة "فاغنر"  شاركت في أعمال قتالية مختلفة كمقاول عسكري خاص بلا قيم أخلاقية سوى تحقيق الربح المادي.

وساندت هذه المليشيا نظام بشار الأسد في سوريا، ووفرت دعما عسكريا في مرحلة من مراحل النزاع الليبي لقوات خليفة حفتر في حربها ضد حكومة الوفاق في طرابلس. ويشتبه في أنها تنفذ منذ سنوات مهمات سرية للكرملين على مسارح عمليات مختلفة.

وأنكر الكرملين صلته بهذه المجموعة على لسان الرئيس بوتين شخصيا.

فقد اضطر للحديث عنها أمام الاتهامات التي وجهت للكرملين بخصوصها، معتبرا أنها مجرد شركة، لديها "مصالح خاصة مرتبطة باستخراج موارد الطاقة ومختلف الموارد"، مؤكدا أنه إذا تضاربت أنشطة "فاغنر" مع "مصالح الدولة الروسية، فإنها بالتأكيد يجب أن نتصرف".

وحسم أمر هذه المجموعة عندما أقر بريغوجين بنفسه بأنه أسس "فاغنر" في 2014 للقتال في أوكرانيا، واعترف بانتشار عناصر منها في أفريقيا وأمريكا اللاتينية خصوصا.

واعترف بأنه أسس هذه المجموعة لإرسال مقاتلين "مؤهلين" إلى منطقة دونباس الأوكرانية في 2014. موضحا أإنه "منذ تلك اللحظة ولدت مجموعة وطنيين اتخذت اسم مجموعة كتيبة فاغنر التكتيكية". 

وتابع: "والآن إليكم اعتراف، هؤلاء الرجال الأبطال الذين دافعوا عن الشعب السوري وشعوب عربية أخرى والأفارقة والأمريكيين اللاتينيين المعدومين، لقد أصبحوا أحد ركائز أمتنا".

وجاء في تحقيق صحافي أوروبي أن عمليات بريغوجين مدمجة بشكل محكم مع وزارة الدفاع الروسية وذراعها الاستخباراتية، مديرية الاستخبارات الرئيسية في هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة.

وتوسعت أعمال بريغوجين في الاعتداء على سيادة الدول لتصل إلى التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، وفي محاولة التأثير على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي عام 2018.

وفي 2016 فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية، لدور إحدى شركاته "وكالة الأبحاث على الإنترنت" في التأثير في الانتخابات الأمريكية التي أدت إلى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

وفرض الاتحاد الأوروبي عليه عقوبات لدوره في مجموعة "فاغنر" العسكرية في أوكرانيا.

وعاد الاتحاد الأوروبي ووضعه في عام 2020 على القائمة السوداء، وجمد جميع أصوله الأوروبية، ومنعه من دخول دوله لاتهامه بإرسال رجال لتسميم أليكسي نافالني أشد منتقدي الكرملين.

ويلخص الإعلام الغربي سيرة بريغوجين، بأنه منحرف ارتقى سريعا في عالم فن الطهي. وقفز من بائع نقانق إلى طباخ الرئيس بوتين.

وستكون خطوته الجديدة في العام الجديد إطلاق حركة سياسية محافظة، كما أنه يستعد لإرسال سجينات روسيات لأعمال قتالية في أوكرانيا وقد طرح فكرة إرسال نساء معتقلات في السجون الروسية للقتال على الجبهة الأوكرانية، ضمن مجموعات تخريب وفرق قناصة.

 البعض فهم توجه بريغوجين بأنه "محاولة للتموضع" استعدادا لمرحلة ما بعد بوتين، وهناك ما يتداول عن استعداد بريغوجين لدور سياسي ما، برعاية بوتين أو من دونها، في وقت ترشحه فيه بعض التوقعات لخلافة بوتين نفسه في الكرملين.

ولا أحد يستبعد ذلك؛ فالرجل ذراع مالية وعسكرية لبوتين والمؤسسة العسكرية الروسية، وقد يجده الوطنيون الروس والجيش وأجهزة الاستخبارات خيارا مقبولا لأي مرحلة سياسية قادمة.