أنهت
روسيا الهدنة المؤقتة التي أعلنت عنها من جانب واحد، بمناسبة عيد الميلاد، وأكدت أنها استأنفت القتال ضد أوكرانيا.
ورغم أن الهدنة كانت "هشة" للغاية، وشهدت انخفاضا لوتيرة القتال فقط دون توقف بشكل تام، إلا أن روسيا أكدت التزامها بها خلال الـ36 ساعة الماضية.
وأمر الرئيس فلاديمير بوتين الجمعة بوقف إطلاق النار لمدة 36 ساعة على طول خط التماس للاحتفال بعيد الميلاد عند الأرثوذكس في روسيا وأوكرانيا، والذي صادف أمس السبت. ورفضت أوكرانيا الهدنة وقد تعرض خط المواجهة لعمليات قصف.
وقال حاكم المنطقة أوليه سينهوبوف على تليغرام إن رجلا عمره 50 عاما لقي حتفه في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية نتيجة القصف الروسي. وجاءت هذه الأنباء بعد دقائق من منتصف الليل في موسكو.
وقال الكرملين إن موسكو ستمضي قدما في ما تصفه بـ"العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا والتي وصفتها كييف وحلفاؤها الغربيون بأنها عدوان غير مبرر للاستيلاء على الأراضي.
ونشر حساب وزارة الدفاع الأوكرانية صورا تظهر قتلى روسا في المعارك، قال إنه "لم يسبق للجيش الروسي أن تلقي مثل هذه الخسائر".
فيما نشرت حسابات روسية مشاهد من المعارك، وأخرى تظهر مقاتلين ببدلات عليها شعار النازيين إلى جانب أوكرانيا.
خطة عمل أوكرانية
بدوره، قال الرئيس الأوكراني فولديمير زيلينسكي، في رسالة مرئية نشرها السبت، إن مجلس الأمن القومي الأوكراني وافق على خطة عمله لعام 2023.
وأوضح أن نضال بلاده من أجل الاستقلال وتطوير إمكاناتها الدفاعية سيكون من أولويات حكومته للعام الجاري.
ولفت إلى أن روسيا لم تلتزم بوقف إطلاق النار الذي أعلنته أمس لمدة 36 ساعة، بأمر من رئيسها فلاديمير بوتين.
وأضاف الرئيس الأوكراني: "رأى العالم مرة أخرى اليوم مدى خطأ أي كلمة صادرة عن موسكو". وأشار إلى أن "القذائف الروسية أصابت باخموت ومواقع أوكرانية أخرى مجددا".
وأكد أن إعادة إحلال السلام في أوكرانيا لن تكون ممكنة إلا بعد انسحاب الجيش الروسي.
"حرب مقدسة"
منذ أسابيع عدة، تحاول السلطات الروسية إضفاء بُعد ديني ومقدّس على غزوها أوكرانيا، غير أن هذا الخطاب يحدث انقساماً حتّى داخل الكنيسة الأرثوذكسية.
في إشارة إلى أهمية البعد الروحي الذي يحاول الكرملين إضفاءه على عمليته العسكرية في أوكرانيا، أكّد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي في تمنياته بمناسبة رأس السنة، أنّ "الحق الأخلاقي والتاريخي إلى جانب" روسيا.
ويعكس هذا التصريح رغبة السلطات في تبديد شكوك جزء من السكان، بسبب غزو القوات الروسية بلداً غالبية المؤمنين فيه من المسيحيين الأرثوذكس، كما في روسيا.
وفي وقت كانت فيه موسكو تواجه سلسلة انتكاسات عسكرية، فقد اكتسب الخطاب الديني زخماً متزايداً منذ الخريف، بحيث صوّر مسؤولون كبار ووسائل إعلام رسمية الغزو في أوكرانيا بأنه "حرب مقدّسة" ضدّ الغرب الذي تعتبره موسكو منحطّاً.
مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، أكّد الرئيس السابق ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي ديمتري ميدفيديف أنّ "الهدف المقدس" للهجوم هو "إيقاف سيد الجحيم".
وإلى جانب الخطابات، يتجلّى تداخل الشؤون الدينية بالعملية العسكرية في إرسال موسكو عشرات الكهنة إلى جبهة القتال لدعم الجنود.
ويقول الكاهن العسكري سفياتوسلاف تشوركانوف، لوكالة فرانس برس، إنّ هدف هذه المهمات العسكرية هو منع الجنود من "خسارة إنسانيتهم حتى لو دفعهم الوضع القائم إلى ذلك".
ويضيف أنّ على الكاهن "أن يزرع في روح الجنود فكرة أنه لا يجب تعذيب السجناء، لا يجب أن ننهب، ولا أن نؤذي المدنيين".
ولا يسائل تشوركانوف شرعية هذا الغزو، معتبراً أنه يهدف إلى الدفاع عن "القيم التقليدية" التي يُعتبر كلّ من الكرملين والكنيسة الأرثوذكسية أنهما وصيّين عليها.
ويتابع: "في أوكرانيا، حتى في ظروف الحرب، يُنظّمون مسيرات فخر المثليين لإظهار انتمائهم إلى القيم الغربية".
وقال حينها: "نحن نحارب أولئك الذين يكرهوننا والذين يمنعون نشر لغتنا وقيمنا وحتّى إيماننا"، معتبراً أنّ أعداء روسيا هم "النازيون" الأوكرانيون و"كلاب" الغرب.
اجتماع ببريطانيا
أعلنت الحكومة البريطانية السبت أن المملكة المتحدة ستستضيف اجتماعاً لوزراء العدل في آذار/مارس، لمناقشة سبل دعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب المفترضة في أوكرانيا.
وتجري المحكمة الجنائية الدولية ومقرها في لاهاي حاليًا تحقيقًا في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد تكون ارتكبت في أوكرانيا.
ومن المقرر أن يشارك المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان في اجتماع آذار/ مارس مع وزراء من جميع أنحاء العالم، وفق لندن.
وحث خان في كانون الأول/ ديسمبر المجتمع الدولي على دعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية وتمويله، قائلاً: "نحن بحاجة إلى الأدوات الضرورية للقيام بالمهمة. لا نملك تلك الأدوات".
وقالت حكومة المملكة المتحدة إن الاجتماع "يهدف إلى زيادة الدعم المالي والعملي المقدّم للمحكمة الجنائية الدولية وتنسيق الجهود لضمان أن يكون لديها كل ما تحتاج إليه لإجراء تحقيقات ومقاضاة المسؤولين".
وقال نائب رئيس الوزراء البريطاني دومينيك راب، إن المشاركين سيناقشون كيفية المساعدة في جمع المعلومات وتبادل الأدلة بشأن الجرائم وكذلك كيفية دعم الضحايا.
وقال: "على القوات الروسية أن تعلم أنها لن تستطيع الإفلات من العقاب وسندعم أوكرانيا حتى يتم تحقيق العدالة".
وشدّد على أن "المجتمع الدولي يجب أن يقدم أقوى دعم للمحكمة الجنائية الدولية لمحاسبة مجرمي الحرب على الفظائع التي نشهدها".
وبما أنّ روسيا ليست من الدول الموقّعة على معاهدة روما التي أنشأت المحكمة الجنائية الدولية فإنّ هذه الهيئة القضائية لا يمكنها تالياً التحقيق في "جرائم العدوان" الروسية بل تنحصر صلاحيتها في التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية المرتكبة في أوكرانيا.
والسبيل الوحيد لإحالة قضية غزو أوكرانيا على المحكمة الجنائية الدولية هو إصدار مجلس الأمن الدولي قراراً بهذا الشأن، وهو أمر مستحيل لأنّ روسيا التي تشغل مقعداً دائما في المجلس، ستستخدم حتماً حقّ الفيتو لإجهاض مثل هذه المحاولة.
وللالتفاف على هذه العقبة، اقترحت رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين في كانون الأول/ ديسمبر إنشاء محكمة خاصة في إحدى دول الاتحاد الأوروبي يمكن أن تحاكم روسيا على وجه التحديد بجريمة العدوان التي ارتكبتها قواتها بغزوها أوكرانيا، على أن تترك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية للمحكمة الجنائية الدولية.
وكان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قال الشهر الماضي إن الهجمات الصاروخية الروسية التي تستهدف البنى التحتية المدنية في أوكرانيا "هجمات وحشية وغير إنسانية تشكل جرائم حرب، ويجب محاسبة جميع المسؤولين عنها".