انتقد موقع "
ميدل إيست آي"، في مقال كتبه إليس غيفوري،
مذكرات الأمير هاري التي جاءت في كتاب يحمل عنوان "سبير"، أي الاحتياطي، طُرح للبيع الثلاثاء، بعد سلسلة من المقابلات التلفزيونية والتسريبات التي أثارت جدلا بشأن تفاصيل خلافه مع
العائلة الملكية في بريطانيا.
وجذب الكتاب الانتباه حيث يكشف الصراعات الشخصية للأمير فضلا عن الاتهامات التي وجهها لأفراد آخرين في العائلة المالكة، بمن فيهم والده الملك تشارلز وزوجة أبيه كاميلا وأخوه الأكبر الأمير وليام.
وفي مقابلات تلفزيونية أجراها قبل إطلاق الكتاب، اتهم هاري بعض أفراد العائلة المالكة، ومنهم كاميلا ووليام، بتسريب أخبار إلى صحف
بريطانية أضرت به وبزوجته لحماية أنفسهم أو تحسين سمعتهم.
وفي تسريبات أخرى، سلط الأمير هاري الضوء على قتله 25 شخصا بينما كان طيارا حربيا لمروحية أباتشي، خلال مشاركته في الحرب ضد أفغانستان التي بدأت في 2001 وانتهت بالانسحاب الأمريكي في 2021.
وحسب ما ورد في الكتاب، أكد هاري أنه لم يشعر "لا بالفخر أو الخزي" من عمليات القتل التي تسببت في سقوط ضحايا مدنيين، معتبرا أن القتلى الذين سقطوا بطائرته "أشرار حاولوا قتل الأخيار".
وقال الموقع إن الأمير الساخط يصف كيف تمت تغذيته بسردية القتال من أجل "جيش مسيحي" أثناء التدريب الذي تلقاه قبيل التوجه إلى العراق. تصطبغ كثير من الروايات التي يسردها والمفردات التي يستخدمها بطابع غير مريح، بل ونشاز، وخاصة عندما تصدر عن شخص يصف نفسه بأنه مناهض للعنصرية.
وأشار المقال إلى أن المذكرات التي تم نشرها مؤخراً تسلط الضوء بكثافة على الوقت الذي يقضيه أفراد العائلة الملكية في الجيش بما في ذلك سرد العديد من الحكايات غير المريحة واللجوء إلى اللغة غير اللائقة.
وتاليا نص المقال الذي ترجمته "عربي21":
كرست وسائل الإعلام عناوينها الرئيسية لما كشف عنه الأمير هاري من أنه قتل خمسة وعشرين إنساناً في أفغانستان، وناله بسبب ذلك موجة من التنديد، وذلك قبل صدور مذكراته، التي تحمل عنوان "سبير" (أي الاحتياط)، يوم الثلاثاء، والتي تثير العديد من الإشكالات المتعلقة بالفترة التي قضاها في الخدمة العسكرية.
يصف الأمير الساخط كيف تمت تغذيته بسردية القتال من أجل "جيش مسيحي" أثناء التدريب الذي تلقاه قبيل التوجه إلى العراق. تصطبغ كثير من الروايات التي يسردها والمفردات التي يستخدمها بطابع غير مريح، بل ونشاز، وخاصة عندما تصدر عن شخص يصف نفسه بأنه مناهض للعنصرية.
يصف هاري كيف أنه كان متقلباً من الناحية العاطفية، يعاني من السأم، ويبحث عن غاية له في الحياة، بينما بدا الجيش كما لو كان الجهة التي تمنحه إحساساً بالوجهة. ثم يجري مقارنة بين المصورين الصحفيين الذين كانوا يطاردونه والعراقيين أثناء فترة الفوضى التي سادت بعد غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة.
يروي هاري في مذكراته كيف كان هؤلاء المصورون الصحفيون الذين يطاردون المشاهير باستمرار "أناساً شنيعين"، وكانوا كلما كبر هو في السن يزدادون جرأة وتطرفاً تماماً كما هو حال الشباب في العراق الذين اندفعوا نحو التطرف. ويقول عن المصورين: "المحررون كانوا هم ملاليهم".
ويصف كيف كانت فرصة الهروب إلى الجيش وما يفرضه من نظام صارم بمثابة عامل جذب ربما ساعده على التخلص مما كان فيه.
وبإرساله للتدرب على قيادة الهليكوبتر في الولايات المتحدة فقد أصبح أكثر مهارة في قيادة الأباتشي وأكثر فتكاً بإطلاق صواريخها، يألف غبار المعركة، ويفجر الكثير من الصبار، ويقول: "أتمنى لو كان بإمكاني القول إن ذلك لم يكن ممتعاً."
الجيش المسيحي
أحد السيناريوهات التي يتذكر هاري أنه طلب منه أداءها أثناء برنامج التدريب قبيل التوجه إلى الجبهة في العراق كان القتال كجزء من "جيش مسيحي".
كتب عن ذلك يقول: "أعطينا سردية تقول حسبما أتذكر الآن إننا جيش مسيحي، وأننا نقاتل ميليشيا متعاطفة مع المسلمين.".
لا يصرح هاري بآرائه الشخصية تجاه الحرب في العراق أو الحرب في أفغانستان، على الرغم من تكبده مشقة الحديث عن تحيزاته غير الواعية بخصوص القضايا المتعلقة بالعرق وما يبذله من جهد كثيف لمعالجة ذلك.
وضمن وصفه للتدريب العسكري الذي تلقاه، يقول بتدبر إن "كثيراً مما فعلوه معنا كان غير قانوني بموجب أحكام معاهدات جنيف، وهو ما كان مقصوداً لذاته."
في خضم الحرمان من النوم، وعمليات الخطف المرتبة، ووضع عصابة على عينيه وحرمانه من الطعام ومن الماء، كانت علاقة والدته بدودي الفايد، نجل رجل الأعمال المصري الشهير محمد الفايد، تحولت إلى سلاح يستخدم ضده.
ويذكر هاري كيف أن امرأة ترتدي وشاحاً يشبه الكوفية أرادت أن تختبر استعداده النفسي من خلال الحديث عن علاقة الأميرة ديانا بالفايد. وكان الاثنان قد قتلا في حادث مروري في باريس عام 1997. وحينذاك انتشرت شائعات لا دليل عليها تفيد بأنها كانت حاملاً بطفل الفايد.
يذكر هاري أن المرأة قالت له: "أمك كانت حاملاً عندما ماتت، أليس كذلك؟ بأخ لك؟ بطفل مسلم." كان التدريب يتطلب منه عدم الانفعال، ولكنه يقول في الكتاب "صرخت في وجهها بعيني" بينما بصق أحدهم في وجهه.
الشعور بالذنب لعدم المشاركة في الحرب
في عام 2007، أعلن الجيش البريطاني أن هاري الذي كان في الثالثة والعشرين من عمره سوف يُرسل إلى العراق ليشارك في القتال هناك. يقول هاري: "كان ذلك رسمياً. فقد تقرر أن أتوجه إلى الجبهة."
ولكن بعد وقت قصير من ذلك الإعلان، تم إلغاء القرار بإرسال هاري إلى الجبهة، حيث بات جلياً أن العراقيين الذين يقاتلون الاحتلال البريطاني والأمريكي سوف يستهدفونه من أجل إحراز انتصار دعائي كبير.
كتب هاري عن ذلك يقول: "ببساطة، غدت المهمة بالغة الخطورة بالنسبة لي، بل وبالنسبة لأي شخص قد يكون من سوء طالعه أن يقف هناك إلى جانبي، فقد أصبحت جاذباً للرصاص. وكان ذلك ساحقاً لي."
لم يكن هاري متهيباً من الحرب، ولذلك طلب بأن يُرسل إلى جبهة أخرى. ويتذكر في هذا السياق أن "ليبيا كانت تزداد سخونة آنذاك، فماذا عن ذلك؟" ولكن طلبه قوبل سريعاً بالرفض.
بعد أن تم بشكل نهائي إلغاء خدمته في العراق، تحول هاري إلى تعاطي كميات كبيرة من المسكرات، وبشكل خاص مشروب الويسكي من نوع "ساوثرن كومفورت" والسمبوكا (خمر بنكهة اليانسون)، وذلك للتعامل مع "حالة السخط والشعور بالذنب لعدم المشاركة في الحرب – لعدم التمكن من قيادة جنودي."
ويتذكر هاري أنه قال لآمره إنه ما لم يتم إرساله إلى جبهة من جبهات القتال فلسوف يعتزل الجيش.
ويقول هاري: "إن وجود أمير داخل الصفوف مكسب كبير من حيث العلاقات العامة، وأداة تجنيد قوية. ما كان بإمكانه تجاهل حقيقة أنني لو نكصت، فإن رؤساءه سيوجهون له اللوم، وكذلك رؤساؤهم، وهكذا إلى أعلى السلم القيادي." في ذلك الوقت كانت وسائل الإعلام البريطانية تنشر صوراً للأمير هاري وهو في أوضاع عسكرية بطولية.
لعبة بلاي ستيشن
في النهاية منح هاري دور متحكم جوي متقدم في إقليم هيلمند جنوب أفغانستان، ويتمثل ذلك في توجيه الطائرات المقاتلة نحو ما يشك في أنها أهداف تابعة للطالبان. وتم الأمر هذه المرة سراً.
بينما كان الجيش البريطاني يحرص على تجنب المخاطر التي قد تنجم عن وجود شخصية ذات قيمة رفيعة بين صفوفه، كان هاري – الذي يعاني من الضجر وقد كلف بالمكوث في موقع آمن في منأى عن خطوط التماس – يتحرق لرؤية المزيد من الفعل.
وحينها قال في نفسه: "لو كان هناك ما هو أكثر سأماً من مشاهدة الدهان وهو يجف، فإنه مشاهدة الصحراء."
في نهاية المطاف تم نقل هاري إلى موقع على الجبهة داخل مدرسة مهجورة، إما أنها كانت جامعة زراعية أو مدرسة تقليدية. بالنسبة لهاري، كانت تلك الآن "جزءاً صغيراً من الكمونويلث البريطاني."
قياماً بدوره كمتحكم جوي متقدم، يتذكر هاري أنه كان يريد استخدام قنبلة تزن طناً في أول محاولة له لقصف موقع يشك في أنه تابع للطالبان. ولكن حتى زملاؤه الأمريكان رأوا حينها أن ذلك أكثر بكثير من اللازم. ولذلك كان يقول من باب الدعابة إن سلوكهم ذلك كان مخالفاً لما هو معروف عن الأمريكان.
كما قاد هاري أثناء خدمته العسكرية في أفغانستان هيلوكوبترات من نوع أباتشي. ويتذكر أن الصبية كانوا بكل سهولة يتمكنون من رميها بالحجارة من شدة انخفاض الارتفاع الذي كانت تطير عليه.
ويقول عن ذلك: "كانوا يفعلون ذلك طوال الوقت. أقصى ما كان يتوفر لدى الطالبان من قدرات مضادة للطائرات كان يتمثل بإلقاء الأطفال للحجارة."
وفي أفغانستان، وأثناء قيادته لهيلوكوبترات الأباتشي، قتل هاري خمسة وعشرين شخصاً يقول عنهم إنهم كانوا مقاتلين من الطالبان. ويقول: "لم يكن رقماً يمنحني أي شعور بالرضى، ولكنه لم يكن كذلك رقماً يجعلني أشعر بالعار."
في عام 2013، قارن هاري ما كان يمارسه أثناء قيادة الأباتشي المقاتلة بممارسة ألعاب الفيديو، وهذا ما يكرر ذكره في كتابه "سبير"، حيث يقول: "عصا الإبهام التي استخدمتها لإطلاق الصواريخ كانت تشبه إلى حد كبير عصا الإبهام التي كنت أستخدمها أثناء ممارسة ألعاب بلاي ستيشن."
نددت حركة طالبان، التي عادت إلى السلطة في أفغانستان في عام 2021 بعد الانسحاب الأمريكي البريطاني من البلاد، بتصريحات الأمير.
وقد صرح عبد القادر بلخي، الناطق باسم وزارة الخارجية التي يهيمن عليها الطالبان بما يلي: "لقد كان الاحتلال الغربي لأفغانستان لحظة قبيحة في تاريخ البشرية، وتصريحات الأمير هاري تصور نموذجاً صغيراً مما عاناه الشعب الأفغاني على يد قوات الاحتلال التي قتلت الأبرياء بدون أي خوف من المساءلة أو المحاسبة.".
يصف الأمير في كتابه "سبير"، الذي صاغه له الكاتب الأمريكي جيه آر مورينغر، هجمات الحادي عشر من سبتمبر على نيويورك بأنها واحدة من الأسباب التي جعلته لا يشعر بالذنب على فتكه بالمقاتلين الأفغان.
لم يكن هاري يرى ضحاياه "بشراً" أثناء القتال. بل كانوا بدلاً من ذلك "قطع شطرنج أزيلت من اللوحة"، كما يقول، مضيفاً: "تم تدريبي على النظر إليهم باعتبارهم الآخر، وكان تدريباً جيداً."
وحينما انكشف في نهاية المطاف أمر وجود هاري في أفغانستان، واضطر إلى العودة إلى بريطانيا، فإنه يقارن حزنه بسبب مغادرته لساحة المعركة بتلك السعادة الغامرة التي يشعر بها الجنود الآخرون عندما يعودون إلى الوطن.
كتب عن ذلك يقول: "كانوا يشعرون بالابتهاج الشديد لعودتهم إلى الوطن. أما أنا فقد كنت مطرقاً رأسي إلى الأرض.".