تسود أجواء من التوتر في المشهد السياسي
الكويتي منذ أسابيع، بعد تزايد الخلافات بين
مجلس الأمة (
البرلمان)، والحكومة التي يقودها الشيخ أحمد النواف الصباح.
وبخلاف حالة التفاؤل الواسعة التي سادت الشارع صيف العام الماضي، بعد إعلان ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، عن تجاوب الأمير مع حالة الغضب الشعبي، والدعوة لانتخابات مبكرة، وإقالة الشيخ صباح الأحمد الصباح من رئاسة الحكومة، عادت الخلافات مجددا في الكويت، حول عدة ملفات.
بعد مظاهر تعاون ودية بين الحكومة بقيادة أحمد النواف، ومجلس الأمة الذي اختار السياسي المخضرم أحمد السعدون رئيسا له، خلفا لمرزوق الغانم الذي دخل في خلافات مع غالبية النواب، بدأ أعضاء المجلس باتهام الحكومة بعدم الوفاء بوعودها بتغيير النهج السائد منذ سنوات، والذي تسبب في تعطيل النمو في الكويت، وتفشي الفساد في مؤسسات عديدة.
وتحدث النائب سعود العصفور، في
لقاء تلفزيوني عن أن سبب الأزمة يعود إلى وجود انقسام وصراع داخل الحكومة
التي فشلت في الالتزام بتعداتها بعد مرور نحو 100 يوم على تشكيلها.
في حين قال النائب عبد الكريم الكندري بتغريدة، إن الأزمة أعمق من ذلك بكثير، متحدثا عن وجود صراع داخل أسرة الحكم، أثر بدوره على السلطتين التنفيذية والتشريعية.
"إسقاط القروض" واستجوابات
بلغت الأزمة ذروتها خلال الأيام الماضية، بسبب الخلاف بين الحكومة والمجلس، على مطالب "إسقاط القروض".
وفي جلسة سابقة من هذا الشهر، انسحب أعضاء الحكومة من جلسة مجلس الأمة، إذ قالت وكالة الأنباء الرسمية إن الانسحاب جاء بعد طلب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة عمار العجمي من المجلس "إعادة تقارير بمقترحات قوانين تتحمل أعباء مالية إلى اللجان لمناقشتها، والوصول لحلول توافقية وفق الدستور".
وخلال الجلسة قال العجمي، إن "مقترح قانون شراء القروض (الاستهلاكية والمقسطة من بعض المواطنين) والذي تبلغ قيمته ما يزيد على 14 مليار دينار (نحو 46 مليار دولار) يخل بمبدأ العدالة والمساواة".
وشدد على أن "الحكومة حريصة على التعاون الإيجابي والالتزام بالحدود الدستورية دون تدخل أو تنازل"، مؤكدا أن "الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية وتحقيق الرخاء في حدود القانون".
في المقابل انتقد نواب انسحاب الحكومة، وتمسكوا بملف "إسقاط القروض" الذي يمس نحو 500 ألف كويتي، بحسب تقديرات.
وخلال الأيام الماضية، بدأ نواب باستجواب وزراء في حكومة أحمد النواف، في دلالة على تأزم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وقدمت النائب جنان بوشهري، استجوابا إلى نائب رئيس الوزراء وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء براك الشيتان، بثلاثة محاور، أبرزها توجيهه بمنح معاشات استثنائية لحالات تخضع لتقديره، منها للوزراء وأعضاء مجلس الأمة وأعضاء المجلس البلدي وكبار المسؤولين والقياديين في الدولة.
فيما أعلن النائب مبارك الحجرف، عن تقدمه بطلب استجواب لوزير المالية عبد الوهاب الرشيد، بسبعة محاور، أبرزها "التستر على إهمال موظفي المؤسسات العامة للتأمين الاجتماعية في تحصيل مديونيات شركات تخلفت عن دفع اشتراكات تفوق 95 مليون دينار (311 مليون دولار)، إضافة إلى اتهامه بـ"تضليل مجلس الأمة بإجابات كاذبة وغير دقيقة، ومنقوصة".
تدابير إصلاحية بسيطةقال الباحث السياسي الكويتي عمر العبدلي، إن التفاؤل خلال الفترة الماضية كان واسعا، لا سيما بعد تجاوب أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الصباح، وحل البرلمان السابق إثر المطالبات النيابية الممتدة منذ مطلع 2021، وحتى اعتصام النواب داخل قبة البرلمان لمدة أسبوعين منتصف العام الماضي.
وتابع في حديث لـ"عربي21"، أن الحكومة اتخذت تدابير وخطوات إصلاحية بسيطة، ولكنها أعطت الأمل في نهج وعهد جديد، منها "اعتماد التصويت في البطاقة المدنية، وقد اعتبر إصلاحا لعمليات التوزير، وتحويل مقر السكن الذي تقوم به جماعات وأفراد لدعم سياسيين محددين".
وأضاف
العبدلي أنه من ضمن الإصلاحات التي شرعت بها الحكومة، وقف المال السياسي، ومحاربة الفرعيات (انتخابات داخلية تشاورية تقيمها القبائل لاختيار مرشحين للبرلمان)، حيث لم تُقَم فرعيات لأول مرة بتاريخ الكويت منذ عام 1967.
وتم بالفعل في الكويت اعتقال شخصيات لم تلتزم بتجريم "الفرعيات"، وفي مقدمتهم النائب مرزوق الخليفة الذي لا يزال سجينا.
بحسب عمر العبدلي، فإن "هذه الخطوات القليلة، مع الخطابات التقدمية التي ألقاها نائب الأمير، وولي العهد سمو الشيخ مشعل الأحمد في خطابي حل المجلس وافتتاح دور الانعقاد، لها بالغ الأثر في تعزيز هذا التفاؤل".
"المشاعر الصادقة لا تكفي"
وصف العبدلي حال الحكومة بعبارة "الأماني والمشاعر الصادقة لا تكفي، لمعالجة الوضع الراهن"، مضيفا أن "الأزمة تعبر عن أزمة نظام سياسي يعاني من مشاكل متعددة.
واعتبر أن من أهم المشاكل غياب الأحزاب والمحفزات التي تدفع النواب للعمل الجماعي من جهة. وأداة الحل التي تعتبر هاجسا للنواب وتدفعهم نحو الميل إلى القوانين الشعبوية والشعارات الدوغماتية من جهة أخرى، بحسب قوله.
وتطرق العبدلي إلى أزمات عديدة ظهرت مؤخرا بين الحكومة والبرلمان، أبرزها "قانون العفو" الذي صدر رسميا اليوم الثلاثاء بعد شد وجذب بين الحكومة وكتلة نيابية، قائلا إن "ما حصل هو تشكل كتلة برلمانية بقيادة النائب المخضرم شعيب المويزري، وستة أعضاء آخرين بينهم سعود العصفور، وطلبت من رئيس الحكومة استعجال ملف العفو عن المهجرين، وفي مقدمتهم الشيخ عذبي الفهد الصباح (ابن أخ الأمير). فيما تلكأت الحكومة في تحقيق هذا الطلب".
ودفع تلكؤ الحكومة بحسب العبدلي إلى تهديد "كتلة السبعة"، بتوقيع طلب طرح الثقة في وزارة الأشغال، والذي كان قدمه النائب حمدان العازمي سابقا في حال تغييب ملف العفو، مضيفا: "لكن إعلانا عن تشكيل لجنة عفو برئاسة براك الشيتان بموجب مرسوم أميري دفع الكتلة إلى التراجع ليفشل استجواب النائب حمدان العازمي دون طرح الثقة".
وأوضح أن التهميش اللاحق لملف العفو من قبل الحكومة، دفع "كتلة السبعة" مجددا إلى التعاون مع النائب صالح عاشور في اللجنة المالية.
وفي وقت لاحق، أصدر مجلس الوزراء مرسوم العفو، الذي شمل 37 شخصا، بينهم 3 شيوخ من الأسرة الحاكمة.
وشمل العفو، متهمين أدينوا بجرائم "عمل عدائي ضد دولة أجنبية، وإذاعة أخبار كاذبة، والطعن بحقوق الأمير، والإساءة للقضاة، وإساءة استعمال الهاتف".
وعلق العبدلي، بأن إصدار قانون العفو "هو تأكيد على الصراع بين كتلة السبع نواب والحكومة"، مضيفا أن "الحكومة رضخت".
وحول قضية "إسقاط القروض"، نوه العبدلي إلى ما ذكرته شبكة "سي أن أن"، من أنه تم إخطار البرلمان بإمكانية حله في حال التصويت على قانون إسقاط القروض.
وعلق: "برأيي أن هذا هو النموذج لمشكلة النظام السياسي، فالتهديد بالحل والذي يراد منه كبح النواب عن التصويت على قوانين شعبوية، هو ما يدفعهم إلى تبني هذه القوانين خوفا من الحل الذي سيرجعهم إلى الانتخابات بصبغة شعبوية كالدفاع عن إسقاط القروض".
وتوقع العبدلي بعد صدور مرسوم العفو، أن يتم سحب اقتراح "إسقاط القروض" إلى اللجنة المالية، مضيفا "هذا يؤكد أن القضية أداة تم استخدامها لكسب العفو".
وتابع "إذا استمرت المنظومة دون تغييرات متعددة، قطعا ستسمر الأزمات"، مضيفا أنه "في الحقيقة لا يود النائب الذي يعمل في البرلمان أن يعود إلى الانتخابات في فترة قصيرة، فهي تقوي من خطاب منافسيه بأنهم فشلوا ولم يحققوا شيئًا. ناهيك عن الإرهاق النفسي والصرف المالي الذي توجبه الانتخابات".
"لا ديمقراطية دون أحزاب"
قال عمر العبدلي، إن مشكلة أخرى توجد في الكويت، وتعتبر أكثر تعقيدا، وتتمثل في غياب الأحزاب، مضيفا: "من المعروف أنه لا ديمقراطية دون أحزاب في العالم الديمقراطي اليوم. وأن غياب الأحزاب يجعل الحكومة تتعامل مع 50 نائبا بدلاً من أن تتعامل مع حزبين أو ثلاثة، أو حتى أربعة".
وأضاف العبدلي أن غياب الأحزاب، "يجعل الحكومة في حالة ارتباك وخوف دائم"، معتبرا أن الحكومة لا ترى ضامنا في التعامل مع مجموعة من الأفراد الذين لا يتفقون إلا في حالات نادرة، وهو ما يدفعها إلى "سياسة التقطير في تشريع القوانين".
وقال إن منح الحكومة للنواب أريحية في تشريع القوانين، يدخلها في معادلة الخوف من اكتسابهم رصيدا شعبيا قد يدفعهم لاحقا للانقلاب عليها.
وخلص العبدلي إلى أن "معالجة هذه المشكلة تكمن في تشريع الأحزاب، وزيادة المحفزات في المنظومة السياسية، وخصوصا اللائحة الداخلية للدفع بالعمل الجماعي والحزبي. فما ما دام نائب واحد يستطيع تقديم اقتراح بقانون واستجواب فما الذي يدفع النائب إلى التعاون، بل حتى ابتزاز الحكومة والمجلس معا كما هو الحال في استجوابي وزيرة الأشغال، ووزير المالية".