أضافت القوى السياسية
اللبنانية بأدائها السياسي
المترنح؛ إلى الفراغ الرئاسي مزيداً من التخبُّط السياسي في كل ملف وقضية. فلا حكومة
تصريف الأعمال قادرة أن تجتمع دوماً لمعالجة القضايا العاجلة والضرورية، وفي حال
اجتمعت يؤدي اجتماعها إلى مزيد من التوترات السياسية، ولا الكتل النيابية قادرة
على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لانتظارها تسويات الخارج، فيما مجلس النواب غير قادر
على التشريع الطبيعي في ظلّ رفض بعض الكتل النيابية التشريع قبل إنهاء الشغور
الرئاسي.
كذلك يستحيل وقف تسارع الأزمة المالية والانهيار
المستمر للعملة الوطنية في ظل غياب سلطة سياسية فعلية، وهذا عدا عن الملفات
القضائية الساخنة، بدءاً من انفجار المرفأ، وصولاً إلى الملفات المالية وحركة
الوفود القضائية الأوروبية، والتي يواصل أعضاؤها طلب صور عن مستندات وملفات تطال
بعض الأسماء المتورطة بقضايا الفساد.
يستحيل وقف تسارع الأزمة المالية والانهيار المستمر للعملة الوطنية في ظل غياب سلطة سياسية فعلية، وهذا عدا عن الملفات القضائية الساخنة، بدءاً من انفجار المرفأ، وصولاً إلى الملفات المالية وحركة الوفود القضائية الأوروبية، والتي يواصل أعضاؤها طلب صور عن مستندات وملفات تطال بعض الأسماء المتورطة بقضايا الفساد
من خارج المتوقع أتت زيارة وزير الخارجية
الإيراني
حسين أمير عبد اللهيان إلى بيروت في توقيت صادم. وما ضاعف القلق اللبناني
والإقليمي من هذه الزيارة، أن الملفات التي طرحها الضيف الإيراني خلال لقاءاته
الرسمية، جاءت في إطار تجديد المواقف المستمرة لطهران حيال استعداها دعم لبنان
بالفيول ومعامل الكهرباء، ولم تتضمن مسألة جديدة تعطي عنواناً واضحاً لأهداف هذه
الزيارة.
وهذه الزيارة ذات الأهداف المكررة في الشكل أثارت شكوك
المتابعين، الذين خرجوا بانطباعات بأن لا شيء جديداً يحمله رأس الدبلوماسية الإيرانية
ويستدعي قيامه بهذه الزيارة المفاجئة، في ظل تصاعد التوترات الشعبية في الداخل الإيراني
وخصوصا في المناطق ذات الكثافة الكردية، وعليه لا بدّ أن الزيارة حملت عناوين مختلفة؛
على رأسها اللقاء مع أمين عام
حزب الله، السيد حسن نصر الله.
وعلى الرغم من عدم تسرب أي معطى يفيد بما ناقشه الضيف
الإيراني مع نصر الله، إلا أن الأكيد أن الرجلين أجريا جولة أفق تضمنت العديد من
التطورات السياسية ربطاً بالتحولات الجارية في المنطقة. والمنطقة التي تعيش
دينامية متحركة من الممكن أن تنتج مفاعيل جديدة في حال وصلت لخواتيمها المرجوة،
وهنا لا يمكن فصل زيارة عبد اللهيان إلى دمشق بعد بيروت، والتي تعتبر وجهة أساسية
لأي مسؤول إيراني تحط رحاله في لبنان.
وزيارة عبد اللهيان إلى دمشق جاءت للتمهيد لزيارة
الرئيس الإيراني إبراهيم
رئيسي، والتي سيقوم بها إلى سوريا وتركيا في
الوقت نفسه، لأن ملف المصالحة السورية- التركية تمتد تشعباته إلى لبنان، لكون
الجانب القطري فاعلا مؤخراً في الساحة اللبنانية. في المقابل فإن الملف السوري
وانعكاساته اللبنانية ليس الملف الوحيد الذي يفرض نفسه على اللاعبين الإقليميين في
هذه المرحلة، فثمة ملف مفصلي يرتبط بأي مشروع حل في الشرق الأوسط ويفرض نفسه على
الساحة الإقليمية، وهو الملف اليمني الشائك. وهذا الملف متعلق بأمن دول الخليج،
انطلاقاً من أن الحرب ذات خلفيات صراعية مع إيران وحزب الله منذ سنوات طويلة، على
الرغم من كل المحاولات الجارية لتمديد الهدنة التي لا تزال قائمة منذ بضعة أشهر
لأسباب مختلفة، لكنها هدنة هشة لا ترتكز على مقومات صلبة ومتينة، ومعرّضة للانهيار
عند أي لحظة.
والأكيد أن قطر وسلطنة عمان قادتا "جهوداً خارقة"
قبل كأس العالم لتثبيت الهُدنة القائمة، لأنّه بين شهرَيْ أيلول/ سبتمبر وتشرين
الأوّل/ أكتوبر؛ شدّدت جماعة الحوثي الحصار على تعز وسادت أجواء أن الهدنة معرضة
للسقوط، وهذا الأمر كان بالتّوازي مع تحرّكاتٍ عسكريّة في صنعاء والحُديدة وصعدة.
وكادَت الأمور تنفجر مُجدّداً، الأمر الذي دفع بالمسؤولين القطريين للتحرك مع
الدبلوماسية العمانية بهدف نزع فتيل الانفجار؛ خشية أن يؤثّر أيّ تصعيدٍ في منطقة
الخليج العربيّ على سيرِ البطولة العالميّة التي كانت تُعدّ لها الدّوحة منذ 11
عاماً.
إن الملفين السوري واليمني ليسا منفصلين عن تحدّيات أساسية تواجهها إيران، بدءاً من الحراك الشعبي الذي ينهك النظام في طهران، والحديث عن خروقات أمنية مفاجئة في جسم التركيبة السياسية لطهران. كذلك لا تخفي الإدارة الإيرانية خشيتها من تطورات غير محسوبة مع أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفاً
والأكيد أن وزير الخارجيّة الإيراني وخلال لقائه
بمسؤولين من جماعة الحوثي خلال زيارته للسفارة الإيرانية في مسقط، خلال رحلته
الرسمية منذ مدة، كان قد طلبَ من الحوثيين تجنّب رفع التصعيد مع السعودية خلال هذه
المرحلة انتظاراً للجهود القطرية- العمانية، تبعه لقاء في مسقط بين وفدٍ سعوديّ
وآخر للحوثيين. وتركّز البحث بين الفريقين على ترسيخ الهدنة القائمة عبر فتح
الطّرقات الرّئيسيّة وتسهيل وصول المُساعدات الإنسانيّة، والانتقال مستقبلاً
للمسار السياسي الرامي لإعادة وحدة البلاد ووقف الحرب.
لذا فإن الملفين السوري واليمني ليسا منفصلين عن
تحدّيات أساسية تواجهها إيران، بدءاً من الحراك الشعبي الذي ينهك النظام في طهران،
والحديث عن خروقات أمنية مفاجئة في جسم التركيبة السياسية لطهران. كذلك لا تخفي
الإدارة الإيرانية خشيتها من تطورات غير محسوبة مع أكثر الحكومات الإسرائيلية
تطرفاً، وهذا الملف بات يشكل قلق كل الأطراف، بدءاً من إدارة بايدن مروراً
بالجانبين التركي والسعودي.
وعلى الرغم من انشغال الإدارة الديمقراطية بلملمة
الأزمة المرتبطة بالوثائق السرية التي وُجدت في منزل بايدن وما قد ينتج عنها من
تطورات وصراعات محتدمة مع خصمه الجمهوري، إلا أن الدولة العميقة الأمريكية تشدد
على ثابتة رئيسية هي عدم قدرتها على الغياب عن مسرح الأحداث الدولة والشرق أوسطية،
وخاصة ارتباط تلك الملفات بالتحديات السياسية والأمنية لواشنطن وحلفائها.
والأكيد أن أي مشروع تسوية في لبنان قابل لإعادة فك
العزلة عن لبنان، فيما التوتر العسكري الذي تخوف منه منذ أيام وزير الخارجية
القطري السابق حمد بن جاسم، سيؤدي إلى تفجير الأوضاع في سوريا ولبنان واليمن مروراً
بدول الخليج العربي، فيما التفاهم السوري- التركي سيعزز فرص الحل اللبناني وفق
نظرة إيران وحلفائها.
هذا الاندفاع الفرنسي مرده إلى قناعة تشير أنه من خلال التواصل بين هذه الدول سيتم الاتفاق على صيغ مشتركة تقوم باريس بنقاشها مع حزب الله بشكل جانبي، على أن تعمل كل دولة على إعداد ورقة تتضمن مقترحاً سياسياً لحل الأزمة؛ تتضمن بنود سياسية ومالية وأمنية
وعليه فإنّ نجاح جهود الدوحة ومسقط وباريس في ترتيب
تسوية إيرانية- سعودية تؤدي إلى إنهاء الحرب في اليمن وعودة التمثيل الديبلوماسي
بينهما، سيدفع فوراً لمناخ جديد سيستفيد منه لبنان بشكل فوري، وخاصة إذا ما ترافقت
تلك التحركات مع عودة النقاش في الملف النووي الإيراني.
وأخيراً، تعوّل السلطة السياسية في لبنان على تسارع
اتصالات المستمرة بين قوى إقليمية ودولية حول إنجاح الاجتماع الرباعي في باريس،
والذي سيضم ممثلين عن الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، والسعودية وقطر. وتأجل الموعد
حتى نهاية الشهر الحالي لظروف تقنية تخص الجانب السعودي، وأوعزت واشنطن إلى باريس
بضرورة النقاش الثنائي مع كل الأطراف للبحث التفصيلي في الملف اللبناني وفي كيفية
الوصول إلى تسوية تخرج البلاد من عنق الزجاجة.
وهذا الاندفاع الفرنسي
مرده إلى قناعة تشير أنه من خلال التواصل بين هذه الدول سيتم الاتفاق على صيغ
مشتركة تقوم باريس بنقاشها مع حزب الله بشكل جانبي، على أن تعمل كل دولة على إعداد
ورقة تتضمن مقترحاً سياسياً لحل الأزمة؛ تتضمن بنود سياسية ومالية وأمنية تضمن
استقرار الدول ذاتها.