من الذي سيحصل على حق الإرث بالسجادة الحمراء واللقب الرئاسي ومكاتب مبنى المقاطعة في رام الله بعد رحيل محمود
عباس؟
من المهم صياغة السؤال بهذه الطريقة لنعرف حجم الإرث الحقيقي الذي يحدد أيضا حجم الكارثة التي ستواجه الجميع في اليوم التالي لمراسم الجنازة الرسمية.
الأخبار صارت في زماننا صناعة محبوكة، لتصنع تلك الأخبار بدورها الحدث وليس العكس، وفي الأخبار المصنوعة بحبكة منهجية فإن
حسين الشيخ، هو المرشح الأوفر حظا لتولي الرئاسة بعد أبومازن الذي لم يحدد بالاسم وريثا له، وهذا مفهوم لأن عند الفلسطينيين نظام ديمقراطي معقد التركيب (ومذهل لو تم تطبيقه فعليا)، لكن حركة التفافية بسيطة في ذات النظام جعلت أبومازن يشير إلى حسين الشيخ وريثا محتملا يكاد يكون “شرعيا ووحيدا” كرئيس قادم!
تلك الحركة التي جعلت رئيس الشؤون المدنية للفلسطينيين أمينا لسر منظمة التحرير الفلسطينية، وهنا نحن أمام شخصية غريبة تحمل وظيفة برتبة وزير في السلطة (غير رتبة عقيد أمني!) مهام تلك الوظيفة هي إدارة كل تفاصيل حياة الفلسطينيين المحصورة في جغرافيا ضيقة ومحاصرة باحتلال عسكري إسرائيلي، مما يعني بالضرورة أن تلك الإدارة التي يمارسها العقيد الأمني الستيني تتطلب علاقات مباشرة مع كامل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى رضا السياسيين الإسرائيليين والحكومات التي يتداولونها بالانتخاب الديمقراطي، أما الوظيفة الثانية فهي وجاهية لكن حيوية في تراتبية القوة داخل
السلطة الفلسطينية المبنية حصرا على قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، والشيخ هنا أمين السر، لا احد يعرف ما هو السر الذي تتطلبه تلك الوظيفة، ولا حجم الأمانة المطلوبة فيها! لكنه الموقع الذي يؤهل صاحبه ليكون الأقرب إلى أن يكون رئيسا للمنظمة.
الحيلة مكتملة هنا، المنظمة استطاعت تكريس نفسها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، وبعد أوسلو التي خاضتها المنظمة “وحيدة” نشأت السلطة الوطنية الفلسطينية على أمل الدولة المستقلة، تبخرت آمال الدولة الفلسطينية المستقلة لكن السلطة بقيت وريثا شرعيا وحيدا للمثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، ويصبح حسين الشيخ مرشحا نموذجيا ليكون وريثا “شرعيا!” ووحيدا لإرث محمود عباس.
في هذا البناء الهرمي فإن القاعدة الأساسية له هو الشعب الفلسطيني، وحسين الشيخ لا يملك أكثر من 3 ٪ شعبية وقبولا لديه!! حسب إحصاءات أشارت إليها نيويورك تايمز، وذات الإحصاءات تقول إن ثلاث أرباع الفلسطينيين رفضوا ترقيته إلى موقع أمين سر المنظمة، وهي الصحيفة العريقة ذاتها التي تصنع الأخبار “والأحداث” والتي تحدثت بتقرير مطول الصيف الماضي عن حسين الشيخ كرئيس قادم للفلسطينيين!
ببساطة، الشعب الفلسطيني الذي تمثله المنظمة بشرعية “وتوحد”، وورثتها السلطة الفلسطينية المتقلصة والمتآكلة على أرض تتقلص وتتآكل يوميا، غائب فعليا عن اختيار رئيس شرعي “ووحيد” يقوده، لكن الوقائع تقول إن حسين الشيخ “وحده” من سيقف حرس الشرف الفلسطيني لتحيته على سجادة حمراء وفرقة موسيقية تعزف النشيد الوطني لدولة لم تتحقق بعد.
السؤال هنا: هل لدى الأردن تقدير موقف واضح ورؤية أكثر وضوحا لتفاصيل الليلة التالية لرحيل محمود عباس؟
وهذا طبيعي ومشروع لدى الدول أن تدرس جوارها الإقليمي وقد فعل الأردن أبعد من ذلك في كل انتخابات عراقية مثلا! والحالة هنا أكثر أولوية غرب النهر الذي كان أصلا تحت الإدارة الأردنية لعقود طويلة بل وكان جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية كجغرافيا قبل الاحتلال “وبعده؟!”.
هل تكفي المؤهلات “الأمنية” لحسين الشيخ أن يكون مقبولا لدى الأردن أم هناك خيارات يمكن الرهان عليها بدعم وتفعيل إرادة الشعب الفلسطيني الغائبة في المساحة الزمنية الضيقة أصلا والمرتهنة لمشيئة الله بقضائه وقدره؟
(الغد الأردنية)