سعى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين
نتنياهو، بعد فوز اليمين في انتخابات الكنيست، لطمأنة الوليات المتحدة بشأن كبح
اليمين المتطرف في حكومته، قائلا: "يداي مثبتتان بقوة على عجلة القيادة"، ولكنه بعد أسابيع من توليه منصبه، بدأ بالفعل بالانحراف عن مساره، بحسب صحيفة واشنطن بوست.
وذكرت
الصحيفة أن ائتلاف نتنياهو اليميني المتطرف، سارع بإجراءات تهدف إلى إضعاف النظام القضائي الإسرائيلي والقضاء على أي احتمالات متبقية لحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ونقلت عن ألون بينكاس القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك، أن وابل المبادرات يتناقض بشكل حاد مع أسلوب نتنياهو المحسوب والمدروس، وهو دليل على أنه فقد السيطرة.
وأكد أن شركاء نتنياهو يعلمون أنه في أضعف أحواله؛ ولذلك فإنهم يبتزونه.
أما يوآف فرومر، رئيس مركز دراسات
الولايات المتحدة في جامعة تل أبيب، ذكر أن نتنياهو لم يعد يتمتع بالشرعية؛ وإذا سقطت حكومته فمن المحتمل أن يتم سجنه، بسبب قضايا الفساد التي يحاكم عليها.
وأوضح أن المحاكمة منحت نفوذا هائلا لشركاء نتنياهو الدينيين المتطرفين، الذين وعدوا بالمساعدة في إنقاذه منها مقابل الحرية في متابعة أجندتهم الخاصة.
وأشارت واشنطن بوست، إلى أنه تم ترجمة المقايضة غير الرسمية بالفعل إلى تنازلات جوهرية لليمين الإسرائيلي المتطرف، وكشفت حدود النفوذ الأمريكي.
وعبر مسؤولون أمريكيون عن عدم ارتياحهم لنتنياهو بشأن مطالب بتسلئيل سموتريتش، رئيس كتلة "الصهيونية الدينية" المتطرفة، خلال مفاوضات الائتلاف، لكنه تم تعيينه وحلفاءه في مناصب حساسة وحاسمة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، والإشراف على الشؤون المدنية في الضفة الغربية، التي تعهد أعضاء الكتلة الراديكالية بضمها صراحة في تحد للولايات المتحدة.
وكررت واشنطن علنا التزامها بـ "القيم المشتركة" مع تل أبيب. لكنها أيضا تعيد ضبط موقفها بهدوء، وتبلغ نتنياهو بأنه سيتحمل مسؤولية تقويض تلك القيم، وتحذر من أن طموحاته لكبح إيران وتطبيع العلاقات مع السعودية قد تتأثر.
ونقلت الصحيفة عن السفير الأمريكي لدى تل أبيب، توم نيدس، أن نتنياهو يريد إنجاز أشياء كبيرة، وكذلك الولايات المتحدة، ولكن "إذا اشتعلت النيران في الفناء الخلفي الخاص بنتنياهو، فلن يتمكن أحد من إنجاز أي شيء".
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، قام وزير الأمن القومي اليميني إيتمار
بن غفير بزيارة مثيرة للجدل للمسجد الأقصى، وكانت الولايات المتحدة أول دولة تدين هذه الخطوة علنا، قائلة إن التغييرات في الوضع القائم ستكون "غير مقبولة".
وفي 2 كانون الثاني/ يناير، في الليلة التي سبقت زيارة بن غفير، عندما دعت حركة حماس الشباب الفلسطيني إلى "التعبئة"، أقنع نتنياهو بن غفير بتأجيل جولته، لكن قاعدته المتشددة طالبت بمقاومة ما أسمته "الاستسلام للإرهاب"، وبالفعل وصل صباح اليوم التالي إلى الحرم القدسي، محاطا برجال الأمن.
وقال زعيم المعارضة يائير لابيد في تغريدة ردا على الحادث: "هذا ما يحدث عندما يضطر رئيس وزراء ضعيف إلى تكليف أكثر شخص غير مسؤول في الشرق الأوسط بالمسؤولية عن أكثر الأماكن قابلية للاحتراق في الشرق الأوسط".
وزراء نتنياهو اليمينيون المتطرفون هم من الأيديولوجيين الأقوياء مع دوائر انتخابية متحمسة، بما في ذلك العديد من اليهود المتدينين الذين يعتقدون أن "السلام في إسرائيل" لا يمكن تحقيقه إلا من خلال حرب شاملة.
في اجتماع طارئ للأمم المتحدة في 5 كانون الثاني/ يناير، قال الممثل الأمريكي روبرت وود؛ إن الولايات المتحدة "قلقة من أي أعمال أحادية الجانب تؤدي إلى تفاقم التوترات أو تقويض إمكانية حل الدولتين".
استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) ضد أكثر من 50 قرارا من قرارات الأمم المتحدة ضد "إسرائيل" على مر السنين - منعت المحاكم والعقوبات والمقاطعات بسبب احتلالها للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وحروبها في غزة -؛ بحجة أن نظام العدالة الإسرائيلي القوي قادر على محاسبة جيشها.
لكن في الأسبوع الماضي، عززت حكومة نتنياهو أيضا ما وصفته بـ"الإصلاح القضائي"، الذي يهدف إلى إضعاف المحكمة العليا، وربما السماح لرئيس الوزراء وحلفائه باختيار القضاة الذين يترأسون محاكمة الفساد الخاصة به.
ويحذر خبراء قانونيون من أن الحيلة يمكن أن تنقذ نتنياهو على المدى القصير، لكنها في النهاية تضر بتل أبيب من خلال تقويض قدرة الولايات المتحدة على الدفاع عنها في الساحة الدولية.
قال بيني غانتس، وزير الجيش الإسرائيلي السابق، في إشارة إلى نظام الصواريخ المضادة للصواريخ الذي تموله الولايات المتحدة، في بيان متلفز الأسبوع الماضي: "المحكمة العليا والنظام القضائي هما قبتنا الحديدية القانونية ضد العالم".
وقال؛ إن آلية الدفاع هذه، مهمة في وقت تتصاعد فيه الإدانة الدولية لإسرائيل.
والاثنين، أعربت أكثر من 90 دولة عضوا في الأمم المتحدة عن "قلقها العميق" بشأن العقوبات الإسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية -بما في ذلك تجميد البناء ووقف عشرات الملايين من الدولارات من عائدات الضرائب-، بعد أن طلبت السلطة الدعم من محكمة العدل الدولية في لاهاي.
ويتزامن احتمال كسر الدرع الدبلوماسية الأمريكية أيضا مع تصاعد حركة المستوطنين، التي شجعتها وعود الحكومة بالسماح لعشرات البؤر الاستيطانية غير القانونية، وتخصيص ملياري دولار لتطوير الطرق والبنية التحتية على الأراضي التي يتصورها الفلسطينيون جزءا من دولتهم المستقبلية.
قال بن غفير العام الماضي: "كسياسة، يجب أن نرسل شعبنا إلى [كل الضفة الغربية]. هذه أرض إسرائيل".
وقد يؤدي ذلك إلى تعقيد المساعدة الأمريكية لإسرائيل -بما في ذلك 3.8 مليار دولار من المساعدات الأمنية السنوية-، التي ستكون أساسية لأجندة نتنياهو الأوسع لكبح البرنامج النووي الإيراني، وتطبيع العلاقات مع السعودية.
وقال السفير الأمريكي نيدس؛ إن الولايات المتحدة تعمل على تذكير نتنياهو بأن تغيير الوضع القائم في الأماكن المقدسة في القدس ودعم الحكومة لمستوطنات الضفة الغربية، يقوض طموحاته الإقليمية.
وأضاف السفير الأمريكي، أن واشنطن لا تزال ملتزمة بالحفاظ على "رؤية حل الدولتين"، لكنه أقر بأن هناك نقصا في الإرادة السياسية، وأن الصراع يتصاعد.
وقال تشاك فريليش، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق؛ إن الحكومة الإسرائيلية الجديدة قوضت بالفعل "القيم المشتركة" التي يروج لها الدبلوماسيون، ويمكن أن يضر ذلك "بالرابطة القوية"، لدرجة يجعل من الصعب التعرف عليها، مضيفا بأن: "النتائج لن تبشر بالخير لأي شخص".