تمر
مصر اليوم بأزمة
اقتصادية هي الأصعب على الإطلاق من حيث الحجم
والعمق والتأثير على المجتمع والدولة معاً. وبالرغم من أنّه يحلو لبعض المسؤولين
ربط هذه الازمة بالمشاكل الإقليمية والتحديات الاقتصادية العالمية للتحفيف من
مسؤوليتهم عنها، إلاّ أنّ الحقيقة هي أنّ هذه الازمة الهيكليّة العميقة مرتبطة
إرتباطاً أساسيّاً بطريقة إدارة السيسي والجيش المصري للدولة، وهو أمر لا يمكن
لأحد أن يدّعي أنّه لم يكن يتوقّعه أو يراه.
خلال الأشهر القليلة الماضية، انهار سعر صرف العملة المحلّية الجنيه
بشكل غير مسبوق. ترافق هذا الإنهيار مع ارتفاع حاد في نسبة التضخم والبطالة
وإرتفاع مهول في أسعار السلع وتراجع في الإحتياطي النقدي للبلاد. المشكلة انّ ذلك
حصل بالرغم من المساعدات الضخمة وعشرات المليارات من الدولارات التي خضّتها بعض
دول مجلس التعاون الخليجي لإبقاء النظام المصري واقفاً على قدميه.
في نيسان (أبريل) الماضي، تعهدت كل من الامارات وقطر والسعودية بحزمة
مساعدات بقيمة 22 مليار دولار للقاهرة. وفي أواخر العام 2022، نجح النظام المصري
في الحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 3 مليارات دولار ليرتفع بذلك
حجم الديوم المقترضة من الصندوق الى أكثر من 20 مليار دولار عن الفترة بين 2016
و2022. وبالرغم من ضخامة الأرقام، من غير المتوقع أنّ تحدث هذه المساعدات أي فارق
في وضع الاقتصاد المصري فضلاً عن إصلاح المشاكل الهيكليّة التي يعاني منها النظام.
الاقتصاد المصري تحوّل إلى ثقب أسود يبتلع كل الأموال التي يتم خضّها
فيه. نظام السيسي تحديداً حصل على ما لم يحصل عليه أي نظام مصري في السابق من
المبالغ المالية الضخمة. الأموال المتدفقة من الإمارات والسعودية والكويت بعد
الإنقلاب العسكري في العام 2013 وحتى العام 2015 تقدّر لوحدها بحوالي 42 مليار
دولار. حجم الدين العام المصري ارتفع في نهاية عام 2021 الى حوالي 400 مليار
دولار، وليس هناك ما يوحي بانّ أحداً يقدر على كبح جماحه في ظل سياسة النظام
المصري المستمرة منذ حوالي عقد من الزمن.
الاقتصاد المصري تحوّل إلى ثقب أسود يبتلع كل الأموال التي يتم خضّها فيه. نظام السيسي تحديداً حصل على ما لم يحصل عليه أي نظام مصري في السابق من المبالغ المالية الضخمة.
خلال المرحلة الماضية، تمّ الترويج لفكرة أن مصر دولة فقيرة وانّ على
المصري أن يتناول أرجل الدجاج اذا لزم الأمر للحفاظ على النظام. مصر واحدة من اغنى
دول المنطقة، وتمتلك النفظ والغاز، والثروات الطبيعية، والمعالم السياحية، وقناة
تدرّ عليها مليارات الدولارات سنويا، وتحويلات ضخمة للعاملين في الخارج، وموارد
بشرية تؤهلها لأن تكون مركزاً إقليمياً للإنتاج الرخيض، ومع ذلك فان حجم الاقتصاد
المصري لا يساوي نصف حجم الاقتصاد التركي.
أزمة النظام المصري هنا أنّه لا يستطيع أن يلوم احد على أدائه السيء.
الجيش يسيطر على كامل مفاصل الدولة، ويدير الاقتصاد ويمتلك المؤسسات وعالم المال
والتجارة والاعمال، ويزيد على ذلك مؤسسات الدولة والسياسات العامة وكل ما له علاقة
بالدولة والمجتمع. في مرحلة من المراحل كان النظام المصري يراهن على إستخدام
فزّاعة الإسلام السياسي ليستمر في "حلب" الدول العربية والغربية التي
تخشى من وصولهم للحكم. اليوم لا يوجد من يخشى من هذا الامر لأنّه لم يعد أولوية،
ولأنه لا توجد انتخابات حقيقية في أي مكان في العالم العربي. ولهذا السبب
بالتحديد، تُبدي الدول التي دعمت الإنقلاب العسكري في عام 2013 تحفّظاً في مسألة
إستمرارها في دعم نظام السيسي مالياً في هذه المرحلة.
خلال الشهر المنصرم، دعا الرئيس الاماراتي محمد بن زايد الى اجتماع
حضره كل من زعماء قطر، وعُمان، والبحرين، والأردن، ومصر. ويُعتقد أنّ الاجتماع بحث
في جزء أساسي منه مشاكل مصر المالية المستعصية. إذا ما صح هذا الأمر، فهو يُفسر
الى حدّ ما غياب كل من السعودية والكويت عن هذا الاجتماع. ففي اليوم نفسه الذي
إنعقد فيه هذا الاجتماع، قال وزير المالية السعودي من دافوس انّ عهد المنح
والمساعدات غير المشروطة التي اعتادت السعودية تقديمها قد ولّى.
فشل النظام المصري لا يقتصر على الاقتصاد، فعلاوةً على الأزمة الضخمة
التي أدخل فيها البلاد جراء فساده ونهبه للثروات العامة، فشل النظام في الدفاع عن
الشريان الحيوي للدولة المصرية وهو نهر لنيل، كما وافقت أجهزة النظام بما في ذلك
البرلمان والحكومة والهيئات الأخرى على التنازل عن أراضي مصريّة في البر والبحر
لعدد من الدول من بينها السعودية واليونان. فضلاً عن ذلك، فقد فشل النظام المصري
في مغامراته الداخلية والخارجية بما في ذلك سياساته في سيناء ودعمه لإنقلاب
الجنرال جفتر والذي كان يراد له أن يكون نسخة مصرية في ليبيا.
إن استمرار الوضع على ما هو عليه إلى ما لا نهاية أمر غير ممكن
ومستحيل، وينذر بانفجار اجتماعي قادم. لا تزال هناك فرصة لتصحيح
الأوضاع، لكنّ لا
يبدو أنّ النظام المصري في وارد القيام بتغير تصحيحي فضلاً عن القيام باي تغييرات
جذرية. تجدر الإشارة الى أنّ الأضواء سُلّطت مؤخراً ـ في الاجتماع الذي عقد في
الامارات ـ على حذاء الرئيس المصري، إذ لاحظ البعض أنّه في الوقت الذي يطلب فيه
النظام المصري المساعدات المالية لبلاده ويحث المصريين على تناول أرجل الدجاج، كان
ثمن الحذاء الذي يرتديه السيسي يساوي حوالي ألف دولار.