وسط تصاعد حالة الاستقطاب في مجتمع الاحتلال، تتردد في الأوساط
الإسرائيلية الأحاديث المتكررة لكبار المفكرين والأدباء اليهود عما يصفونه بالمستقبل
الكئيب لإسرائيل، ونهايتها المتوقعة، وخسارتها الوشيكة، مما جعل منهم "أنبياء
للغضب".
جاكوب فلافينسكي الكاتب الإسرائيلي استحضر في "
يديعوت
أحرونوت" "الخطاب الذي ألقاه كبير الأدباء الإسرائيليين ديفيد غروسمان خلال
احتجاجه الأخير على التغييرات القانونية، يعيدنا إلى خطاب قديم كتبه زميله الراحل عاموس
عوز عندما نشر كتابه "هنا وهناك في أرض إسرائيل" عام 1983، وقد مرت أربعة
عقود بالضبط منذ ذلك الحين، لكن الشعور أن الكتاب خرج للتوّ من المطبعة، كما لو كانت
مكتوبة في ساحة مظاهرات تل أبيب عام 2023، وليس في أوائل الثمانينيات، وفي المناسبتين
دائمًا ما تجد فكرة اقتراب نهاية إسرائيل آذانًا صاغية".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "مثل هذه
المقالات والكتب والدراسات التي يقدمها مجموعة متنوعة من الشخصيات تكشف عن الاستقطاب
الإسرائيلي، وتؤكد بوضوح عمق الهاوية الاجتماعية التي تمزق إسرائيل منذ عقود، رغم أن
الخلافات الإسرائيلية هي نفس الانقسامات، والكراهية هي ذاتها القائمة منذ تلك السنين،
والحجج هي نفس الحجج، حتى عبارة "الحرب الأهلية" ظهرت آنذاك، وكأن أربعين سنة
لم تمرّ منذ ذلك الحين، وقد تحدث بعضهم عن ظاهرة اليهود المنفيين في دولتهم، وعن البيت
المحترق، والابتعاد عن الأمل والرؤية التي أنشأت إسرائيل".
وأشار إلى أن "إسرائيل في عامها الخامس والسبعين تخوض
صراعًا مصيريًا من أجل صورتها، حول سيادة القانون وحقوق الإنسان، وإذا عدنا بالزمن
مرة أخرى، فسوف نجد أن بعض شخصياتها وأدبائها متشككون للغاية بشأن إمكانية العيش في حياة
طبيعية في إسرائيل، وكأنه لا جديد تحت الشمس، لأن فكرة النهاية المتوقعة والخسارة الوشيكة
للدولة بات الكثير من الإسرائيليين يتشبثون بها، سواء بحجة التغييرات القضائية، وأحيانًا
فيروس كورونا، أو قرارات سياسية مهمة أو عسكرية مثيرة للجدل، وطالما أننا نعيش على
هذه القطعة من الأرض، فستظل الخلافات بمثابة موسيقى صادمة للإسرائيليين".
ويستحضر الكاتب ما قاله عاموس عوز سابقا بشأن "أن اليهود
سيمزقون العالم، لكن إذا جمعتهم معًا فسيمزقون بعضهم، فضلا عن الحديث عن الكارثة الاجتماعية
المتوقعة، وهو ما لا يمكن الاستخفاف به، لأن التاريخ يؤكد أنه عندما كانت تخرج الأمور عن
السيطرة، فقدت إسرائيل سيادتها على الأرض أكثر من مرة، صحيح أنه تم تأبينها مرات عديدة،
لكن المهمة هي التأكد أن هذا النعي ليس بأثر رجعي، لأنه عندما لا تتحكم إسرائيل في
نيرانها، فيمكن أن يحترق المنزل حقًا".
وأشار إلى أنه "من الأفضل إيقاف مثل هذا السيناريو،
وإيجاد طريقة مشتركة للتغلب عليه، لأنه من السهل تحميل المسؤولية على عاتق مسؤول معين،
أو عاتق حكومة بعينها، لكن هذا هروب من المسؤولية التي تقع على عاتقنا جميعًا، والسؤال
ليس ما إذا كانت هناك فرصة لأن نعيش حياة طبيعية هنا، لكن السؤال ما هي الحياة الطبيعية
التي نسعى إليها، مع العلم أن المشكلة الإسرائيلية كانت ولا تزال ليس تعدد الآراء،
بل نفيها، الكل يريد أن يجعل صوته مسموعًا، وبدلاً من إفساح المجال للآخر لخلق انسجام
من تعددية الآراء، فإن جميع الإسرائيليين يغنون بمفردهم".
تكشف مثل هذه الآراء الإسرائيلية أن هناك دائمًا من بينهم
من يتوقع نهاية الدولة، ويتحدث عن فقدان الطريق إلى حدّ اندلاع "حرب الأشقاء"،
بما في ذلك في السنوات التي سبقت قيام الدولة، وخلال كل هذه السنوات الماضية حذرت هذه
الآراء من عدم وجود مستقبل مشترك للإسرائيليين، الذين سيبقون منقسمين، ولا يزالون مجتمعًا
غير قادر على الازدهار وتجاوز الصعاب، مما يجعلهم يقتربون من الحدود الخطرة، وصولا
إلى ما يعيشونه من أوقات مضطربة.
مايكل ميلشتاين رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية بجامعة تل
أبيب، والباحث بمعهد السياسة والاستراتيجية بجامعة رايخمان، أشار إلى أن "الفلسطينيين
والعرب يراقبون التطورات الإسرائيلية الداخلية ويعتقدون أنها نقطة ضعف حادة تحيط بدولة
الاحتلال، مما قد يدفعهم لاستغلال الواقع لصالحهم وجني الإنجازات، وهذا النقاش الموسع
في العالم العربي يجب أن يضيء الضوء الأحمر في إسرائيل، على اعتبار أن التطورات الداخلية
قد تصل حدّ اندلاع الحرب الأهلية".
وأضاف في مقال نشرته "
القناة 12"، وترجمته
"عربي21" أن "النقاشات العربية في الآونة الأخيرة الغرض منها فهم مدى
جدية الخطاب الإسرائيلي فيما يتعلق بإمكانية اندلاع حرب أهلية إسرائيلية، في ظل العواصف
العامة والسياسية المستعرة بسبب التوتر بين المتدينين والعلمانيين، وتقسيم السلطات
في أجهزة الحكم الإسرائيلية، ويُنظر إليها على أنها دليل على زعزعة استقرار الحكومة،
واندلاع وشيك للثورات الداخلية التي قد تعطل الدولة، ومقدمة وعلامات على الانهيار التدريجي
للمشروع الصهيوني، انطلاقا من الافتراض بأن "مجتمع المهاجرين" الإسرائيلي
مصطنع، وخال من التماسك".
يتخوف الإسرائيليون أن تدفع التطورات الداخلية بالكثير من
الأوساط العربية للاعتقاد بأن المجتمع والدولة الإسرائيلية تعاني من هشاشة عميقة، حيث
تعرض حماس بانتظام صورًا لجنود يبكون في جنازات رفاقهم، كدليل على رقّة مجتمعها، ووصف
حزب الله دولة الاحتلال بأنها "بيت العنكبوت"، وذات حساسية للخسائر في صفوفها،
وبعد 75 عاما على قيامها فإنها فقدت قدرتها.
وبالتالي فإن مثل هذه الانطباعات السائدة في العالم العربي
قد يدفع أعداء دولة الاحتلال لامتلاك جرأة أكبر في الهجمات المستهدفة ضدها، بسبب ما
تواجهه من فوضى سياسية واضطرابات عنيفة ومتواصلة عانت منها.