يثير الدور الذي يلعبه
السلفيون في المناطق
المستعادة من سيطرة الحوثيين في
اليمن تساؤلات عديدة، في ظل العلاقات الكبيرة
للتيار مع
السعودية والإمارات والدعم المقدم له، في ظل التقارير عن تسابق بين
الطرفين لمزيد من السيطرة عليه وضمان ولائه.
وبات هذا التيار يحظى
بنصيب الأسد من الدعم السعودي والإماراتي على مدى الأعوام الماضية من الحرب في
اليمن، إذ ارتفعت أسهمهم في مناطق القتال كما في المناطق المحررة من سيطرة الحوثيين.
ذلك أن هذا الدعم عزز من حضورهم في معادلة الصراع، خاصة العسكرية، وكان لذلك تأثير في صياغة تحولات عدة في المشهد اليمني.
وفي الآونة الأخيرة،
دخل "التيار المدخلي" مرحلة جديدة تتنازع فيها الرياض وأبوظبي على ضمان
ولائه، حيث شرعت المملكة في إنشاء وحدات عسكرية جديدة بقيادة سلفية باسم "درع
الوطن".
فيما أولت السلطات
الإماراتية اهتماما مبكرا بإنشاء تشكيلات عسكرية مثل "ألوية العمالقة"
و"الحزام الأمني"، مكنتها من بناء خارطة نفوذ واسعة في المحافظات
الجنوبية، خصوصا الساحلية على البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن.
ويرى مراقبون أن حالة
الاستقطاب الحادة بين الدولتين الخليجيتين تجعل من هذا الفصيل يدور بين شقي رحى
مع صعوبة التنبؤ بمآلاتها.
"تقاسم
وتصفية"
وفي السياق، قال أستاذ
العلوم السياسية بجامعة صنعاء، عادل الشجاع، إن "الاهتمام بالسلفيين بدأ منذ 2013،
حيث أجمع المجتمع الدولي على اقتلاعهم من ديارهم ومزارعهم في منطقة دماج في صعدة (حيث
كان مركز دار الحديث السلفي شمالي اليمن)، وتوزيعهم على القوى المتصارعة في الساحة".
وأضاف الشجاع في حديث
خاص لـ"عربي21": "كانت دولة الإمارات أول من التقطتهم من
الشوارع، وتجميعهم في معسكرات، وتسليحهم لمواجهة خصمها اللدود حزب الإصلاح".
وتابع: "أدارت
بالطرفين معارك ضارية في تعز (جنوب غرب) تحت لواء الشرعية، ثم أوجدت لهم معسكرات
في الساحل الغربي من البلاد".
وبعد ذلك، وفقا
للأكاديمي اليمني، أعادت أبوظبي تموضعهم في شبوة (جنوب شرق) لمواجهة حزب الإصلاح
هناك.
وأشار الشجاع إلى أن
السعودية دخلت على الخط وبدأت في تقاسمهم (أي السلفيين) مع الإمارات، حيث أوعزت
لرئيس مجلس القيادة الرئاسي بتشكيلهم تحت مسمى "
درع الوطن ".
و رأى أستاذ العلوم
السياسية في جامعة صنعاء أنه من الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت ماضية
في برنامج الفوضى الخلاقة، بإدارة الحرب بين السلفيين من ناحية والإخوان المسلمين
من ناحية أخرى.
وأردف: "وقد ظهر
ذلك مبكرا في مصر، حينما واجه السلفيون الإخوان في الانتخابات، وتشكلوا في حزب، بعد
أن كانوا يجرّمون ذلك".
وحسب الأكاديمي والقيادي في حزب المؤتمر الشعبي العام، فإن واشنطن تهدف إلى تصفية القوى السنية بضربها ببعضها،
وهذا ما بدأت ملامحه تتضح بشكل جلي من خلال تجميع السلفيين في معسكرات خاصة بهم، ليسهل تحريكهم من جهة، وضربهم من جهة أخرى.
وقال إن السلفيين لم
يحققوا أي مكاسب، على العكس من ذلك، قدموا أنفسهم على مذبح الصراع، وجعلوا من أنفسهم
أدوات سهلة للتخلص منهم.
وتوقع السياسي اليمني
أن تشهد المرحلة القادمة صراعا بين السلفيين والإصلاحيين، حتى إذا ما ضعف الطرفان
سيتم التخلص منهم بسهولة، لافتا إلى أن مشكلة الولايات المتحدة أنها تتعامل مع
هذين التيارين على أنهما يغذيان الإرهاب.
فيما اليمن سيدفع
الثمن مرتين، مرة حين صدرت السعودية الفكر الوهابي، ومرة حينما بدأت التخلص منه،
حسبما ذكره المتحدث ذاته.
من جانبه، قال الكاتب
والباحث السياسي اليمني، فهد سلطان، إن السعودية تضعف الفكر السلفي في منشأه في
المملكة، لكنها تستخدمه خارج حدودها.
وبالنسبة للإمارات،
يضيف سلطان لـ"عربي21"، فقد حصل ذلك، "في ليبيا وفي سوريا وحاليا في
اليمن، ومثله في مصر ضمن دعم تيارات سلفية قبيل الانقلاب على الرئيس مرسي (2013)
وفي أثناء الانتخابات أيضا".
وأشار الكاتب اليمني
إلى أنه "يتم دعم هذا الفصيل لأسباب كثيرة، منها ضمان كامل الولاء.. فالسلفيون
عقائديون، وهم تيارات متناقضة فيما بينهم".
وتابع: "لكن
التيار الأكثر ولاء هو تيار المداخلة التابع للشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وهو يؤمن بولي الأمر، ويكفر بالديمقراطية، ويكفر باقي الجماعات الإسلامية بلا استثناء".
وحسب الباحث سلطان، فإنه سبق أن استخدم الرئيس الراحل صالح السلفيين، ومثله فعلت الإمارات في جنوب
اليمن، ومثلهما السعودية في شمال وجنوب اليمن.
وقال إن السلفيين "سهلي
التطويع، ويقدمون أعمالا كبيرة وسريعة، وهم تيار لا يؤمن بالمشروع الوطني ولا
بالمبادئ الوطنية التي يؤمن ويناضل من أجلها باقي اليمنيين، يكفي للفرد فقط أن
يؤمن له مصدر عيشه ويشحن وفق التوجه الذي يؤمن به بأنه يقاتل الروافض كمثال أو
الإخوان المسلمين".
وأكمل: "هذه
العقيدة تكفي لأن يقاتل حتى الموت ويقدم خدمات جليلة دون نقاش".
وأوضح الباحث السياسي
اليمني أن السعودية تقرب السلفيين، "لأنهم بلا تطلع سياسي، ولا ينظرون
للمستقبل، وهم أصلا ضد السياسة، وهذا القدر يكفي للاعتماد عليهم في اللحظات الحرجة، والتخلص منهم في أي وقت سهل جدا، ودون أي مسؤولية".
واستطرد: "كما أن
المقاتل السلفي يقاتل بلا التزامات، وكل هذه التشكيلات خارج الحكومة، وهو أمر مريح
للسعودية بشكل كبير، فهي تريد مقاتلين ينتهي وضعه بتوقيته أو تسريحه، ودون أي
مسؤولية عليه".
ووفقا للكاتب اليمني
سلطان، فإن ما تفعله السعودية يفعله الحوثي مع العناصر التي يتم تجميعها، مع فارق
أن هؤلاء منظمون وعقائديون، وأولئك يحشدهم للموت، والنتيجة واحدة عند الطرفين.
ولفت إلى أن صراع
السعودية والإمارات على هذا الفصيل، كون هذا التيار بلا أي مسؤولية قانونية أو
أخلاقية، فهم فصيل يقاتل عقائديا، ما يعني أنه جاهز للقتال ضد أعداء هذه الدول، خاصة أن عداءه واسع وكبير، فهم يكفرون كل الجماعات والتيارات بلا استثناء.
وأواخر كانون الثاني/
يناير الماضي، أصدر رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، قرارا بإنشاء وحدات
عسكرية جديدة باسم "درع الوطن"، وهي قوات تشرف عليها السعودية تدريبا
وتسليحا، في واحدة من تجليات التصدع المتزايد مع الإمارات، وفق مراقبين.
"دعم
خارجي وضعف داخلي"
من جهته، يؤكد الدكتور
أحمد الدغشي، أستاذ الفكر التربوي بجامعة صنعاء، أنه "ليس كل السلفيين سواء
ابتداء، وهذا من الحقائق التي ينبغي التأكيد عليها.. فالسلفيون سلفيات، منها السلفية
الراشدة والفاعلة والحركية والمنتمية للأمة، وهناك السلفية الماضوية المدخلية
المصنوعة مخابراتيا في بعض دول الجوار"، وفق قوله.
وقال الدغشي في حديثه
لـ"عربي21": هذه السلفية المدخلية هي التي تعمل على تمزيق الممزق وتجزئة
المجزأ، كأداة من أدوات النظام السعودي بوجه أخص، على حد قوله.
وأشار الأكاديمي
اليمني إلى أن التيار المدخلي، الذي يقول
البعض خطأ إنه السلفية الجامية، فيما أن التسمية الأخيرة مجرد غطاء وتبرير لها،
أشار إلى أن ربيع بن هادي المدخلي (مؤسس
الفصيل)، هو الأداة الأساس في صناعة ذلك، بناء على إيعاز سلطوي من الجهات الأمنية
المخابراتية ذات العلاقة في السعودية.
وأكد الدغشي على أن
الحضور الكبير لهذا الفصيل مرهون بعاملين أساسيين، أولهما "الدعم
الخارجي".
وتابع بأنه "لو
قدر لهذا الدعم أن يتوقف أو يضعف لوجدنا انعكاسه المباشر على الحالة السلفية هذه
ضعفا وضمور اً، وربما حالة موات".
أما العامل الثاني،
بحسب المتحدث ذاته، فيكمن في "مدى تعافي القوى اليمنية الفاعلة، لاسيما
الإسلامية منها، وبالأخص حزب الإصلاح".
وقال إنه لو تعافت
القوى الداخلية التي تستظل بمظلة الشرعية، بل لو تعافت الشرعية -وأنى لها أن تتعافي- إذا لم تتعاف القوى المكونة لها ومنها حزب
الإصلاح، لو جدنا أن هذا الفصيل من السلفية سيشهد حالة ضعف وربما موتا سريريا، ذلك
أن مددها من الخارج انقطع أو حتى ضعف.
وشدد على أن ذلك المدد
يشتد ويقوى بمدى الضعف الداخلي لدى القوى الحيّة في المجتمع، وفي حال تعافت الحالة
الداخلية، سنجد أن ذلك سيكون على حساب تنامي المد السلفي المدخلي.
وقال أيضا إن ذلك "عمل
أمني قبل أي شيء آخر، فهي جماعة لا تمثل فصيلا سلفيا بريئا ومستقلا عن الجهات
الأمنية والمخابراتية في المملكة السعودية"، لافتا إلى أنه "لو قدر أن
النظام السعودي حدد موقفا سلبيا من هذه الجماعة، فسنجد أنها ستضعف وتموت، كما سبق
القول".
واستطرد: عندما قررت
الرياض أن توقف الدعم للفصيل السلفي الذي كان مرتبطا بمركز دماج في 2014، أوعزت
إلى السلفيين هناك بتسليم كل شيء للحوثيين، وأبلغوا الرئيس هادي أن يبلغهم أن
العالم كله ضدهم، وأن أحدا لا يستطيع الوقوف ضد العالم، وبالتالي، عليهم التسليم
للحوثيين بكل شيء.
وقال: فاضطروا
للتسليم، وقد قاتل من قاتل منهم، وفي النهاية سلم زعيمهم يحيى الحجوري الأمر، وخرجوا من دماج في ظل ما قيل إنها مؤامرة عليهم، وهي مؤامرة بالفعل، ولكن رأس
التآمر هو من دعمهم، وربما صنع عدداً غير قليل منهم!
لكن الأهم في الأمر،
بحسب الأكاديمي الدغشي، أن السعودية تخلت عن السلفيين في دماج بعد أن حققوا الهدف
المتصل بها، فماتت هناك، وانتهت كموقع جغرافي مركزي مؤثر، وبعد ذلك انتهت في اليمن
كحضور مركزي، وتشتت وتحول أكثرها إلى هذه العناصر المستأجرة كأي شركات أمنية تدمرنا في الجنوب باسم العمالقة أو باسم فصائل
أخرى جديدة مثل هذه المسماة "قوات
درع الوطن" أو نحو ذلك من التسميات والعناوين.
ويشكل السلفيون
المدعومون من الرياض وأبوظبي العمود الفقري في عداد المقاتلين ضد الحوثي، ففيما
تستأثر المملكة بدعم آلاف السلفيين في جبهات القتال على الحدود اليمنية السعودية،
تسيطر الإمارات على جبهات محافظة الحديدة (الساحل الغربي)، ويشارك في القتال هناك
آلاف السلفيين، موزعين على نحو 20 لواء، تعرف باسم (ألوية العمالقة).
وما بات ملاحظا، فإن
الرياض تحث خطاها نحو كسب وتعزيز نفوذها السياسي وحضورها العسكري جنوب اليمن،
بعدما نجحت أبوظبي في تعزيز حضورها في المناطق الساحلية اليمنية عند خطوط الملاحة
البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب، باتجاه القرن الأفريقي.