كثيرةٌ
هي المصادر التي زودتنا بأخبار الأمم السابقة، مثل الكتب، والرسومات، والنقوش، والصحف،
ولا شك أنها خضعت لأهواء كاتبها، فبعضهم هَوّل، وبعضهم هَوّن، وبعضهم كتب
بموضوعية.
وبحكم
تطور التقنيات الحديثة انضمت الأعمال
التلفزيونية كالمسلسلات والأفلام
التاريخية بقوة
لقائمة المصادر، فأخرجت ما في بطون المصادر المكتوبة، هذبتها وأدبتها، وحولت
ساكنها لكائنات حية، تتحرك وتتحدث، تغضب وتفرح، تأكل وتشرب، تقسو وتعفو، تصحو
وتغفو، وأدخلت المثيرات البصرية والسمعية لتضمن متابعة الجمهور، وبغض النظر عن صدق
محتواها أو كذبه، فهي كغيرها من الوسائل، لم يتفق عليها الجميع، فمنا من مدحها
ومنا من قدحها، ولكل من الفريقين وجهة نظر.
وبالعودة
لعنوان المقال، فلست ممن ينفي الفائدة من المسلسلات التاريخية ولست ممن يدعو
لاعتمادها كوسيلة وحيدة لمعرفة ما كان في عصر فكرة المسلسل، فالجهة الرسمية
القائمة على إنتاج العمل لها دوافع وربما تمرر من خلال العمل فكرتها وفلسفتها، لأن
إنتاج الأعمال التاريخية ليس بالأمر السهل.
مؤخراً
وضعت ضمن خطتي للعام 2023 متابعة المسلسلات التاريخية، سواء تناولت الأمراء والشعراء
والعلماء والقادة، وبدأت بأبي الطيب المتنبي، وكان هدفي من الفكرة هو:
1-
تقوية اللغة العربية نطقاً ومعاني لأن المسلسلات التاريخية تتحدث بالفصحى.
2- معرفة
أحوال الأمم والحضارات السابقة التي تناولها المسلسل وربطها بالواقع الحالي.
3-
معرفة أنواع وأشكال الملابس والأطعمة والأواني، فلكل قوم طقوسهم الخاصة في مناحي
الحياة.
4- معرفة
مدى مصداقية الجهة المنتجة والمخرجة للمسلسل مع ما جاء عن فكرة المسلسل في بطون
الكتب.
5-
معرفة الشخصيات التي عاشت في ذات الوقت، فمثلاً عنترة بن شداد عاش في فترة الشاعر
عروة بن الورد، والخليفة هارون الرشيد عاش في ذات الفترة الزمنية التي عاشها الإمامان
الشافعي أحمد بن حنبل.
وتجسيدا
لتلك الأهداف، سأحدثكم عن مسلسل المتنبي، فمنه عرفت عنه وعن واقع زمانه ومكانه،
كان المتنبي شاعراً مميزاً، حارب بشعره وسيفه، وكان يسعى لوحدة العرب (عروبي)،
وهذا ظهر جلياً في مدحه ودعمه وقتاله في صفوف جيش سيف الدولة الحمداني. وكان جبار
خواطر، لكنه كان عنيفا "وفش عنده لحية ممشطة"، فكان يمدح الحاكم أول
الأمر ثم لو رأى منه ما لا يعجبه "قدحه قصيدة هجاء فخمة".
أظهر
المسلسل كم كان الأمراء والخلفاء مهوسين بالنساء والخمور وبالشعراء ليُسمعوهم ويُغرقوهم
في قصائد مديح، ثم يهبونهم عطايا مالية وامتيازات، علمت أن من يأكل بشعره قد يذهب
ماء وجهه، فكما أن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها، على الشاعر ألا يأكل بشعره، فلا
يمدح طمعا بمالٍ أو ملك، وإن كان لا بد من مدح، فبدون مبالغة.
علمت
أن حب السلطة والتفرد بالحكم، والخيانة والتخاذل والمكائد ليست وليدة العصر
الحديث، وأن أكثر الخيانات قادمة من وزير الجيش، والبطانة الفاسدة موجودة بكل زمان
ومكان، وأن ما يعجل بزوال الأمم البذخ والظلم.
وهنا
أنصحكم:
1- البدء
بالأعمال الأقدم فالأحدث، لمعرفة التطور الإنساني في مناحي الحياة.
2- عدم
اعتماد ما جاء في العمل فقط، بل أبحث في أمهات الكتب وقارن ما جاء فيها وما جاء في
العمل.
3- لو
كان العمل يتحدث عن شاعر، فجميل لو تقرأ ديوانه فترة متابعة المسلسل، أو عن قائد
أو داعية، فالقراءة عنها أمر مهم يعزز الفكرة، أو يصوبها.
تلك
كانت بعض الفوائد التي أراها في متابعة المسلسلات التاريخية، فتابعوها.