خلّف
الزلزال المدمر في
تركيا، وسوريا، آلاف القصص المأساوية، لأشخاص فقدوا أسرهم، ومنازلهم، خلال دقائق معدودة.
وبحسب ما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن أكثر من 211 ألف وحدة سكنية، لم تعد صالحة للسكن، مشيرا إلى أن الزلزال جاء بولايات يسكنها أكثر من 13 مليون نسمة، نسبة منهم تم إجلاؤهم إلى خارج الولايات العشر المتضررة.
وتسبب الزلزال المدمر الذي صنفته منظمة الصحة العالمية، بأنه أكبر كارثة طبيعية خلال القرن، بأزمات تحتاج جهدا جماعيا لحلها، ومن ضمنها العلاج النفسي للمتضررين.
"عربي21" حاورت المعالج والأخصائي السوري في الطب النفسي، محمد السيد، حول الآثار المترتبة على متضرري الزلزال، وسبل التعامل معهم في المرحلة الحالية.
مسؤولية حكومية
قال الأخصائي السيد، إنه عقب حدوث كارثة بهذا الحجم، يكون هناك جهة مركزية مسؤولة عن تنسيق وتوحيد الجهود، وتوجيه الموارد المتاحة من أجل التعامل مع الحدث، والتي من بينها توفير كوادر صحة نفسية.
ولفت السيد إلى أن هذا الأمر قد يتعذر في المناطق المتضررة من الزلزال بسوريا، بسبب الأوضاع التي خلفتها الحرب، وعدم وجود قوة مركزية واحدة يمكنها توفير الكوادر التي تقدم العلاج النفسي الأولي للمتضررين.
وأشار إلى أن عدم وجود كوادر صحة نفسية من قبل الحكومة، يلزم الأفراد، والجمعيات التطوعية بمحاولة سد هذه الثغرة، وتوفير الدعم المعنوي اللازم للمتضررين.
ولفت محمد السيد إلى خطورة تجاهل ضرورة أن يتم الوقوف على حالات المتضررين من الزلزال.
وكانت منظمة الصحة العالمية، قالت في
تقرير سابق لها، إن واحدا من بين كل خمسة متضررين بسبب الحروب، أو الكوارث، يصاب بأمراض نفسية، منها الاكتئاب، واضطراب ثنائي القطب.
الإسعاف الأولي
قال الأخصائي محمد السيد، إن الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولى، تتطلب ما يعرف بـ"الإسعاف النفسي الأولي" للمتضررين، والذي يتضمن أيضا توفير احتياجات الغذاء، والدواء، والتدفئة، وهي عوامل تؤثر على نفسية المصابين، أو من فقدوا ذويهم، أو منازلهم.
وأضاف أنه من الضروري عند التعامل مع المتضررين من الزلزال، توفير المعلومات المتعلقة بمصير ذويهم، وحالتهم الصحية، في إشارة إلى عدم جدوى إخفاء معلومات عنهم.
وشدد السيد على ضرورة إتاحة المساحة الكافية للناجين المتضررين من الزلزل، من أجل التعبير عن مشاعرهم، وتقبل انفعالاتهم، وعدم محاسبتهم، أو إصدار أحكام متسرعة على حالتهم النفسية.
وأضاف "قد يصدر منهم عبارات خاطئة، وغير منطقية، لكن ليس هذا الوقت المناسب لكي نصحح لهم"، متابعا بأن أسلوب المتضررين نفسيا سيتغير مع مرور الأيام، وهو ما يتوجب تغيير طريقة علاجهم.
الأطفال أكثر مرونة
بحسب المعالج النفسي محمد السيد، فإن الأطفال أكثر مرونة من البالغين والكبار في السن، بالتعاطي مع العلاج النفسي، لكنهم ليسوا بالضرورة أكثر استجابة للعلاج.
وأشار إلى أن أهم ما يجب توفيره للأطفال بعد هذه الكارثة، تأمين الاحتياجات الجسدية لهم، من طعام، وألعاب، ومكان نوم مناسب.
وتابع بأن تأثر الأطفال من الزلزال، وشعورهم بالقلق، بالغالب لن يستطيعوا التعبير عنه شفويا، وقد يظهر ذلك من خلال أمور مختلفة، منها فرط النشاط، وأسلوب اللعب قد يحتوي على صراخ، وأيضا قد يعانون من مشاكل في النوم.
ولفت إلى أنه من الضروري التركيز عند التعامل مع الأطفال المتضررين من الزلزال، على التواصل الجسدي من خلال احتضانهم، وتقديم المعلومات اللازمة لهم، وأيضا عدم رفع الصوت أمامهم، إضافة إلى عدم طلب مهمات مرهقة لذهنهم، مفضلا ألا يتم إشغالهم بالدراسة، أو حفظ القرآن بعد الأيام الأولى من الكارثة، لكون هذه الأمور تتطلب جهدا منهم وهم في حالة حزن وتشتت.
وأشار إلى أن طريقة تقديم المعلومات حول فقدان الأهل، مثل الوالدين، يجب ألا تصحبها تبريرات، مثل أن الله توفاهم لأنه يحبهم، وهو ما قد يولد لدى الطفل مشاعر سلبية، منها أن الله لا يحبه هو.
التفهّم مطلوب
قال الأخصائي محمد السيد، إن تفهم حزن الأطفال على أمور قد تكون غير مهمة مقارنة بحجم الكارثة، أمر ضروري.
وأضاف أن نسبة من الأطفال المتضررين من الكارثة، قد يكون حزنهم على فقدان إحدى ألعابهم جراء الزلزال، يوازي حزن الكبار على فقدان ذويهم، أو منازلهم، وبالتالي يجب تفهم ما يشعر به الطفل.
ولفت إلى ضرورة توفير مساحة لكي يعبر فيها الطفل عن تجربته بالزلزال، من خلال الرسم، أو اللعب، أو التحدث مع الآخرين.
وقال الأخصائي السوري إنه من الأفضل أن يتم تقليل تعرض الأطفال لوسائل الإعلام التي تنقل كارثة الزلزال بشكل مستمر، مضيفا أن مشاهد انتشال الضحايا من تحت أنقاض المنازل المدمرة ستؤثر على نفسية الطفل.
وتابع بأنه يجب التركيز على أهمية محاولة توفير أجواء مشابهة لنمط الحياة الذي كان يعيشه الطفل قبل الزلزال، من حيث المحافظة على مواعيد الطعام، والنوم، وما إذا كان يصاحبهما طقوس معينة في تلك الأوقات.
صدمة المنقذين والمتابعين
قال الأخصائي السيد لـ"عربي21"، إن الصدمة النفسية قد تلحق بفرق الإغاثة والإنقاذ، وأيضا بالمتابعين خلف الشاشات، ممن شاهدوا حجم الدمار، والقصص المآساوية للعوائل السورية والتركية.
وأضاف أنه في علم النفس، تتم تسمية هذه الحالة بالصدمة الثانوية، وهي صدمة حقيقية، يتعرض لها شخص لم يتأذ بشكل مباشر من الكارثة، ولكنه يصاب بهذه الصدمة عبر مشاهدته للكارثة.
وتابع بأن علاج الصدمة الثانوية التي قد يعاني منها نسبة من المنقذين، أو من تابعوا الزلزال عبر وسائل الإعلام، يتم علاجها بنفس طرق علاج من تضرر بشكل مباشر من الكارثة.
ونوه السيد إلى أن المشاعر السلبية، والاكتئاب الذي يشعر به الكثيرون اليوم بعد الزلزال، ليس بالضرورة أن يكون صدمة نفسية، مضيفا أنه حتى المتضررين من الزلزال قد لا يتم تشخيصهم بالإصابة بالصدمة النفسية.
وأشار إلى أن نسبة التعافي التلقائي من الصدمة النفسية عادة مرتفع جدا، مضيفا أن أكثر من 60 بالمئة ممن يصابون بصدمات، يتعافون منها بدون علاج مستدام، أي بالدعم والإسعاف النفسي، والاجتماعي.
وأضاف أن أول خمسة أيام، أو أسبوع بعد الكارثة، من الطبيعي أن يشعر الجميع بالصدمة، لكن في حال تجاوز مدة الشهر، فحينها قد يضطر من لم يتعاف من صدمته إلى التوجه لأخصائي لتشخيص حالته، والتي قد تكون (اضطراب ما بعد الصدمة أو الكرب (PTSD).