نشرت مجلة "
فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا تحدثت فيه عن الحرب الطاحنة التي يشنّها رئيس وزراء
الهند ناريندرا مودي ضد السينما الهندية "
بوليوود"، والتي يبدو أنه يخسرها.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الممثل الهندي
شاروخان لعب دور البطولة في فيلم بعنوان "اسمي خان" والذي كان ينتقد الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة في فترة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وفي الفيلم، يذهب خان في رحلة إلى الولايات المتحدة للقاء الرئيس الأمريكي ويخبره أن اعتناقه الدين الإسلامي لا يعني أنه إرهابي، ولكنه في الحياة الواقعية، كان مستهدفًا في وطنه بسبب دينه.
وذكرت المجلة أنه بعد سنة من تولي ناريندرا مودي رئاسة وزراء الهند في سنة 2014؛ قال شاروخان إن التعصب "سيأخذ البلاد إلى العصور المظلمة". وبعد يومين، قال زعيم بارز في حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم وأحد مساعدي مودي، يوغي أديتياناث، إن شاروخان كان يتحدث بلغة الإرهابيين وساوى بينه وبين العقل المدبر لهجمات مومباي الإرهابية سنة 2008.
وهدد أديتياناث شاروخان، قائلًا إن مسيرته ستنهار إذا قاطعت "كتلة ضخمة" من الهنود أفلامه، في إشارة ضمنية إلى الهندوس. ومنذ ذلك الحين؛ هاجمت جماعات سياسية هامشية مرتبطة بحزب بهاراتيا جاناتا، وحتى بعض قادة حزب بهاراتيا جاناتا؛ شاروخان بشكل متكرر.
وأوضحت المجلة أن الهجوم الأخير بدأ عندما تم عرض المقطع الدعائي لأحدث أفلام شاروخان، والذي اسمه "باتان"، الشهر الماضي. وأعرب القوميون الهندوس من حزب بهاراتيا جاناتا وأنصار الحزب عن ثلاثة اعتراضات رئيسية عليه؛ أولًا أنه لا يجوز للممثلة ديبيكا بادوكون أن ترتدي بيكيني ملون بالزعفران في أغنية بعنوان "بشارام رانج" لأن الزعفران لون مقدس في الهندوسية، وثانيًا أن البيكيني كان قصيرًا جدًا لدرجة أن الشرطة الثقافية لليمين المتطرف لم توافق عليه. وثالثًا - وهو ربما الأكثر دلالة - أنهم قاموا بتشويه سمعة شاروخان بسبب لياقته البدنية العالية رغم بلوغه سن الـ57.
واعتبرت المجلة أن كل هذه التهم كانت سخيفة وأن الهجوم لم يكن منطقيًا، لكنه مع ذلك كان شرسًا؛ حيث قال هارتوش سينغ بال، المحرر السياسي لصحيفة "كارافان"، لمجلة "فورين بوليسي" في مقابلة هاتفية، إنه "لو كانت ديبيكا ترتدي بيكيني من الزعفران أمام ممثل هندوسي، لما كان هناك جدل. ولكن كل هذا لأن شاروخان مسلم".
وحسب المجلة؛ يعتقد الكثير من الناس أن الحملة الخبيثة لتشويه سمعة شاروخان تنبثق من جهود القوميين الهندوس الأوسع لإذلال الأقليات لقبول وضعهم الثانوي في بلد يريدون المطالبة به لأنفسهم، فقد كانت هناك دعوات متكررة من قبل حزب بهاراتيا جاناتا لتحويل الهند إلى دولة ثيوقراطية. وكجزء من هذا العرض؛ يأملون في السيطرة على بوليوود نفسها كأكبر قوة ثقافية في البلاد وأكبر مؤثر.
وبينت المجلة أنه في أعقاب انتشار حملة #قاطعوا_باتان على "تويتر"، سرعان ما تبعتها حملة #قاطعوا_بوليوود، وكانت هناك العديد من التغريدات التي تدعو المخرجين إلى تغيير السيناريوهات وإطاعة الأوامر؛ أو المخاطرة بمقاطعة كاملة، رغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها بوليوود للهجوم.
وفق المجلة؛ فقد اكتشف العلماء الذين درسوا هذا الاتجاه بين فترة الأول من آب/ أغسطس و12 أيلول/ سبتمبر الآلاف من الحسابات الوهمية التي تم إنشاؤها خلال هذه الأشهر والتي تنشر فقط تغريدات تحمل وسم #قاطعوا_بوليوود. وأوضح جويوجيت بال، الأستاذ المساعد في جامعة ميشيغان التي أجرت الدراسة، أن أكثر من 300 حساب قام بتغريد أكثر من 1000 تغريدة على بوليوود على مدار شهر ونصف تقريبًا، "مما يشير إلى سلوك منظم"، كما تم اكتشاف أن صغار السياسيين من حزب بهاراتيا جاناتا والشركات التابعة له يتحكمون في المحتوى.
وقالت المجلة إن الغضب على منصات التواصل الاجتماعي كان مصطنعًا إلى حد كبير، لكن من الصعب تحديد عدد الهنود الذين يؤيدون حقًا هذه المشاعر. وكشف تحقيق أجراه الموقع الإخباري "ذا واير" أن العديد من القصص الإخبارية التي تشوه سمعة شاروخان ودعت إلى مقاطعة فيلم "باتان" تعكس آراء الثوار السياسيين وليس المحتجين الحقيقيين. وفي غضون ذلك؛ حقق فيلم "باتان" إيرادات هائلة في شباك التذاكر، وهو دليل على الرفض المدوي للدعوات لمقاطعة أفلام خان وبوليوود بشكل عام.
وتابعت المجلة قائلة إن المعجبين احتشدوا في دور السينما في مدن عبر الهند وفي العروض في الخارج لمشاهدة عودة شاروخان إلى الشاشة بعد غياب دام أربع سنوات، ولم يقوّض الجدل الذي أثير حوله الحماس العام لفيلمه؛ بما في ذلك الأكاذيب الصريحة حول تبرعه بملايين الدولارات لباكستان.
وأشارت المجلة إلى أن الهنود - من مختلف الأديان - بدوا فخورين بأن بوليوود يمكن أن تنتج نسختها الخاصة من "المهمة المستحيلة" وكانوا حريصين على الإشادة بأداء خان المثير، كما سارع الهنود في الخارج - الذين يمكن القول إنهم من أكبر المؤمنين بالقومية الهندوسية - إلى مشاهدة العرض الأول للفيلم في كل من الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا. ويقال إن الفيلم حطم الأرقام القياسية في شباك التذاكر في الهند، حيث حقق إيرادات بقيمة 10 ملايين دولار في أول 16 يومًا منذ إصداره.
في المقابل؛ قال محللون سياسيون لمجلة "فورين بوليسي" إن نجاح فيلم "باتان" لا يشير إلى تغيير المواقف في دولة لا تزال تحت سيطرة مودي والأجندة السياسية الأوسع لحزب بهاراتيا جاناتا؛ حيث نوه بال إلى أن "الفيلم أظهر أن القوميين الهندوس لا يزالون غير قادرين على محو جاذبية أحد المشاهير المسلمين. لكن هذا لا يعني أن المزاج العام السائد في البلاد قد تغيّر".
وختمت المجلة التقرير بأن الصحافة الهندية ذكرت - الأسبوع الماضي - أن مودي دعا وزراءه إلى الامتناع عن الإدلاء بتصريحات غير ضرورية تلقي بظلالها على العمل التنموي للحكومة. وقال المخرج أنوراغ كاشياب إن هذه الرسالة جاءت متأخرة للغاية لكبح جماح العصابات، مشيرا إلى أن "الأمور قد خرجت عن السيطرة حاليًا؛ فعندما تلتزم الصمت، فإنك بذلك تعزز التحيز والكراهية. لقد تم تمكين هذه العصابات الآن لدرجة أنها أصبحت قوة في حد ذاتها. أصبحت العصابات خارج نطاق السيطرة الآن".