أقر محمد حمدان دقلو (
حميدتي) نائب رئيس مجلس
السيادة الانتقالي في
السودان، في خطاب له ألقاه الأحد، بأن المشاركة في انقلاب 25
تشرين أول/ أكتوبر 2021 كانت خطأ، حيث ساهم الانقلاب في عودة نظام عمر البشير
الذي وصفه بالنظام البائد.
وأكد أنه رأى ضرورة ووجوب مشاركته في
ثورة 19 كانون الأول/ ديسمبر 2019، حيث شارك جموع الشباب رغبتهم في التغير، وأنه
اجتهد وحاول، وقد "أصبت أحيانا وأخطأت أحيانا أخرى، وأهم خطأ كان هو المشاركة في
الانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك".
وشدد على "ضرورة إنهاء العملية السياسية
والتوصل إلى حل سياسي نهائي بصورة عاجلة، ما يفضي إلى تشكيل سلطة مدنية انتقالية، وعودة
الجيش لثكناته"، مؤكدا أن "الاتفاق السياسي الإطاري هو مخرج بلادنا من
الأزمة الراهنة، وأنه هو الأساس الوحيد للحل السياسي المنصف والعادل".
توتر سياسي لا عسكري
بالمقابل سبق تصريحات "حميدتي" تصريحات لافتة
ومثيرة للجدل لرئيس مجلس السيادة عبد الفتاح
البرهان، ربط فيها بين دمج قوات الدعم
السريع بالجيش وبين تقدم تنفيذ الاتفاق الإطاري.
وقال البرهان أمام حشد جماهيري الخميس، إن
"القيادة العسكرية في القوات المسلحة تدعم الاتفاق الإطاري عن قناعة"، وأضاف: "قبلناه لأن فيه بندا مهما جدا يهمنا كعسكريين، وهو دمج قوات الدعم
السريع في القوات المسلحة، هذا هو الفيصل بيننا وبين الحل الجاري الآن".
وفي ما يبدو أنه رد على حديث البرهان عن ضرورة
دمج قوات الدعم السريع بالقوات المسلحة السودانية، قال حميدتي في خطابه الذي ألقاه
الأحد، إن "قوات الدعم السريع نشأت لتساند وتساعد القوات المسلحة، وإن
قانونها ينص على أنها جزء منها".
وأكد أنه "لن يتم السماح لعناصر النظام
البائد بالوقيعة بين القوات المسلحة السودانية والدعم السريع"، وقال:
"أقول لهم إنهم لن يستطيعوا بلوغ ذلك أبداً، إننا في قوات الدعم السريع
ملتزمون بما ورد في الاتفاق الإطاري بخصوص مبدأ الجيش الواحد ودمج قوات الدعم
السريع في القوات المسلحة وفق جداول زمنية يتفق عليها".
واعتبر محللون سودانيون تحدثت معهم
"عربي21"، أن خطاب حميدتي يؤكد وجود ما وصفوه بالخلاف بينه وبين
البرهان، وأن كليهما يسعيان للسيطرة على الأمور، ولهذا تزداد التوترات بينهما.
من جهته أكد المحلل السياسي السوداني عثمان
الميرغني، أن "هناك توترات بين رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه
الأول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، وينعكس ذلك على الخطاب العام لكليهما".
وأوضح الميرغني خلال حديثه لـ"عربي21"،
أن "هناك ما يشبه المواجهة الإعلامية بين الاثنين، ودائما ما يتم اختيار
تجمعات عسكرية أو مجتمعية من كليهما لتوجيه خطاب يبدو عاما ولكنه في الواقع موجه
للطرف الآخر، يدور معظمه عن
خلافات حول تقييم الفترة الماضية من الأزمة السياسية
السودانية وأفق الخروج منها".
ولفت إلى أن "التباين في الرؤى بين
الرجلين أصبح أمرا واضحا، حيث يرى البرهان ضرورة التمهل قليلا ومحاولة عدم الوصول
إلى المحطة النهائية للاتفاق الإطاري حتى يستكمل جمع بقية القوى السياسية حوله،
بينما حميدتي يركز على المضي قدما في الاتفاق الإطاري مع المجموعة التي ابتدرته
وهي قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي".
وحول احتمالية تحول هذا الخلاف بينهما إلى صدام
مسلح قال الميرغني: "لا أتوقع أن يصل الخلاف بينهما إلى مرحلة التوترات
العسكرية المباشرة، لأن هناك كثيرا من الظروف الأخرى التي تحول دون حدوث ذلك،
أهمها أن كلا الرجلين ليس لديهما القدرة على إدارة مثل هذا الصراع على مستوى
القوات التي تتبع لهما".
وأوضح أن "الكثير من الأطراف قد تتدخل في
الصراع داخليا وخارجيا وإقليميا، وبالتالي فإن كل هذا يشكل نوعا من الضمانات لأن لا يصل
التوتر السياسي بينهما إلى مرحلة الصدام العسكري حتى لو كان هناك فعلا ما يشبه
الخطاب العدائي بينها".
معركة مستمرة
الحقوقي والصحفي، فيصل الباقر، يعتقد أن
"التصريحات المتبادلة بين البرهان وحميدتي والمعركة بينهما سوف تستمر، ولكنهما على كل حال غير صادقين في ما يقولانه، ولذلك فالشارع بشكل عام لا يأبه لما
يقولانه".
وأكد الباقر خلال حديثه لـ"عربي21"،
أن "العلاقة بين رئيس مجلس السيادة ونائبه سيئة، وكلاهما يحاول الاستقواء
بطرف من أطراف النزاع السياسي لمصلحته الشخصية".
وأشار إلى أن "الاثنين انتهكا كثيرا حقوق
الإنسان وارتكبا جرائم ضد الإنسانية، لذلك فكل ما يقولانه هو محاولة للإفلات من
المحاسبة والعقاب على الجرائم التي ارتكباها في دارفور وغيرها من المناطق
السودانية، وهذا ما يرفضه الشارع السوداني وكل عاقل".
خلاف ثنائي ليس شعبيا
وفي ظل الخطاب المتبادل بين رئيس مجلس السيادة
ونائبه وتوجيه رسائل مبطنة من كليهما للآخر، وتأكيدهما على ضرورة تنفيذ الاتفاق
الإطاري، يبقى السؤال: ما تأثير الخلاف بينهما على الاتفاق والوضع السياسي السوداني
بشكل عام؟
الصحفي فصل الباقر يرى أن "ما يجري بينهما
هو خلاف وصراع داخلي بين انقلابين ولا علاقة للشعب به، كذلك خلافهما وأحاديثهما
ليست لمصلحة الوطن، لأنهما يتصارعان لمصلحتهم الشخصية وأجندتهما الخاصة بهما".
وأوضح أن "الاتفاق الإطاري والعملية
السياسية الجارية الآن، لن يحل الأزمة السياسية ولا المشكلة الأساسية، وهي تحقيق
العدالة والإنصاف وتعويض الضحايا، وما يحدث الآن هو مجرّد نزاع بين مجموعات حول
تقاسم السلطة، أو بعبارة أكثر دقّة الاستئثار بالسلطة، لمجموعة ضد مجموعة أخرى،
بعيداً عن رغبات الشارع السوداني".
المسمار الأخير
المحلل السياسي والكاتب الصحفي السوداني ياسر
محجوب الحسين، يعتقد أن "حميدتي بموقفه الأخير قد دق آخر مسمار في نعش ما عُرف
بالاتفاق السياسي الإطاري، وجعل من نفسه أداة في يد أحد أطرافه، والذي يستخدمه
لفرض مفهومه وتفسيره لهذا الاتفاق القائم على الاستئثار بالسلطة وعزل الآخرين
وتجيير الفترة الانتقالية لصالحه".
وأوضح محجوب خلال حديثه لـ"عربي21"،
أن "حميدتي لمح إلى ضعف البرهان واتهم كذلك الأجهزة الأمنية بالتواطؤ مع
العصابات التي تنهب وتعتدي على المواطنين".
وتابع: "الخلاف بين الرجلين واضح وهو خلاف
كذلك بين الجيش والدعم السريع وهنا مكمن الخطر، فحتى لو ذهبا فإن الخطر سيظل قائما
ما لم تندمج قوات الدعم السريع في الجيش تحت قيادة واحدة، أما الصدام العسكري وارد
جدا ولو بشكل محدود طالما ظل هذا الخلاف محتدما".
حرب محتملة
بدوره أشار المحلل السياسي نزار عبد العزيز إلى
أن "التراشق المتبادل على المستوى السياسي والعسكري من الممكن أن يؤثر بشكل
خطير على الوضع العام الملتهب أصلا، ويمكن أن تتحول الحرب الكلامية لحرب عسكرية لا
نعرف كيف ومتى تنتهي، بل ربما أصبحت المواجهة حتمية ولا مفر منها".
وأوضح عبد العزيز خلال حديثه
لـ"عربي21"، أن "علاقة البرهان وحميدتي قامت على المصالح المشتركة
بينهما، لكن حميدتي شعر بالخطر خاصة بعد الانقلاب وأن الإسلاميين كانوا وراءه وعلم
البرهان بذلك رغم نفيه المتكرر".
وحول الخلاف بين الاثنين والتأثير على الاتفاق
الإطاري قال عبد العزيز، إن "الاتفاق تدعمه جهات الدولية، ولكن هل يحقق
المراد منه وهو قيام الدولة المدنية الديمقراطية وخروج العسكر نهائيًا من السياسة؟".
وتابع: "بالتأكيد هناك تباينات وتحفظات
ورفض أيضا بين مختلف الأطراف والقوى السياسية والشعبية لهذا الاتفاق، لأنها لا تثق
بالعسكر وقوى الثورة المضادة التي لا تريد للثورة أن تكتمل، وأعتقد أن قائد الدعم
السريع يرى في الاتفاق الإطاري مخرجا له من تداعيات كثيرة تهدد مصالحه خاصة مع
الولايات المتحدة الأمريكية".
الخلاف قد يطيل الأزمة السياسية
المحلل السياسي عثمان الميرغني يرى أن
"التباين بين الطرفين في الموقف حول ترتيبات الاتفاق الإطاري، شكل علامة
فارقة بينهما واختلافا كبيرا في الخطاب والمنهج الذي تُدار به الأزمة السياسية من
قبلهما رغم انتمائهما إلى مؤسسة واحدة وهي المؤسسة العسكرية".
وأكد أن "هذا الأمر قد ينعكس على الحلول
المطروحة في الساحة، لأن مساندة كل واحد منهما مجموعة سياسية محددة قد يؤدي إلى
تعميق الأزمة السياسية السودانية وإطالة فترة الخلافات بين المكونات السياسية
السودانية، خاصة أن هذه القوى تعول وتعتمد وأحيانا تحاول استثمار أحد طرفي المكون
العسكري في مواجهة القوى الأخرى وكل ذلك قد يؤدي إلى إطالة عمر الأزمة السياسية
السودانية".