قضايا وآراء

موندياليتو المغرب اسم على مسمى

جيتي
انتهى الأسبوع الماضي مونديال الأندية لكرة القدم الذي ينظمه سنوياً الاتحاد الدولي للعبة "فيفا" لأبطال القارات، واستضافه المغرب لأسبوعين تقريباً. بدا الموندياليتو اسماً على مسمى بالمعنى الدقيق للكلمة، أي مونديال مصغّر من كل الأحوال والنواحي، بحيث رأينا ولو بشكل مختصر ومصغّر أشياء محببة من تلك التي رأيناها وتابعناها بشغف في مونديال المنتخبات الكبير بقطر قبل شهرين.

إذن، استضاف المغرب لأسبوعين تقريباً مونديال الأندية الذي ضمّ أبطال القارات الستّة إضافة إلى ممثل البلد المضيف. كانت الأجواء التنظيمية رائعة على كل المستويات، تحديداً فيما يخص المرافق والملاعب، والإقامة وتنقلات الفرق المشاركة وجماهيرها ما بين المدن والحواضر المغربية، وكرست قدرة المغرب على احتضان بطولات ومنافسات كبرى، علماً أنه مرشح لاستضافة نسخة أخرى من المونديال الصغير (2024) مع كأس أمم أفريقيا للكبار "كان" في العام 2025.

منهجياً، أكد الموندياليتو الصغير كما شقيقه الكبير قدرتنا كعرب على النجاح وتنظيم بطولات دولية هامة بشكل دقيق ولافت، خاصة أن الدورات السابقة له خلال الأعوام الثلاثة الماضية نظمت أيضاً بشكل رائع في الدوحة وأبو ظبي.

أكد الموندياليتو الصغير كما شقيقه الكبير قدرتنا كعرب على النجاح وتنظيم بطولات دولية هامة بشكل دقيق ولافت، خاصة أن الدورات السابقة له خلال الأعوام الثلاثة الماضية نظمت أيضاً بشكل رائع في الدوحة وأبو ظبي

كانت الثقافة أو للدقة معالم الحضارة العربية الإسلامية حاضرة أيضاً في الموندياليتو بشكل لافت، حيث جرت مباريات المونديال الصغير في مدينتي الرباط وطنجة التي احتضنت معظم مباريات الأهلي، بينما سمّي ملعبها على اسم الرحالة ابن بطوطة حيث لا تذكير بحضارتنا وثقافتنا وتاريخنا أفضل من ذلك.

مدينة طنجة نفسها ملتقى البحر المتوسط والمحيط الأطلسي والمطلة على تاريخنا وثقافتنا مع الأجواء الأندلسية الحاضرة في المدينة، كما في حواضر المغرب الأخرى، والتي كان التنقل بينها سلساً، وساعد من جهة أخرى على اكتشاف الضيوف والزوار للبلاد وطبيعتها الساحرة.

إلى ذلك، رأينا الأزياء الشعبية اللافتة والمبهجة بالمدرجات ومحيط الملاعب، علماً أن الثقافة المغربية ضاربة بجذورها عميقاً في تاريخ البلاد العربي الاسلامي، كما رأينا المشهد نفسه في فنادق ونُزل الإقامة، بينما جاءت دخلة جمهور الوداد بمباراة الهلال مبهرة ومعبرة جداً بعنوانها العبقري "بلا حدود بلا خوف".

وليس بعيداً عن الثقافة بل في صلبها حضر المطبخ المغربي المتنوّع والغني والشهي، والمعبّر أيضاً عن تمازح الحضارات والثقافات عبر التاريخ.

عشنا بالموندياليتو أيضاً تواصل الحضارات كما شهدناه أثناء المونديال الكبير ولو بشكل مصغر، بحضور آلاف من مشجعي الأندية المشاركة، من نيوزيلندا وحتى أمريكا التي شارك ممثلها لأول مرة كبطل لمجموعة الكونكاكاف وأمريكا الوسطى والشمالية، لكن مع تغطية إعلامية دولية مكثفة نقلت الحدث إلى مختلف قارات العالم، خاصة مع وجود أسماء كبيرة مثل العملاقين الإسباني ريال مدريد والبرازيلي فلامنجو؛ أعرق أندية البلاد وأمريكا اللاتينية وأكثرها شهرة وجماهيرية.

إلى الثقافة وتواصل الحضارات، تجلت الوحدة العربية أيضاً في احتضان ودعم ممثلي العرب، الأهلي والهلال السعودي، ورغم خروج الوداد (ممثل المغرب) المبكر أمام الهلال نفسه، إلا أن هذا لم يؤثر على دعم الجماهير المغربية للفرق العربية الأخرى، خاصة الأهلي الذي تم التعامل معه لعوامل تاريخية وعاطفية (عرّاب فكرة تأسيسه هو المغربي عمر لطفي، بينما تمت تسمية الوداد تيمنا بالفيلم الشهير للسيدة أم كلثوم) باعتباره ممثل المغرب أيضاً، مع استضافة دافئة جداً وأخوية وحميمة في مدينة طنجة، وتعاطي أهلها بما في ذلك موظفو فندق الإقامة كالأسرة الواحدة مع بعثة الأهلي حيث كانت الاستضافة مثالية.

ثمة أشياء كانت حاضرة في المونديال الكبير في قطر ولكنها غابت للأسف عن النسخة المصغرة، حيث لم نشهد مظاهر وتجليات سياسية نتيجة الأجواء الاستبدادية ولو الناعمة في البلاد، علماً أن نيل شرف استضافة المونديال الصغير جرى في الدوحة على هامش فعاليات نظيره الكبير، بعد الحضور الرائع لمنتخب المغرب

شهدنا كذلك دعما مغربيا "أمميا" مفهوماً لريـال مدريد، ورغم تعرض بعض نجومه للعنصرية في إسبانيا وأوروبا، إلا أنه لاقى كل الترحيب والاحتفاء والاحترام في المغرب العربي الإسلامي.

إذاً جاء الموندياليتو بحق اسماً على مسمى، لكن ثمة أشياء كانت حاضرة في المونديال الكبير في قطر ولكنها غابت للأسف عن النسخة المصغرة، حيث لم نشهد مظاهر وتجليات سياسية نتيجة الأجواء الاستبدادية ولو الناعمة في البلاد، علماً أن نيل شرف استضافة المونديال الصغير جرى في الدوحة على هامش فعاليات نظيره الكبير، بعد الحضور الرائع لمنتخب المغرب والوصول إلى نصف النهائي، وتعاطي الجمهور العربي معه بصفته ممثل لنا جميعاً.

السياسة غابت، وللدقة مساحة التعبير عن المزاج العام للجمهور المغربي، لعدة أسباب منها الحيز الضيق للموندياليتو الصغير زمنياً ومكانياً، وقبضة النظام الأمنية، ولم تحضر قضايانا الكبرى المتمثلة بفلسطين والثورات العربية الأصيلة ورفض التطبيع مع الدولة العبرية، رغم عدم وجود قنوات أو مواطنين إسرائيليين بشكل بارز، لكن لم نرَ تعبيرا عنها من قبل الجمهور الحاضر في المدرجات، رغم حضور العلم الفلسطيني في احتفالات وانتصارات منتخب المغرب في المونديال الكبير في الملاعب ومحيطها وقطر بشكل عام.

هذا يعود أساساً إلى قبضة النظام الأمنية وتطبيعه مع إسرائيل وقمع الفعاليات الشعبية والجماهيرية المعارضة له، مع ذلك لا بد من التأكيد على حقيقة تجذر فلسطين وقضيتها في الوعي الجمعي للمغرب الذي يملك روابط تاريخية معها تمتد لأكثر من ألف عام؛ مع تسمية حارة في القدس على اسمه كما باب إلى المسجد الأقصى المبارك.

قدرات المغرب كبيرة ومتعددة الأشكال والمستويات، تاريخية وحضارية واقتصادية واجتماعية، غير أن الاستبداد والفساد ولو كان ناعماً منعه الاستفادة من قدرات وطاقات البلاد الهائلة، مع تساؤل منطقي عن أسباب عدم نيل شرف استضافة المونديال الكبير حتى الآن إثر فشله في نيلها للمرة الأولى في العام 2010 أمام جنوب أفريقيا، المدنية الديمقراطية لكل مواطنيها، ثم للمرة الثانية أمام ملف أمريكا وكندا والمكسيك المشترك لتنظيم المونديال القادم 2026، بعدما صوّتت للأسف دول عربية وازنة ضد الملف المغربي.

خلافات أنظمة الاستبداد العربية حالت وتحول دون تقديم ملف مشترك للمونديال القادم 2030، حيث تتنافس إلى الآن ملفات ثلاثية ورباعية أيضاً، يجمع أحدها إسبانيا والبرتغال وأوكرانيا في مواجهة ملف لاتيني رباعي يضم أورجواي وباراجواي والأرجنتين وتشيلي

خلافات أنظمة الاستبداد العربية حالت وتحول دون تقديم ملف مشترك للمونديال القادم 2030، حيث تتنافس إلى الآن ملفات ثلاثية ورباعية أيضاً، يجمع أحدها إسبانيا والبرتغال وأوكرانيا في مواجهة ملف لاتيني رباعي يضم أورجواي وباراجواي والأرجنتين وتشيلي.

للأسف ثمة حديث عن ملف ثلاثي آخر ولكن ليس عربياً خالصاً؛ يجمع السعودية مع اليونان ومصر، بينما في الوضع الطبيعي يجب أن ينال المغرب ودول أفريقية أخرى شرف التنظيم مرة أخرى بعد عقدين على استضافة جنوب القارة السمراء اللافت أيضاً للمونديال الكبير.

في النهاية، باختصار وتركيز، شهدنا في المغرب موندياليتو بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكن كي يتحوّل إلى مونديال كبير نحتاج إلى تحوّل وتغيير جذري، ليس فقط داخلياً وإنما خارجياً كذلك، في ملف مشترك مغاربي وربما حتى مع مصر وليبيا، وهذا حلم ليس ببعيد مع الإمكانيات والقدرات المجتمعة. وآمل عودة الثورات العربية الأصيلة إلى سكتها الصحيحة، وتأسيس دول مدنية ديمقراطية تحتضن معاً المونديال الكبير، تعطي الفرصة للجماهير للتعبير عن مزاجها العام الوحدوي المناصر لفلسطين والرافض للتطبيع والاستعمار، والفصل العنصري والمنفتح على العالم دون عنصرية أو شوفينية تماماً كما رأينا في الدوحة منذ شهور قليلة.