قال الرئيس
التونسي الأسبق، الدكتور محمد المنصف
المرزوقي،
إن وقت المعارضة السياسية انتهى تماما في بلاده، مُشدّدا على ضرورة "بدء مسار
المقاومة الديمقراطية السلمية، والعصيان المدني الكامل والإضراب الشامل، من أجل الإطاحة
بهذا المنقلب الأرعن (قيس سعيّد)، وإنهاء هذا الفاصل المُضحك المُبكي من تاريخ تونس".
وشدّد المرزوقي، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أن
"موجة الاعتقالات ستؤدي حتما إلى زيادة الاحتقان السياسي، وتفاقم الأزمة الاقتصادية
المتردية من الأساس، لأن الاقتصاد لا يتحرك في ظل عدم الاستقرار السياسي، وهو الأمر
الذي سيأخذنا إلى لحظة الانفجار التي باتت وشيكة وهي مسألة وقت ليس إلا".
واستنكر اتهام الرئيس قيس سعيّد للمعارضة بالإرهاب والتآمر
والتخطيط لـ"محاولة اغتياله"، مؤكدا أن "هذه الاتهامات سخيفة وهزلية
إلى أبعد مدى، ولا تجد مطلقا مَن يلقي لها آذانا صاغية، إلا من الحمقى أو المنتفعين".
وتابع: "كطبيب، أؤكد أننا أمام رجل يعاني من هذيان البارانويا،
ومن أعراض هذا المرض المعروف عند أطباء الأمراض العقلية الشعور بالاضطهاد والتآمر والاغتيال.
للأسف أن القضية اليوم لم تعد سياسية في تونس، وإنما قضية بلد يحكمه مريض، ومَن وراءه
يعرفون جيدا الحقيقة المرعبة ويستعملون الرجل، ومن بين الوسائل اللعب على مخاوفه ورعبه
المتواصل".
وأشار المرزوقي إلى احتمالية قيام السلطات الأمنية بحملة
اعتقالات جديدة وشرسة، وقال: "كل شيء ممكن. المهم أن يكف الناس عن التعامل المنطقي
مع وضع خرج تماما من دائرة المنطق ليدخل في دائرة الجنون المحض. لا بد من الانطلاق
في المقاومة الشاملة بكل صورها السلمية الممكنة والمتاحة".
وقال الرئيس التونسي الأسبق: "بخبرتي الطويلة بالنظم
الديكتاتورية، هناك حالة خوف كبيرة تُعالج بحالة تخويف وإرهاب للجميع، والتجربة تدل
دوما على أنها لا تزيد إلا الطين بلة، وخوف الديكتاتور المستبد يزداد كل يوم خوفا وخطرا
على نفسه وعلى الآخرين".
وهاجم الاتحاد العام التونسي للشغل، قائلا: "الاتحاد
مثل الإعلام الفاسد وبقايا منظومة زين العابدين بن علي؛ فهو ككل القوى التي دمّرت الثورة،
ودمّرت دولة القانون والمؤسسات؛ فقد كان أحد الجهات الرئيسية التي عبّدت الطريق نحو
الشعبوية، وها هو اليوم يدفع ثمن أخطائه الفادحة".
واستطرد المرزوقي، قائلا: "حتى حركة النهضة، التي قبلت
بالتوافق مع الثورة المضادة، ساهمت في هذه الكارثة، لكن كما يُقال (الملام بعد القضاء
بدعة). اليوم هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الجميع؛ فلا بد من تضافر الجهود لإنهاء
الانقلاب، وإعادة دولة القانون والمؤسسات، الكفيلة وحدها بحماية الجميع وإرجاع القطار
الذي توقف عام 2014 إلى السكة".
ووصف الرئيس التونسي الأسبق، المبادرة التي أطلقها
"اتحاد الشغل" خلال الشهر الماضي بأنها وُلدت ميتة، ولا أفق مطلقا لنجاحها،
وهي "مبادرة مَن يتصور نفسه حول طاولة الغداء، والحال أنه على قائمة الأكل".
وطالب جميع مؤسسات الدولة التونسية، وفي القلب منها المؤسسة
العسكرية والأمنية، بأن "يكون لهم موقف واضح وحازم مما يجري الآن، لأن تطورات
الأوضاع بهذه الصورة سيكون لها تداعيات وخيمة على الجميع، بما فيها تلك المؤسسات ذاتها"،
مُشدّدا على أن "الشعب قادر على حسم المعركة واستعادة الشرعية، وحينها سيكون لكل حادث
حديث".
كما أنه هاجم ما وصفها بـ"التصريحات العنصرية المقيتة"،
التي قالها سعيّد بحق المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، مؤكدا أن "التصريحات
العنصرية للمنقلب طعنة أخرى لتونس، حيث إنها أثارت موجة غضب عارمة في أفريقيا جنوب الصحراء،
ولا علاج لهذا الغضب المتزايد، إلا بهبّة المجتمع المدني التونسي للاستنكار".
وأضاف: "أريد باسم الشعب التونسي التقدم باعتذاري لكل
الإخوة والأخوات الأفارقة المتواجدين في تونس لما لحقهم من أذى بعد تحريض رجل يفترض
فيه حفظ الأمن للجميع بلا استثناء، ناهيك عن الالتزام بالقانون الذي يُجرّم العنصرية،
ولا أتحدث عن حقوق الإنسان التي داسها جميعا"، متابعا بأن "هذه التصريحات المخزية
فضيحة جديدة لبلادنا وتضر كثيرا بصورة تونس في أفريقيا والعالم".
وكان سعيّد قد أدلى بخطاب مثير للجدل، الثلاثاء، ودعا فيه إلى وقف تدفق المهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وشدد على وجوب اتخاذ "إجراءات
عاجلة" لوقف تدفق "جحافل المهاجرين غير النظاميين"، وما يؤدّي إليه
هذا الوضع من "عنف وجرائم وممارسات غير مقبولة، فضلا عن أنها مُجرّمة قانونا"،
وفق قوله.
ومنذ 11 شباط/ فبراير الجاري، بدأت السلطات التونسية حملة
اعتقالات شملت سياسيين وإعلاميين ورجال أعمال.
وبعد ثلاثة أيام، اتهم سعيد بعض المعتقلين مؤخرا بـ"التآمر
على أمن الدولة والوقوف وراء أزمات توزيع السلع وارتفاع الأسعار".