أعادت زيارة وزير
الخارجية المصري سامح شكري لدمشق، طرح العديد من الأسئلة والاستفسارات حيال مستقبل
العلاقة بين دول الخليج ومصر من جهة؛ والنظام السوري المتحالف مع إيران
والمليشيات الشيعية من جهة أخرى، في ظل التسابق المحموم لدول عربية بزيارة
الأسد
واستقباله.
وعلى الرغم من أن
زيارة سامح شكري لسوريا سبقتها بعد كارثة الزلزال زيارات قام بها وزيرا خارجية
الأردن والإمارات العربية المتحدة، أيمن الصفدي وعبد الله
بن زايد، ووفدان من الاتحاد البرلماني العربي والحكومة
اللبنانية، غير أنّ زيارة
الوزير المصري تنطوي على مؤشرات حساسة؛ نظرا إلى مركز الثقل الذي تمثّله مصر على المستويات
العربية والإقليمية.
وعلى الرغم من أن
زيارة الوفد البرلماني العربي ليست ذات أهمية بالغة؛ كون المشاركين فيها هم ممثلون
لدول لا تعكس الأحجام التمثيلية الفعلية للدول والشعوب، إلا أن للزيارات الرسمية
الأخرى أهدافا وأجندات متعددة ومتشابكة، وقد يكون القاسم المشترك المعلن فيها هو
التضامن الإنساني على خلفية الزلازل، ولكن مضامينها الفعلية لا تعني حتى هذه
اللحظة قدرة على تسويق الأسد ونظامه وتلميع صورته أمام العالم، لكون الفيتو الأمريكي
والتردد السعودي والرفض القطري هو العامل المؤثر حتى اللحظة.
على الرغم من أن زيارة الوفد البرلماني العربي ليست ذات أهمية بالغة؛ كون المشاركين فيها هم ممثلون لدول لا تعكس الأحجام التمثيلية الفعلية للدول والشعوب، إلا أن للزيارات الرسمية الأخرى أهدافا وأجندات متعددة ومتشابكة، وقد يكون القاسم المشترك المعلن فيها هو التضامن الإنساني على خلفية الزلازل، ولكن مضامينها الفعلية لا تعني حتى هذه اللحظة قدرة على تسويق الأسد ونظامه وتلميع صورته أمام العالم
كذلك، فإن أزمات الدول
مع النظام السوري قد تحتم إيجاد مخارج للتفاهم معه حيال ملفات تشكل خطرا استراتيجيا لها، فالأردن يعاني من مشكلات جدية متعلقة بتهريب وتجارة الكبتاغون من
الداخل السوري إلى الأردن والخليج لصالح النظام والمليشيات الطائفية، بالإضافة
لقيام الحرس الثوري باختلاق أساليب متقدمة لتهريب الأسلحة إلى الداخل الأردني
والخليجي، وتحديدا المسيّرات الانتحارية التي تكتشف بشكل مطرد.
كذلك، فإن القاهرة
خفضت بشكل تدريجي من أزماتها مع النظام السوري منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي
إلى السلطة، عبر طي صفحة القطيعة والهجوم المصري على النظام السوري خلال مرحلة
الثورة ووصول الإخوان للسلطة، التي شهدت مناهضة رسمية وشعبية لنظام الأسد، كذلك
دشنت الإدارة المصرية الجديدة فصلا جديدا، قوامه إعادة التنسيق الأمني العلني بين
أجهزة الاستخبارات السورية والمصرية، التي أدى محمد دحلان ومدير الأمن العام
اللبناني السابق عباس إبراهيم دورا أساسيا فيها.
كذلك، فإن التعاون
الاقتصادي والتجاري بين مصر والنظام الأسدي لم يستثنِ المناحي العسكرية وتبادل
الخبرات القتالية. كما تعين أن يتلاقى السيسي مع الأسد تحت مظلة مشتركة أنشأتها بينهما
السياسات الانفتاحية التي اعتمدتها أبو ظبي مع الأسد.
بالمقابل، ثمة ترقب لبناني لمسارات التطبيع العربي مع الأسد، وإذا ما كانت
سياسات ستفضي إلى إعادته للحظيرة العربية وسحبه من الحضن الإيراني، خاصة أن لبنان
شهد تجارب سابقة مع النظام عبر مصالحة سعد الحريري ووليد جنبلاط مع النظام، مقابل أن
يتعهد الأسد بتغيير النهج السياسي في لبنان ووقف تغطية سياسات
حزب الله العدوانية.
وعليه، فإن جهات عديدة لبنانية تعتقد أن هذا المسار لن يستمر؛ لأن بشار غارق
في تحالفه مع إيران، وثمة قناعة أكبر لدى
جهات أخرى أن الأسد في المرحلة المقبلة سينغمس أكثر في التحالف مع طهران؛ انطلاقا من مجموعة مسارات وتحولات:
جهات عديدة لبنانية تعتقد أن هذا المسار لن يستمر؛ لأن بشار غارق في تحالفه مع إيران، وثمة قناعة أكبر لدى جهات أخرى أن الأسد في المرحلة المقبلة سينغمس أكثر في التحالف مع طهران؛ انطلاقا من مجموعة مسارات وتحولات
أولا: تراجع
الحضور الروسي في الميدان السوري بسبب الانشغال بالحرب الأوكرانية، ما سيخلقَ
فراغات سعت إيران وتركيا على ملئها، قبل أن يغير الزلزال مسارات الأتراك عبر الانكفاء
للسعي إلى لململة الدمار الهائل، الذي يتزامن مع تثبيت موعد الانتخابات الرئاسية
والبرلمانية.
ثانيا: فإن
الأزمة التي خلفها الزلزال في الداخل التركي، دفعت الرئيس التركي والإدارة السياسية
في أنقرة إلى ترتيب
العلاقات بشكل تصاعدي مع مصر وإسرائيل والسعودية، الأمر الذي سيدفع
أردوغان إلى تأخير مسار التطبيع مع دمشق.
وبقدر الترقب
اللبناني لتطورات التواصل العربي مع دمشق، إلا أن ما كان لافتا أن الأسد فاتح
معظم زواره بالملف اللبناني والرئاسي تحديدا، انطلاقا من تحبيذ النظام وصول
سليمان فرنجية لسدة الرئاسة، حيث أظهر بشار دقة متابعته للظرف اللبناني في السياسة
والمال والصراعات الداخلية بين الأطراف، وهو ما كان النظام مهتما به قبيل الثورة
السورية وقبيل انتقال الراية الداخلية لحزب الله، وهو ما فتح شهية حلفائه
التاريخيين عبر الحديث عن إعادة صيغة "س-س"، التي حكمت لبنان عقب الحرب
حتى اغتيال رفيق الحريري.
وفي هذا الإطار، يتبدى الفيتو العربي- الأمريكي على وصول رئيس حليف للحزب والأسد، وهذا المسار تبدو
قطر أحرص عليه؛ أولا عبر رفضها مساعي مصرية-إماراتية لفتح ثغرة في جدار العلاقة
بين الدوحة ودمشق، وكذلك تأكيدها في اجتماع باريس، ورقة مواصفات رئاسية للبنان، لا تنطبق، بالتأكيد، على فرنجية، مع الأخذ بالاعتبار تردد السعودية في انتهاج سياسة
انفتاحية مع دمشق دون تحقيق شروطها العشرة التي سمعها الأسد من ضيوفه العرب.
لذا، يبدو إنتاج
إجماع عربي على علاقات سياسية كاملة مع النظام السوري شبه مستحيل، وهو ما بات يدركه
النظام. ولذلك قال أمام الوزير شكري؛ إنّ العمل لتحسين العلاقات بين الدول العربية
بشكل ثنائي، هو الأساس لتحسين العمل العربي بشكل عام. وهو بذلك يحاول اللعب على
التباينات ولو غير الجذرية في مقاربة الدول العربية الأساسية للملفّ السوري،
وبالتحديد بين السعودية ومصر.
يمكن إغفال الدور المنتظر من حزب الله؛ لكونه الطرف الأول المعني بأي تسوية، وعلى الرغم من تصعيد أمين عام الحزب حسن نصر الله في الإطار الاقليمي، إلا أنه كان واضحا على مبدأ "ضرورة الذهاب إلى الحوار والتوافق الداخلي"
وبالعودة لملف
لبنان الرئاسي، فإنه لا يمكن إغفال الدور المنتظر من حزب الله؛ لكونه الطرف الأول
المعني بأي تسوية، وعلى الرغم من تصعيد أمين عام الحزب حسن نصر الله في الإطار
الاقليمي، إلا أنه كان واضحا على مبدأ "ضرورة الذهاب إلى الحوار والتوافق
الداخلي". وهذا المسار دفع الحزب لتسريب قبوله بمعادلة "سليمان فرنجية في
بعبدا، مقابل نواف سلام في رياض الصلح"، وهو نوع من المقايضة وانتظار رأي
الأطراف الخارجية.
لكن هذا المسار
جرى الرد عليه بتسريب موقف سعوي- قطري، مفاده أن تجربة التسويات والمقايضة كانت
فاشلة، وتحديدا في تجربة ميشال عون مع رؤساء الحكومات، وتحديدا سعد الحريري ونجيب
ميقاتي، وهو أمر غير مقبول؛ لأنه قد تم تجريبه سابقا، فيما لا تمانع فرنسا من قيام
مثل هذه المقايضات عبر تسريب لقاء ماكرون- فرنجية السري. لكن المفارقة الحقيقية
تكمن بكل تلك المسارات في رفض الحزب إعادة دور سوري للبنان، والحديث عن جهوزية حزب
الله للتفاوض وتقديم تنازلات مع الخارج.