صدر عن
مكتبة الأسرة العربية في إسطنبول كتاب (التهمة.. حيازة
كاميرا)، الذي يوثق
تجربة اعتقال مصور قناة الجزيرة مباشر
مصر،
محمد بدر، في
السجون المصرية.
واعتقل بدر
في الفترة من 15 تموز/ يوليو 2013، في أثناء
تغطيته للاشتباكات التي وقعت بين مؤيدي الرئيس الراحل محمد مرسي ومعارضيه، وأفرج
عنه في 5 شباط/ فبراير بعد حصوله على حكم بالبراءة.
يستعرض
الكتاب الذي كتب مقدمته الأستاذ أيمن جاب الله، مؤسس قناتي "الجزيرة مباشر"
و"الجزيرة مباشر مصر"، الخلفية المهنية لمحمد بدر، وقصة التحاقه بالعمل
في شبكة الجزيرة، مرورا بأبرز التغطيات التي أنجزها في مصر خلال الفترة الانتقالية
بعد ثورة يناير، وكذلك في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، وحتى عزله في 3 تموز/ يوليو 2013.
بعد ذلك، يوثق الكتاب ملابسات القبض على بدر، والاعتداءات التي تعرض لها في السجون وأقسام
الشرطة التي تنقل فيها، والتهم التي وجهت له، والتي كان أغربها تهمة "حيازة كاميرا"، التي
يحملها معه دائما بحكم وظيفته، ولذلك جاء عنوان الكتاب ليشير إلى تلك المفارقة
ومرفقا بعلامة تعجب. كما يعرض
الكتاب تفاصيل جلسات المحاكمة، وحتى الحكم ببراءة محمد بدر مع جميع المتهمين في
القضية، ثم خروجه من مصر.
يبدأ الكتاب
برسالة كتبها محمد بدر من خلف القضبان في أثناء اعتقاله، قال فيها: "كنت وأنا في أكثر لحظات حياتي تشاؤما، لا أتخيل نفسي أحد نزلاء "سجن طرة" شديد
الحراسة (العقرب)، وبتوفيق من الله وحده اجتزت هذه الأيام البائسة، وحولت محنتي إلى منحة
بالقراءة، وإشغال الوقت في تنمية نفسي دينيا وثقافيا، لا سيما أن هناك متسعا من
الوقت لا يتوفر في الحياة الخارجية. إن هذه التجربة رغم قسوتها، قد أضافت إلى رصيد خبراتي الحياتية، هذه الخبرة
والثقافة الجديدة في السجن أطلقت عليها: "منحة الظالم للمظلوم".
وكتب بدر
إهداء في مقدمته إلى "عم صلاح،
الرجل المسكين الذي مات وراء القضبان، وهو لا يعرف من وطنه غير عربة يجرها حصان
هزيل"، وهو أحد
رفاق بدر في الزنزانة، مات نتيجة الإهمال الطبي بعد أن اعتقل دون أي ذنب ارتكبه، سوى
أنه كان يطلق لحيته.
لم يقتصر
الكتاب الذي حرّره الصحفي أسامة الرشيدي، على شرح تجربة اعتقال محمد بدر فقط، بل
تعداه إلى شرح تفصيلي للانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون في السجون المصرية،
والتي كان بدر شاهدا عليها وأحد ضحاياها. ولذلك، روى بدر في الكتاب قصصا مأساوية لعدد من المعتقلين الذين التقى بهم في
الزنازين، وبعضهم قضى جراء التعذيب والإهمال الطبي المتعمد.
في مقدمته
للكتاب، يصف أيمن جاب الله مدير قناة "الجزيرة مباشر" شهادة محمد بدر عن
اعتقاله، وكلماته التي كتبها في أثناء غيابه خلف القضبان قائلا: "أعادتني رسالة محمد بدر إلى العديد من تجارب الكفاح الصحفي التي كنت شاهدا
عليها، تكللت بعض هذه التجارب بالنهايات السارة، مثل تيسير علوني، وسامي الحاج، في
حين اتشح بعضها الآخر بملابس الحداد، حين قُتلت أطوار بهجت، وطارق أيوب، وعلي
الخطيب، وعلي عبد العزيز، على اختلاف القنوات والحقب".
وأضاف واصفا
عنوان الكتاب، بأنه "موفق للغاية
من المناضل محمد بدر، بطل هذه المأساة، والمبدع أسامة الرشيدي الذي تطوع بإعادة
صياغة التجربة العبثية المؤلمة التي خاضها محمد"، مؤكدا أن هذه التهمة (حيازة كاميرا) لم تكن تهمة
بدر وحده، "بل هي تهمة
القناة التي عمل فيها (الجزيرة مباشر مصر)، وهي التهمة ذاتها التي التصقت وستلتصق بكل من يسعى إلى نقل الحقيقة في ظل
نظام قمعي أيا كانت جغرافيته، فالديكتاتورية عمادها القمع، والصحافة عمودها
الحرية، وسيظل هذا التدافع بين الصحافة والديكتاتورية عبر الصراع بين أدوات القمع
وموجات الحرية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها".
من جهته،
أشار محرر الكتاب إلى أن تجربة اعتقال محمد بدر اتسمت بخصوصيات ومميزات عدة، فقد
كان أول صحفي يسجن لفترة طويلة بعد عزل مرسي، كما تنقل بين عدة سجون، وعدد كبير من
أقسام الشرطة، ومديريات الأمن، حتى بعد صدور الحكم ببراءته، وهو ما جعله شاهدا على
الانتهاكات التي ترتكب بحق المعتقلين في تلك الأماكن.
تضمن القسم
الثاني من الكتاب ملحقا توثيقيا، يضم تفريغا لأهم مراحل القضية، مثل أهم الفعاليات
التضامنية التي طالبت بالإفراج عنه، وبيانات المنظمات الحقوقية، ورسالة بدر التي
كتبها من داخل السجن، وحيثيات الحكم ببراءته، كما يضم عددا كبيرا من الأخبار
والتقارير والمقالات التي حكت قصة محمد بدر من البداية وحتى النهاية، بالإضافة إلى
مقالات كتبها بدر نفسه بعد خروجه من السجن. وأخيرا؛ يحتوي الكتاب على عدد من الصور لبدر خلال مراحل مختلفة، وكذلك صور
لأهم الفعاليات التضامنية معه بعد الاعتقال، وتكريمه بعد الإفراج عنه، كما يتضمن
هذا القسم رسوما توضح المعاملة المهينة التي يلقاها المعتقلون في أثناء التحقيق في
جهاز مباحث أمن الدولة، بريشة رسام الكاريكاتير الباكستاني الشهير (شجاعت علي).
يمكن القول؛ إن كتاب (التهمة.. حيازة كاميرا) يمثل إضافة
مهمة في مذكرات أدب السجون عامة، وتوثيق معاناة الصحفيين خلف القضبان على وجه
الخصوص. ومن المتوقع
أن تتوالى شهادات صحفيين آخرين تعرضوا للتجربة نفسها في مصر بعد تموز/ يوليو 2013، خاصة أن عددهم وصل إلى المئات على مدار السنوات الماضية، وهو ما جعل مصر
من بين البلدان العشرة التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين في العالم لعام 2022، وفقا لإحصائيات لجنة حماية الصحفيين.
وقد بدأت
بالفعل عدة مشروعات لتوثيق تجارب اعتقال الصحفيين بأشكال مختلفة، مثل بودكاست (عنبر كله يسمع) الذي أطلقه
الباحث والمعتقل السابق سيف الإسلام عيد، ويستضيف فيه عددا من المعتقلين السابقين
ليرووا تجاربهم خلف القضبان، ومنهم صحفيون بارزون، مثل عبد الله الشامي مراسل قناة
الجزيرة الذي اعتقل لمدة 10 أشهر، أعلن خلالها إضرابا مفتوحا عن الطعام حتى حصل على حريته.