قال الكاتب، والمستشار في معهد نيو
لاينز للاستراتيجيات والسياسات، جيمس سنيل، إن
تونس عادت "دولة بوليسية"، في تراجع صادم للتطور الديمقراطي في البلاد بعد الثورة التي أطاحت بنظام زين
العابدين بن علي.
وفي مقاله المنشور على موقع "
ذي
سبيكتاتور"، قال سنيل إن الإطاحة بنظام بن علي كانت أول نصر يتحقق للثورات
العربية التي انطلقت في 2011. لكن المصير الذي انتهى إليه زين العابدين بن علي، ما زال خلفه الأخير، قيس
سعيد، يستعصي عليه.
وتابع بأنه "تجمعت بضعة تقارير على
مدى الأسبوع الماضي في تونس، وأفضت إلى تنظيم احتجاجات كبيرة خلال نهاية الأسبوع.
مثل هذا الاحتجاج محظور في تونس دون إذن رسمي من الرئيس، وانتهى المطاف بكثير من
زعماء المعارضة في البلاد داخل السجون؛ لذا فإن الاحتجاج على سجنهم والمطالبة
بإطلاق سراحهم يتطلب شجاعة مضاعفة".
وأشار إلى الاحتجاجات التي انطلقت
الأسبوع الماضي، بعد القبض على عدد من معارضي سعيّد، بينهم السياسي السابق الذي
أبعد إلى بريطانيا 22 عاما، سيد فرجاني، وإقالة أحد القضاة لأنه لم يجد طريقة لسجن
أحد النشطاء السياسيين المشاكسين.
وتابع: "ليس هذا أول عدوان يشنه
قيس سعيد على استقلال القضاء. تطورت الأزمة السياسية الحالية في تونس، على الأقل
جزئياً، لأن الرئيس فصل خمسين قاضياً ومدعيا عاما في شهر آب/ أغسطس من العام الماضي.
كان لا بد أن يرحلوا بما أنهم لا ينسجمون مع الرئيس في نهجه".
وبوصفه أستاذاً سابقاً في القانون
يتلهف لوضع نظرياته القانونية قيد التطبيق، فرض سعيد على البلد دستوراً جديداً
يركز السلطات في يديه، فحظر الاحتجاجات القانونية، وشن حملة قمع ضد جميع الأحزاب
المعارضة، والمحامين المستقلين ونقابات العمال، متعللاً بمزاعم مريبة تتراوح بين
الفساد والخيانة والإرهاب، بحسب سنيل.
ويقول الكاتب، إن الرئيس "أقال
الرئيس حكومة رئيس الوزراء في عام 2021، وعطل البرلمان التونسي في نفس تلك السنة، ثم حل البرلمان رسمياً في عام 2022. ثم أتبع ذلك بتنظيم انتخابات جديدة دون
مشاركة الأحزاب الكبرى، وذلك في نهاية العام الماضي ومطلع العام الحالي، لم تزد
نسبة المشاركة فيها عن 11 بالمئة".
وأشار إلى أنه من الطبيعي ألا يخرج
المراقب للشأن السياسي التونسي من كل ذلك بانطباع يبعث على الثقة. منذ ثلاث سنين -جزئياً بسبب جائحة كوفيد، ولكن غالباً بسبب سوء الإدارة وانعدام الكفاءة- تجتاح
تونس أزمة اقتصادية عميقة. والآن غدا البلد، الذي كان قبل عقد من الزمن يتطلع إلى
مستقبل اقتصادي واعد، يعاني بشكل مستمر من التضخم، ومن نقص المواد الأساسية، ومن
الإخضاع للترشيد، ومن التوعك العام، كما جاء في المقال.
وأضاف: "لعل البعض يتوهم بأنه في
مواجهة كل هذه الأزمات، تغدو القبضة الحديدية للطاغية أمراً ضرورياً من أجل تصحيح
المسار، وما إلى ذلك من إصلاحات. ما كنت لأقع في حبال مثل هذا الوهم. فقيس سعيد ليس
خبيراً اقتصادياً، ولا أجده يحظى بمشورة أصحاب الخبرة والاختصاص. ويبدو أن طاقته
تتركز بشكل أساسي في توسيع إطار نفوذه في الساحة السياسية والاجتماعية، وليس في
مجال تنمية الاقتصاد التونسي، أو في ضمان توفر المواد الغذائية الأساسية، أو
التصرف بدماثة وحكمة طمأنة للأسواق العالمية".
ونوه إلى أنه "لا يمكن
للدكتاتورية -وخاصة عندما يكون الحاكم أمياً في الاقتصاد مثل قيس سعيد- أن تكبح
جماح الارتفاع في الأسعار. ويندر أن يفلح الطغيان في جلب السياح أو التحويلات
المالية الضرورية لإنعاش الاقتصاد وتعزيز الميزان التجاري الضعيف".
وحول قضية المهاجرين الأفارقة، قال
الكاتب إن سعيد خرج خلال الأزمة الاقتصادية الحادة في بلاده، ليشيطن المهاجرين الأفارقة على شاشة التلفاز،
بلا أي مبرر، بعد أن حبس مزيدا من منتقديه.
"اتهم قيس سعيد سكان البلاد من
السود، والذي يتوقع ألا يتجاوز تعدادهم بضع عشرات من الآلاف، بأنهم جزء من
مؤامرة كبرى تستهدف تغيير التركيبة السكانية لبلد يصل تعداد سكانه إلى ما يقرب من
أربعة عشر مليوناً. أطلق ذلك العنان لأمور لا مفر من أن تفضي إليها مثل هذه التصريحات،
فشهدت البلاد موجة من عنف الدهماء، وطرد المستأجرين السود من مقرات سكنهم، وتعريض
كثيرين منهم للضرب في الأماكن العامة".
وتابع: "لا يتوقع لأي من ذلك أن
يساهم في حل مشاكل تونس الاقتصادية. ومن غير المتوقع كذلك أن يتشكل لدى المستثمرين
أدنى انطباع بالثقة والطمأنينة وهم يرون العمال الأجانب يخرجون من البلد سراعاً
على متن رحلات جوية إنسانية رتبتها لهم بلدان جنوب الصحراء التي ينحدرون منها".
وقال سنيل: "لئن كان كل ذلك قد
وصل ذروته خلال الشهر الماضي أو قريباً منه، إلا أن قيس سعيد لم يزل نذير شؤم منذ
سنين، ومع ذلك ظل طوال ذلك الوقت يحظى بالترحيب في أروقة القوى الأوروبية ويستقبل
كضيف شرف".
ووجه الكاتب اللوم إلى الأوروبيين، قائلا إن أوروبا "سمحت بكل كتلتها، وبشكل مخز، لهذا الأمر بأن يحدث على الملأ؛ لأن قادتها ملوا من العالم العربي، فقد شغلهم كوفيد بادئ ذي بدء، ثم جاءت الحرب في
أوكرانيا لتستغرقهم، وللصين في انشغالاتهم بعض نصيب. كما أن زعماء أوروبا يعتنقون
الفكرة المنحرفة التي تقول إن وجود الدكتاتورية في جنوب المتوسط أمر يخدم المصالح
الأوروبية".
وعلى الرغم من أن الدليل يثبت عكس ذلك،
إلا أن زعماء أوروبا يعتقدون جازمين بأن الدكتاتورية ضرورية من أجل الحد من الهجرة
من أفريقيا والبلدان العربية. إن ما يعتقدونه هراء. فالطغاة ما هم سوى رؤساء
عصابات، وإذا لم تدفع لهم أوروبا مقابل خدماتهم، فسوف يجدون من مهربي البشر من
يدفع لهم، وسوف تستمر القوارب في خوض غمار البحر بغض النظر عن كل شيء، بحسب
تعبيره.
وختم الكاتب مقاله مؤكدا أنه بينما
تتفاقم أزمات تونس الاقتصادية والسياسية، تثبت الأحداث حماقة من يؤيدون الطغاة.
فيما لو استمرت تونس على النهج الذي يخطه لها قيس سعيد، فقريباً جداً لن يقتصر
المهاجرون على السكان السود من الأفارقة، وماذا سيكون عندها بالضبط مآل سياسات
الهجرة للدول الأوروبية؟