أعلنت
السعودية وإيران، الجمعة، إعادة العلاقات بينهما رسميا، بوساطة صينية، بعد قطيعة دامت نحو سبع سنوات.
وقالت الرياض وطهران، في بيان مشترك برعاية صينية؛ إن الاتفاق سيركز على احترام كل طرف لسيادة الآخر، وعدم التدخل في شؤونه، وأنه سيجري العمل على مبدأ حسن الجوار، كما سيتم افتتاح السفارتين المغلقتين منذ سنوات، في غضون شهرين.
وأكد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أن "استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران، يأتي انطلاقا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة".
ولفت الأمير السعودي إلى أن "دول المنطقة يجمعها مصير واحد، وقواسم مشتركة، تجعل من الضرورة أن نتشارك سويا لبناء أنموذج للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا".
وقوبلت المصالحة السعودية والإيرانية بترحيب إقليمي ودولي واسع، إذ أشادت
الولايات المتحدة، ودول أوروبا، ودول الخليج، ودول عربية، وحزب الله اللبناني، و"الحوثيون" بهذا الاتفاق.
إلا أن الاتفاق الذي جاء بعد جولات مفاوضات عديدة قادتها العراق، وسلطنة عمان، والصين، يفتح الباب لتسليط الضوء على نقاط الخلاف بين البلدين طيلة السنوات الماضية، التي أفضت إلى القطيعة التامة.
خطوة نحو السلام وبصمة صينية
أشوك سوين، أستاذ بحوث السلام والنزاع في جامعة أوبسالا السويدية، قال؛ إن الاتفاق العلني الذي جاء بعد سنوات من الصراع، والتهديد بين البلدين، هو خطوة جادة وحقيقية، نحو تحقيق السلام الكامل في المنطقة.
وأضاف سوين في حديث لـ"عربي21"، أن تطبيع العلاقات بين طهران والرياض، برعاية صينية، أظهر بصمة غير مسبوقة لبكين في الشرق الأوسط.
وتابع: "أعطت الرعاية
الصينية للمصالحة بين السعودية وإيران، لمحة عن نفوذ بكين المتزايد في المنطقة، على حساب تراجع تأثير الولايات المتحدة".
ولفت إلى أن الصين تريد من رعاية المصالحة السعودية
الإيرانية، بعث رسالة إلى بقية العالم، مفادها أنها "قوة عظمى مسؤولة، ولديها القدرة على التفاوض بشأن السلام والأمن في مناطق أخرى".
تسوية للخلافات واستثمار محتمل
خاضت السعودية وإيران جولات عديدة من المفاوضات المباشرة في بغداد، حاول خلالها البلدان تسوية أرضية سليمة لبناء مفاوضات جادة عليها، وهو ما أثمر بالفعل على الاتفاق التاريخي الجمعة.
بحسب صحيفة "
الغارديان" البريطانية، فإن الاتفاق السعودي الإيراني، قد يعني حل مشاكل عالقة بين البلدين، تسببت في تأزيم العلاقة خلال السنوات الماضية.
وأضافت في تحليل لمحررها للشؤون الدبلوماسية باتريك وينتور، أن المصالحة قد يكون لها أثر مباشر على مسار الحرب في اليمن، إذ يدعم البلدان طرفي الصراع الرئيسيين، القوات الحكومية، والحوثيين.
وأشارت إلى أن من القضايا التي قد يحدث تغير عليها بعد المصالحة، الملف النووي الإيراني، إضافة إلى اتفاقهما على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة عام 2001.
ووفقا للغارديان، فإن المصالحة السعودية الإيرانية، قد تأتي بفوائد غير متوقعة على طهران، فيما يخص العقوبات الغربية عليها، ففي حال سار الاتفاق على نحو إيجابي، قد تذهب السعودية للاستثمار في بلد كان عدوها الأول طيلة السنوات الماضية.
دوافع اقتصادية وطموح بدخول "البريكس"
المحلل السياسي الإيراني،
إحسان سفرنجاد، قال؛ إن الدوافع الاقتصادية أدت دورا مهما في الاتفاق بين طهران والرياض.
ولفت سفرنجاد في حديث لـ"عربي21" إلى أن الصين تستورد حوالي 40 بالمئة من نفطها، من السعودية والإمارات والكويت والعراق، فمن الواضح أن "أي توتر بين إيران والمملكة من شأنه أن يعرض هذا الإمداد للخطر".
وأضاف أن السعودية وإيران تسعيان إلى تحسين علاقاتهما مع الصين، وهما يريدان من خلال هذه المصالحة، إيصال رسالة بأن أي استثمار قادم لبكين في الرياض وطهران لن يهدده خطر اشتعال حرب بين الطرفين.
ولفت سفرنجاد إلى أن السعودية وإيران تسعيان إلى الانضمام لدول مجموعة "البريكس" التي تضم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا، مشيرا إلى أن الناتج المحلي لهذه المجموعة (51.49 تريليون دولار، يفوق الناتج المحلي لمجموعة الدول السبع (49.37 تريليونا)، وذلك استنادا إلى ما يعرف بـ"تعادل القوة الشرائية (PPP)".
وأشار إلى أن ترشيح إيران والسعودية للدخول في مجموعة "البريكس"، يحتم عليهما إنهاء القطيعة.
كما تطرق سفرنجاد إلى وجود أسباب أمنية عجلت من المصالحة الإيرانية السعودية، قائلا؛ إن التنسيق بين البلدين يمكنه المساهمة في حل قضايا، بينها القضية الفلسطينية، لا سيما مع سعي الاحتلال الإسرائيلي لضم المملكة إلى اتفاقيات "إبراهيم" التطبيعية، منوها إلى مدى السخط الإسرائيلي عقب الاتفاق بين طهران والرياض.
حاجة ملحة للطرفين
ذكرت "الغارديان" أن أبرز ما يهم السعودية على المدى القريب من المصالحة، هو أن أجواءها ستبقى آمنة من أي صواريخ باليستية حوثية، قد تسبب أضرارا مادية ضخمة في مصاف النفط، والتجمعات السكنية، وغيرها.
وبرغم ذلك، قالت الصحيفة؛ إنه لا يمكن الجزم بأن المصالحة السعودية الإيرانية، قد تعني انتهاء الحرب بين الرياض والحوثيين أم لا.
في المقابل، ذكر ت
حليل سابق لـ"معهد السلام والدبلوماسية" الأمريكي، أن إيران هي الأخرى كانت بحاجة ملحة للمصالحة مع السعودية.
وأوضح المعهد في تحليله صيف العام الماضي، أن الرغبة الإيرانية في تحسين العلاقات مع السعودية، جاءت بعد خوفها من تنامي النفوذ الإسرائيلي في دول الخليج.
ولفت إلى أنه بينما ترحب طهران بمثل هذا التحول في النهج الإقليمي السعودي، فإنها لا تتوقع أكثر من انفراج وعودة إلى حقبة ما قبل الربيع العربي مع الرياض.
ملفات ستبقى عالقة
توقع معهد السلام في تقريره، أنه رغم المصالحة، ستبقى بعض الملفات عالقة بين السعودية وإيران.
وأشار إلى أن الحرب في سوريا، وسيطرة حزب الله على المشهد السياسي والعسكري في لبنان، ووجود مليشيات إيرانية في اليمن، والعراق، ستبقى دون حل رغم المصالحة.
ولفت المعهد بحسب ما ترجمت "عربي21"، إلى أن السعودية وإيران، باعتبارهما متنافسين إقليميين، لطالما نظر بعضهما إلى بعض على أنهما منافسان استراتيجيان، يهدفان إلى تحويل ميزان القوى الإقليمي ضد الآخر. ومع ذلك، تمكن قادتهم، في الغالب، من إعطاء الأولوية لضبط النفس في التعامل بعضهم مع بعض لتجنب النزاعات المكلفة.
ونوه المعهد إلى أن لجوء البلدين إلى محادثات السلام في بغداد، لم يأت على محض الصدفة، إذ أتى بعد "تجربة العواقب المدمرة للحرب بالوكالة، واستكملها رحيل الرئيس ترامب من البيت الأبيض".
وقال؛ إن "كلا البلدين قد خلص إلى أن استمرار حربهما بالوكالة في المنطقة، هي لعبة محصلتها صفر ولا فائز نهائي بينهما".
بدوره، قال إحسان سفرنجاد؛ إن الحكم على نجاح المصالحة لفترة طويلة، أمر غير ممكن، بسبب التسارع في تغير وتيرة العالم.
وأضاف أن عودة دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة على سبيل المثال، من شأنها أن تغير شكل المصالحة جذريا، إذ إن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان كان أقرب إلى واشنطن مما هو عليه الآن في عهد دونالد ترامب، في إشارة إلى فتح الرياض خطوطا قوية مع موسكو وبكين.
ولفت سفرنجاد إلى أن العامل الآخر في تقييم نجاح الصفقة من عدمه، هو مدى جودة تنفيذها، ففي حال أنجزت خطواتها الأولى بطريقة سليمة وبسيطة، فمن الممكن البناء عليها في تطوير العلاقات بشكل يفيد البلدين وشعبيهما.
الكاتب والمحلل السعودي سلمان الأنصاري، مؤسس ورئيس لجنة العلاقات العامة السعودية الأمريكية (سابراك)، قال في مداخلة مع شبكة "
سي أن أن"؛ إن نجاح الاتفاق من الصعب أن يكون مضمونا، بسبب سياسات إيران المبنية على أسس أيدولوجية.
وألقى الأنصاري باللوم على الولايات المتحدة، في قبول السعودية بالمصالحة مع إيران، رغم الأضرار التي ألحقتها الأخيرة بالرياض، متهما واشنطن بتسليم طهران، العراقَ على طبق من ذهب، وبغض الطرف عن برنامجها النووي، في وقت كانت المملكة تسعى بكل جهدها إلى تحجيم قوة إيران.
ولفت الأنصاري إلى أن خيار الوسيط الصيني بالنسبة للسعودية استراتيجي، متحدثا عن ثقة سعودية بأن بكين لديها أدوات ضغط على طهران تفوق ما تملكه واشنطن.
تسلسل لمسار الخلافات
يعد التوتر سمة للعلاقة بين السعودية وإيران، منذ عدة عقود، بيد أن القطيعة النهائية التي جاءت قبل سبع سنوات، رافقها وتبعها أحداث مثيرة.
في مطلع العام 2016، أعدمت السلطات الإيرانية 47 مدانا بتهم إرهابية، في مقدمتهم رجل الدين الشيعي نمر النمر، وهو ما أحدث غضبا واسعا في إيران، دفع محتجين إلى اقتحام السفارة السعودية في طهران، والقنصلية في مشهد، وإشعال النار بهما، والعبث بمحتوياتهما.
ردت السعودية بشكل فوري على الاعتداء الإيراني الذي طال سفارتها وقنصليتها، وقررت قطع العلاقات مع إيران تماما، مع طرد البعثة الدبلوماسية.
ظلت العلاقة السعودية الإيرانية متوترة ومنقطعة بشكل شبه كامل إلى غاية العام 2021، ولم يتخللها سوى بعض جلسات التنسيق بشأن الحج.
وفي منتصف العام 2021، بدأت العراق بعقد جلسات وساطة، تهدف إلى حلحلة الخلافات بين جارتيها السعودية وإيران.
في شباط/ فبراير من العام الماضي 2022، أعربت إيران عن رغبتها في عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية، باعتبارها "تصب في مصلحة البلدين".
وبعد أيام، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان؛ إن "المملكة منفتحة على الحوار مع إيران".