تعاني الأسواق
المصرية أزمة ارتفاع حاد في أسعار الأرز المحلي، بعد أسابيع من قرار
الحكومة المصرية إلغاء تسعيرة جبرية للأرز كانت قد فرضتها قبل نحو 5 أشهر وحققت نتائج عكسية.
وقفزت أسعار طن الأرز منذ ذلك الوقت 10 آلاف جنيه إلى 25 ألف جنيه بدلا من 15 ألف جنيه أي أكثر من 60%، وهو أعلى سعر في تاريخ السوق.
وقال تجار جملة وتجزئة لـ"عربي21" إن أسعار الأرز الأبيض في الأسواق ارتفعت إلى 25 ألف جنيه للطن، مع استمرار نقص المعروض وزيادة الطلب مع حلول شهر رمضان المبارك، (الدولار يساوي 31 جنيها).
ويأتي الأرز في قمة الهرم الغذائي للمصريين، ويحتل الترتيب الثاني ضمن قائمة السلع الاستراتيجية، ويعتبر تراجع توافره أو ارتفاع سعره عبئا على الطبقات المتوسطة والفقيرة والأكثر فقرا إذ تحتاج مصر إلى 300 ألف طن شهريا.
ورغم أن مصر تنتج ما يقرب من 90% من احتياجاتها السنوية، فيما تستورد 10% فقط من الخارج، إلا أن سياسات الحكومة التعاقدية مع المزارعين العام الماضي كانت خاطئة وأدت إلى نتائج كارثية، وفشلت جميع الإجراءات بعد ذلك في السيطرة على الأسعار.
أصل أزمة الأرز
تعود الأزمة إلى آب/ أغسطس الماضي، عندما قررت الحكومة شراء الأرز من المزارعين بـ 6850 جنيها للطن، وهو أقل بنحو 30% عن سعر السوق المحلية، لكن المزارعين عزفوا عن توريد محصولهم إلى وزارة التموين بالأسعار الرسمية وفضلوا البيع للتجار والمضارب.
وألزمت وزارة التموين حينها المزارعين، للمرة الأولى، بتسليمها طن أرز عن كل فدان (حوالي 25% من إنتاج الفدان)، وأعلنت توقيع عقوبات على الممتنعين عن التسليم، من أجل جمع مليون ونصف مليون طن، لتأمين احتياجات بطاقات التموين من الأرز، ولكنها أخفقت في جمع الكميات المطلوبة.
ثم حددت في أيلول/ سبتمبر الماضي سعر الأرز السائب بما لا يتجاوز الـ12 جنيها للكيلو، والمعبأ 15 جنيها، وظل السعر حبرا على ورق وتراجع المعروض في الأسواق بشكل لافت ما دفع الحكومة لإصدار قرار آخر ورفع سعر الأرز المعبأ إلى 18 جنيها دون جدوى.
واختفى الأرز من الأسواق ما وضع الحكومة في موقف صعب ودفعها لإصدار قرار في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي لا تصدره إلا في أوقات الجائحة أو الحروب باعتبار سلعة الأرز من المنتجات الاستراتيجية، وحظر حبسها عن التداول، سواء عبر إخفائها أو عدم طرحها للبيع أو الامتناع عن بيعها أو بأي صورة أخرى.
وبعد خمسة أشهر من تطبيق القرار الذي تسبب في نتائج عكسية، ألغى مجلس الوزراء قرار التسعير الإجباري للأرز، في ظل عدم جمع الحكومة سوى 400 ألف طن من أصل مليون ونصف طن كانت تستهدفها، ما أدى إلى زيادة أسعار الأرز في الأسواق بشكل غير مسبوق.
قفزة تاريخية في سعر الأرز
وقال أحد المزارعين بنطاق محافظة الجيزة لـ"عربي21"، إنه "لا أحد كان يتوقع أن يقفز سعر طن الأرز إلى نحو 25 ألف جنيه مقابل نحو 10 آلاف جنيه بعد أسابيع من موسم الحصاد، والحكومة حاولت استغلال الفلاح وشراء طن الأرز بسعر أقل بكثير من سعر السوق بنحو 30%، وما تبعه من قرارات خاطئة أضرت بالفلاحين والمستهلكين، ولا تزال الحكومة تحاول توفيره في معارضها الاستهلاكية ولكن بكميات قليلة".
من جهته، قلل أحد المواطنين لـ"عربي21": "لا أستطيع الحصول على الأرز إلا بسعر 25 جنيه للكيلو بعد أن كان 10 جنيهات فقط قبل أقل من عام، والحكومة لا توفر إلا كميات محدودة من خلال بطاقات التموين ومعارض وشوادر رمضان، وهي مؤقتة وليست دائمة".
تهديد الأمن الغذائي
اعتبر أستاذ العلوم الزراعية في مركز البحوث الزراعية بالقاهرة، عبد التواب بركات، والمتخصص في بحوث التنمية الزراعية وسياسات الأمن الغذائي، أن "الحكومة المصرية تتحمل المسؤولية في اضطراب السوق وغلاء الأسعار، وذلك عندما أجبرت الفلاح على التوريد الجبري للأرز بعد القمح لأنه المواطن الوحيد في العالم الذي لا يجد من يدافع عنه ضد النهب الحكومي والإفقار الممنهج له، حيث يحتكر النظام شراء هذه المحاصيل، ونهبها بسعر يقل عن السعر العالمي بـ50 بالمائة".
وأكد لـ"عربي21" أن "الفلاح، لو يعلم النظام، هو صمام الأمان للدولة المصرية والذي يزرع وينتج السلع الإستراتيجية بأسعار تنافسية"، مشيرا إلى أن "الأرز هو السلعة الوحيدة بديل رغيف الخبز ورفيقه على موائد المصريين الفقراء والأغنياء، لكن قرارات الحكومة المستمرة بتقليص المساحات المزروعة بأكثر من 70% لترشيد استهلاك المياه تسبب في الأزمة الحالية".
واستدرك قائلا: "مصر لجأت، لأول مرة لاستيراد الأرز خلال السنوات القليلة الماضية بعد أن كانت تحقق الاكتفاء الذاتي ، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي والأمن القومي وتضرر صناعة ضرب الأرز التي تشغل مئات المضارب على مستوى الجمهورية".