تشهد دولة
الاحتلال توترا مع العديد من دول العالم بسبب "
الانقلاب القضائي"، لا سيما مع حليفتها الأوروبية الأقوى وهي ألمانيا، فالتطورات الداخلية الإسرائيلية قد تمنع تل أبيب من استمرار استخدامها لمفردة
الهولوكوست لمواصلة ابتزاز برلين.
ويواجه التشديد الإسرائيلي على العلاقات المتبادلة مع ألمانيا، والتزامها بأمنها، باعتباره تحالفا موثوقا به، تصدعا حقيقيا في ضوء الأحداث الأخيرة في تل أبيب التي أظهرت أن برلين لديها مخاوف عميقة بشأن درجة تقاسم القيم المشتركة بينهما، لأن استمرار حالة الطوارئ في "إسرائيل" تساهم بتقويض "العلاقة الخاصة" بينهما، وهذه فقط البداية.
إلداد بن أهارون الباحث بمعهد أبحاث السلام في فرانكفورت، أكد أنه "يمكن سماع هذه النبرة السلبية في تصريحات رئيس ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير، حول خطط حكومة الاحتلال لتقليص جذري لصلاحيات المحكمة العليا لصالح الكنيست، علما بأن الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية إيلي كوهين إلى برلين منذ ثلاثة أسابيع أثارت شكوكًا كبيرة حول قوة تلك "العلاقات الخاصة"، وأظهرت العلاقات المتوترة بينهما، ما يعني أننا أمام اتجاه جديد للخلاف بينهما، وهي ظاهرة جديدة تماما".
وأضاف في
مقال نشره موقع محادثة محلية، ترجمته "عربي21" أن "الاتجاه السلبي في العلاقة مع برلين بدأ يتغلغل فعليا منذ عودة بنيامين نتنياهو لرئاسة الوزراء في 2009، لأن سياساته الاستبدادية وغير الليبرالية أدت لتآكل مصداقيته، وقد أبعد إسرائيل عن القيم الأوروبية، بما فيها ألمانيا والشركاء الليبراليون، مثل الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، ولعل الدليل على ذلك ما شهده شهر أبريل 2017، عندما رفض نتنياهو لقاء وزير خارجية ألمانيا في ذلك الوقت زيغمار غابريئيل، لأنه رفض إلغاء المحادثات مع المنظمات اليسارية".
وأكد أنه "لا يمكن لإسرائيل أن تكون مجرد دولة أخرى لألمانيا، لأن لها اعتبارا خاصا من الماضي، وحتى يومنا هذا لها حساسية دبلوماسية خاصة، لكن ما يوصف بـ"الذنب التاريخي" الذي تعانيه برلين لا يمكن أن يدفعها لقبول حكومة في تل أبيب تبتعد عن القيم التي تتشاركان بها، وهو ما يمكن العثور عليه بكلمات المستشارة السابقة أنغيلا ميركل خلال زيارتها في أكتوبر 2021، حين أخبرت رئيس الوزراء آنذاك نفتالي بينيت بأنه "من الخطأ أن تؤسس العلاقة بينهما فقط حول ذكرى المحرقة".
وأضاف: "اليوم نحن أمام نذر التوترات الحالية، وانعدام للثقة بين تل أبيب وبرلين، بسبب اتساع فجوتهما المعيارية، ومن المهم للغاية أن نفهم أنه إذا نجحت الأولى بالترويج لتشريعاتها الجديدة المثيرة للجدل، فسيكون من الصعب على برلين الدفاع عن تل أبيب حتى من خلال "المحرقة"، التي استخدمتها إسرائيل لتبرير إقامتها، أما بالنسبة لألمانيا في 2023 ففيها تسمع أصوات المثقفين والأكاديميين التي تحذر من أن انقلاب نتنياهو سيؤدي لخسارة كاملة في هذه الساحة".
من الواضح أن مواصلة "الانقلاب القضائي" في دولة الاحتلال لن يمكّنها مع ألمانيا بعد الآن من استخدام حجة تفرد الهولوكوست، لأن التطورات الجارية فيها كفيلة بإضعاف تأثيراتها، بعد أن استخدمها الاحتلال لتبرير وجوده على الأرض الفلسطينية، وابتزاز الدول الأخرى، والنتيجة أن ذلك سيؤدي للتشكيك بمشاعر الذنب الألمانية بشأن اتفاق التعويضات عن المحرقة.
في النهاية، فإنها إذا قوّضت دولة الاحتلال مؤسساتها القانونية والقضائية، فإن من شأن ذلك أن يضعف قدرة ألمانيا على الدفاع عن أفعالها على المسرح العالمي، بعد أن شكلت أداة حاسمة في الدبلوماسية الإسرائيلية.