انعكس انخفاض قيمة
الجنيه المصري على الموازنة الجديدة لمصر 2023-2024 بشكل مباشر على حجم المصروفات والإيرادات، وأثر بالسلب على نسبة
النمو المستهدف، وزاد من أعباء فرض المزيد من الضرائب والرسوم لزيادة موارد الدولة وتقليل الفجوة مع مصروفاتها.
بلغ حجم المصروفات في الموازنة الجديدة 2.83 تريليون جنيه (نحو 91.3 مليار دولار)، بزيادة نسبتها 30.5 بالمئة عن مخصصات العام الماضي، أما الإيرادات فقدرت قيمتها بنحو تريليوني جنيه (نحو 64.5 مليار دولار)، وبزيادة نسبتها 31 بالمئة، وبلغت نسبة العجز نحو 40 بالمئة بقيمة 26.8 مليار دولار.
وتضمنت الموازنة التي وافق عليها مجلس الوزراء وأحالها لمجلس النواب للتصديق عليها تحقيق فائض أولي تصل نسبته إلى 2.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ونمو مخصصات الدعم والمنح والمزايا الاجتماعية بنسبة 28.2 بالمئة والتي شملت زيادة دعم السلع التموينية بنسبة 20 بالمئة ودعم المواد البترولية بـ 24 بالمئة ودعم معاش الضمان الاجتماعي بـ 24 بالمئة.
وقُدر معدل النمو المستهدف بموازنة العام المالي الجديد 2023-2024 عند 4.1 بالمئة، بدلا من توقعات الحكومة السابقة للنمو بنسبة 5.0 بالمئة، وتوقعات سابقة عند 5.5 بالمئة؛ نتيجة ضغوط نقص العملة الأجنبية، وارتفاع التضخم على
الاقتصاد.
ورغم نمو متوقع لإجمالي الإيرادات بالموازنة الجديدة بنسبة 38.4 بالمئة، إلا أن أغلبها سيأتي من الإيرادات الضريبية التي من المتوقع أن ترتفع بنسبة 28 بالمئة؛ وذلك بعد توسعة القاعدة الضريبية وتسجيل مُمولين جُدد، وتعزيز جهود الميكنة، فضلًا عن تنفيذ عدد كبير من الإصلاحات الإدارية والتشريعية، بحسب بيان مجلس الوزراء.
"مشكلات جوهرية"
اعتبر الباحث الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، أن "الموازنة العامة للدولة تعكس الأوضاع الاقتصادية للبلاد بشكل عام، ومن الملاحظ أن خفض الجنيه أدى إلى مشكلات جوهرية في الاقتصاد وأصبحت الموازنة مثقلة بمزيد من الديون، وتراجع معدلات النمو رغم أنها لا تنعكس بأثر إيجابي على صعيد المؤشرات الاقتصادية الكلية، كما لم تساعد في حل مشكلات البلاد الاقتصادية".
وأوضح في حديثه لـ"
عربي21": "في ما يتعلق بزيادة مخصصات الأجور والدعم، بلا شك أنها لا تتناسب مع معدلات التضخم التي بلغت 31 بالمئة ومن المتوقع أن تواصل ارتفاعها في ظل تراجع قيمة الجنيه مقابل العملات الصعبة خلال الفترة المقبلة مع استمرار زيادة معدلات الفائدة، إلى جانب استمرار الفجوة بين الأسعار والأجور؛ نتيجة موجات التضخم المتتالية".
وكشف الصاوي أن "قيمة مخصصات الإنفاق في الموازنة الجديدة رغم زيادتها بنسب تصل إلى 25 بالمئة لكنها في الحقيقة تقلصت إذا ما تم احتساب القيمة الحقيقية للمصروفات والإيرادات بالدولار وليس بالجنيه بين الموازنة الحالية والموازنة الجديدة؛ وبالتالي فإن أثر الزيادة لن يكون له آثار تذكر أو ذات قيمة لأنها لا تغطي نفس احتياجات العام الماضي".
ورهن الباحث الاقتصادي تحقيق المستهدفات في الموازنة الجديدة التي يشوبها الكثير من الغموض وعدم اليقين "بأن تستطيع الحكومة المصرية تحقيق الإيرادات والمصروفات في ظل التحديات التي تواجهها في توفير العملة الصعبة والحفاظ على قيمة العملة المحلية وتحجيم الزيادة بالموازنة العامة حتى لا تستمر أزمة الديون الداخلية والخارجية وزيادة أعباء الدين العام.
خفض الجنيه وشح الدولار
بدوره؛ أكد الخبير الاقتصادي، أحمد ذكر الله، أن "خفض الجنيه عدة مرات العام الماضي له تأثيرات سلبية على عجز الموازنة، وبالتالي لن تستطيع مصر الالتزام بنسبة العجز التي اتفقت عليها مع صندوق النقد الدولي؛ نتيجة زيادة أقساط الديون وفوائدها ما يشكل ضغط مستمر على موازنة الدولة، ولن تستفيد مصر من انخفاض أسعار المواد البترولية والغذاء العالمية بسبب الصعوبات في توفير الدولار".
وأضاف في تصريحات لـ"
عربي21": "الدولة أصبحت مقيدة في تحريك أسعار المواد البترولية في السوق المحلية في ظل تدني دخول المواطنين وتراجع قيمة العملة المحلية، كان من المفترض أن تنتهي مصر من أعباء هذا الدعم لولا الانهيار الذي حدث في قيمة الجنيه".
وفي ما يتعلق بزيادة الأجور والمعاشات، أوضح أن "الزيادة لا تتناسب مع معدلات التضخم الكبيرة، ورغم ذلك زادت من أعباء الموازنة العامة، وكان من الممكن تجنبها في حال لم تكن هناك أزمة دولار أو أزمة خفض العملة أو أزمة تضخم كبيرة، إلى جانب ذلك سيواصل البنك المركزي المصري سياسته النقدية المتشددة وزيادة أسعارها ما يزيد من الأعباء التمويلية للمصانع والشركات".
وأشار ذكر الله إلى أن "استمرار الانكماش الاقتصادي يشكل تحديا أمام الحكومة في تحصيل المزيد من الضرائب التي تعتبر المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة والتي تصل نسبتها إلى 75 بالمئة من إجمالي إيرادات الدولة، ومن المتوقع أن تزيد الحكومة الضرائب وأسعار رسوم الخدمات العام المالي المقبل الذي يبدأ في تموز/ يوليو المقبل".