نشرت
صحيفة "
فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلتيها هبة صالح وإيمي كازمين قالتا فيه
إن المهاجر الإيفواري فوفانا داودة ورفاقه الخمسة قضوا أسابيع من النوم في شوارع
تونس
مؤخرا بعد أن طردهم صاحب المنزل من منزلهم مع موجة من العنصرية التي تستهدف الأفارقة
من جنوب الصحراء التي اجتاحت تونس.
لقد
ساعد العنف، الذي تعرض فيه مهاجرون وبعض التونسيين السود للهجوم في الشوارع وطردهم
من وظائفهم ومنازلهم، في تأجيج موجة
الهجرة المتصاعدة أصلا عبر البحر الأبيض المتوسط
والتي تثير قلق أعضاء الاتحاد الأوروبي، وخاصة
إيطاليا، التي يصل الكثير منهم إلى شواطئها
أولا كمدخل إلى أوروبا.
يخطط
داودة للانضمام إلى النزوح الجماعي. قال الشاب البالغ من العمر 19 عاما، والذي عمل
في تونس لمدة عامين كرسام في قطاع البناء: "لا يمكنني العمل هنا بعد الآن لأن
الناس يخشون توظيفنا".
تصاعدت
الهجمات ضد المهاجرين بعد أن قال قيس
سعيد، الرئيس التونسي الذي يزداد استبدادا، في
شباط/ فبراير، إن هناك "مؤامرة إجرامية" لتوطين الأفارقة من جنوب الصحراء
في تونس وتغيير "التكوين الديموغرافي". وتحدث عن "جحافل" المهاجرين
غير الشرعيين، "وكل ما يترتب على ذلك من عنف وجريمة وممارسات غير مقبولة".
قالت
شيماء بوهليل، وهي معلقة سياسية تونسية وناشطة في المجتمع المدني: "عندما تحدث عن
التغيير الديموغرافي، شرع العنصرية".
أدى
المناخ العدائي إلى فرار الكثيرين، مع نتائج مأساوية في كثير من الأحيان. في الأسبوعين
الماضيين، غرق عشرات المهاجرين قبالة الساحل التونسي في ستة حوادث منفصلة عندما غرقت
قواربهم. لكن الخطر لم يردع داودة. وقال: "أعرف العديد من الأصدقاء الذين وصلوا
إلى إيطاليا. عليك أن تخاطر. والدتي لديها نصف نقود العبور، لكنها تريدني أن أعود إلى
الوطن. أنا أتفاوض معها".
وفقا
لوزارة الداخلية الإيطالية، وصل منذ بداية العام حوالي 15،600 شخص إلى البلاد على متن
قوارب بدأت رحلتها من تونس بزيادة عشرة أضعاف عن نفس الفترة من العام الماضي.
وأثار
تدفق اللاجئين قلق حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني اليمينية التي تعهدت بقمع الهجرة
غير الشرعية. وفي محاولة لردع الناس عن محاولة العبور الخطير، فرضت روما قيودا على
أنشطة المنظمات الإنسانية التي تدير قوارب إنقاذ للمهاجرين المعرضين لخطر الغرق.
وطالبت حكومة ميلوني دول الاتحاد الأوروبي الأخرى بإظهار "التضامن" من خلال
استيعاب المزيد من المهاجرين غير الشرعيين الذين يصلون إلى الشواطئ الإيطالية. وفي العام
الماضي، وصل 105,131 شخصا إلى إيطاليا عبر البحر الأبيض المتوسط، ارتفاعا من 67,477 في
عام 2021 و 34،154 في عام 2020.
وقال
دبلوماسي غربي مقيم في تونس: "الإيطاليون مرعوبون من الهجرة. في العام الماضي،
ارتفعت الأرقام كثيرا وهذه الزيادة كبيرة هذا العام.".
لا يشمل
تدفق المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء فحسب، بل يشمل أيضا التونسيين الهاربين من
الأزمة الاقتصادية في بلادهم. وبحسب المنظمة الدولية للهجرة، فإنه عبر حوالي 1600 تونسي
البحر الأبيض المتوسط على متن قوارب مهربين في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023 ارتفاعا
من 900 في نفس الفترة من العام الماضي.
وفي ظل
التضخم ونقص الغذاء، وصل الدين التونسي إلى 90% من الناتج المحلي الإجمالي، مع تحذير
الاقتصاديين من ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد. ولا تزال خطة الإنقاذ التي تبلغ 1.9
مليار دولار من صندوق النقد الدولي متوقفة بعد أن رفض سعيد الموافقة عليها، ويخشى المانحون
من أنه سيرفض تنفيذ الإصلاحات التي وافقت عليها حكومته إذا بدأ الصرف قبل أن يفعل ذلك.
كما
أن البلاد غارقة في الاضطرابات السياسية بعد أن تحرك سعيد في عام 2021 لتركيز السلطة
في يديه. وقد أعاد كتابة الدستور لإزالة الضوابط والتوازنات على السلطة الرئاسية واستبدال
البرلمان المنتخب ديمقراطيا بمجلس بلا أسنان، بينما تم سجن المعارضين.
وتخشى
إيطاليا أن يدفع الانهيار الاقتصادي لتونس ما يصل إلى 900 ألف شخص عبر البحر الأبيض
المتوسط نحو أوروبا عبر إيطاليا هذا العام. وحذر جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية
بالاتحاد الأوروبي، الشهر الماضي من أن "الانهيار" الاجتماعي والاقتصادي
للدولة الواقعة في شمال أفريقيا سيؤدي إلى موجة من الهجرة.
وكانت
ميلوني ووزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني يضغطان على صندوق النقد الدولي وبروكسل
والولايات المتحدة للإفراج عن الحصة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي حتى بدون موافقة
سعيد لمنع حدوث أزمة مالية كاملة.
وقالت
ميلوني في مناسبة عامة في آذار/ مارس: "هذه الأيام، أقضي أيامي على الهاتف مع
كل الأشخاص الذين أستطيع الوصول إليهم كي أحاول تحرير قرض من صندوق النقد الدولي لتونس،
والذي بدونه تكون البلاد في خطر مالي كبير. إذا ساءت الأمور، هل سيكون أفضل أم سيكون
أسوأ بالنسبة للمواطنين التونسيين؟".
وفي
مكالمات مع كبار المسؤولين الأمريكيين، حذرت روما من أن عدم وجود دعم غربي لتونس سيفتح
الباب أمام النفوذ الروسي والصيني. وقال مسؤول إيطالي لصحيفة "فايننشال تايمز":
"هناك خطر جيوسياسي. نحن بحاجة إلى إيجاد خارطة طريق لدعم الاقتصاد التونسي دون
السماح للبلاد بالانهيار التام".
وقال
رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو منظمة
مجتمع مدني، إن سعيد كان استخدم المهاجرين ككبش فداء لصرف الانتباه عن الاقتصاد الفاشل
والوضع السياسي. وأضاف: "إنه يخلق عدوا جديدا ويصور نفسه كمخلص".
وقال:
"لدى الإيطاليين مطالب واضحة في ما يتعلق بالهجرة، لكن الإجراءات الأمنية لم تكن
كافية لوقف التدفق. هدف سعيد هو خلق بيئة معادية للمهاجرين (لمنعهم حتى من القدوم إلى
تونس)".
قد يكون
لسياسته تأثير على الرغم من إصرار داودة وآخرين على المضي قدما في خططهم للوصول إلى
أوروبا. فقد أعادت بعض الدول الأفريقية بالفعل مواطنين طلبوا العودة إلى أوطانهم. وقال
كستيا إيبوث، وهو طالب كونغولي في مجال الأمن السيبراني، وموجود في تونس بشكل قانوني،
إنه كان يقوم بترتيبات للعودة إلى بلاده بعد أربع سنوات في تونس.
وقال:
"منذ خطاب الرئيس، يصرخ الناس علينا في الشارع للعودة إلى أوطاننا. لم يعد بإمكاني
ركوب المترو أو المواصلات العامة. في الماضي كان يمكنني أن أقول إن التونسيين هم أفضل
من قابلتهم على الإطلاق، لكن الآن يبدو الأمر كما لو أن هناك بعض الأشخاص الذين لديهم
شيء في قلوبهم لا يمكنهم التعبير عنه، وقد منحهم الرئيس الإذن".