كشفت مصادر سياسية عراقية خاصة عن تفاصيل لقاء عاصف عقد بين رئيس البرلمان محمد
الحلبوسي، ورئيس الوزراء محمد شياع
السوداني، لإنهاء القطيعة الحاصلة بينهما جرّاء الخلاف حول عدد من الملفات، لا سيما الموازنة المالية لعام 2023.
وكانت الحكومة
العراقية، قد أحالت إلى البرلمان في منتصف الشهر الماضي، موازنة ثلاث سنوات مالية (2023، 2024، 2025)، لكنها لم تأخذ طريقها إلى الإقرار بسبب خلافات حصلت بين السوداني والحلبوسي، دفعت الأخير إلى منح نفسه إجازة لمدة أسبوعين.
لقاء عاصف
وقالت المصادر العراقية، طالبة عدم الكشف عن هويتها في حديث لـ"عربي21" إن "خميس الخنجر زعيم ائتلاف السيادة السني، استضاف في منزله ببغداد، الثلاثاء، رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس الحكومة محمد شياع السوداني، على مأدبة إفطار لإنهاء الخلاف بينهما".
وأوضحت أن "السوداني أبلغ الحلبوسي خلال اللقاء أنه لا يحق له التدخل في الأمور التنفيذية للدولة، وضرورة الالتزام في حدود رئاسته للبرلمان، وألا يقوم بإصدار توجيهات للوزراء، أو المحافظين في المحافظات المحررة من تنظيم الدولة (الأنبار، نينوى، كركوك، صلاح الدين)".
ولفتت إلى أن "السوداني حذر الحلبوسي من تعطيل قرارات الحكومة بالطريقة التي كان يتبعها في عهد رئيسي الحكومتين السابقتين، لا سيما ما يتعلق بتمرير الموازنة المالية، الأمر الذي تسبب في فشل اللقاء بينهما في منزل الخنجر".
وأشارت المصادر إلى أن "الحلبوسي اتصل بعد ذلك برئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان لترتيب لقاء آخر مع السوداني، الذي جرى بالفعل في منزل زيدان، لكن موقف رئيس الوزراء لم يتزحزح بخصوص ربط تمرير الموازنة بملفات أخرى، رغم كل مناورات رئيس البرلمان".
وأكدت المصادر أن "رئيس الوزراء رفض مناقشة موضوع القبض على مدير وموظفي التسجيل العقاري في الأنبار -مع الحلبوسي- والتي يشتبه في تورط شخصيات قريبة من الأخير فيها، وتزوير عشرات الآلاف من سندات الأراضي في المحافظة، وتلقي رشاوى بمبالغ كبيرة".
وأعلنت هيئة النزاهة العراقية، الثلاثاء، عن تنفيذها عملية "كبرى واستثنائية" بمديرية التسجيل العقاري في محافظة الأنبار أسفرت عن القبض على مديرها و5 مسؤولين فيها بتهمة التلاعب والتزوير في أضابير تمليك عشرات الآلاف من الأراضي.
ولفتت المصادر إلى أن "الحلبوسي سيعلق إجازته ويرجع إلى البرلمان لتمرير الموازنة المالية خصوصا أن الكتل البرلمانية عقدت جلسات بخصوصها وجرت قراءتها قراءة أولى، وبالتالي فلا جدوى من بقائه هو وكتلة حزبه (تقدم) خارج الجلسات".
وكان المكتب الإعلامي لرئيس البرلمان قد نفى السبت، ما تداولته بعض وسائل التواصل الاجتماعي حول "وجود وساطات من قيادات سياسية بداعي الصلح بين رئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء".
انقسامات حادة
وتعليقا على ذلك، قال السياسي العراقي المعارض، أحمد الأبيض، إن "النظام السياسي يثبت فشله يوما بعد آخر، وإن السلطات ليست موزعة بشكل يحقق أهداف المجتمع، والأحزاب السياسية التي يفترض أن تكون وطنية".
ورأى الأبيض في حديث لـ"عربي21" أن "هذا الانقسام الحاد بطريقة توزيع السلطات جاء على أساس المحاصصة الطائفية، وانتقل بعد ذلك إلى شخصيات تعتقد أنها قادرة على إدارة المشهد".
ولفت السياسي العراقي إلى أن "هناك رغبة كبيرة في إزاحة الحلبوسي من المشهد السياسي، وأن الأخير خسر حلفاءه سواء من التيار الصدري أو الإطار التنسيقي، واليوم يفقد أيضا سيطرته على المحافظين في المحافظات المحررة من تنظيم الدولة".
وأشار الأبيض إلى أن "الخلاف على الموازنة المالية سببه في الأساس أن الحلبوسي يريد حصة منها مساوية لحصة إقليم كردستان العراق أي نحو 13 بالمئة من الموازنة العامة، تحت عنوان المحافظات المحررة، وبالتالي هو يتصرف بها".
وأكد السياسي العراقي أن "محاولة الإصلاح بين الحلبوسي والسوداني لم تأت بشيء لأن الطرفين لديهما اعتداد بالرأي، لكن يبدو أن رئيس البرلمان الحالي أصبح مستقبله السياسي مجهولا، وأن الإطاحة به باتت قريبة جدا".
وكشف الأبيض عن "توجه وفد سياسي رفيع المستوى من المحافظات المحررة، وتحديدا من الأنبار ونينوى، إلى إيران لغرض الإطاحة بالحلبوسي وإيجاد بديل، وأن الوسط السني حاليا يشهد صراعا بهذا الجانب".
وشدد على أن "النتيجة النهائية من لقاء السوداني والحلبوسي هي أنه لم يفض إلى صلح بين الطرفين، وأن الأخير شعر بخطر بعد أن بدأ الإطار التنسيقي يعقد جلسات البرلمان بدونه".
وأضاف الأبيض: "بعد أن مرر الحلبوسي قانون الانتخابات المثير للجدل للإطار التنسيقي، انتهت ورقته وكذا الأمر بالنسبة للموازنة المالية التي أيضا سيجري تمريرها سواء به أو بغيره، لذلك عُقدت أكثر من جلسة للبرلمان في غيابه، وبالتالي فهو انتهى سياسيا".
دعاية انتخابية
وبخصوص الملفات التي طالب الحلبوسي قوى الإطار التنسيقي وحكومة السوداني تنفيذها، ولاسيما قانون العفو العام، وإعادة النازحين السنة لمناطق سكناهم، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي سعدون التكريتي إن "الموضوع للدعاية الانتخابية".
وتساءل التكريتي في "عربي21": "أين كان الحلبوسي عن هذه المطالب طوال هذه الفترة ولم يتخذ إجراءات مع الحكومة لتفعيلها، لا سيما في عهد حليفه رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي؟".
وأوضح الباحث أن "الحلبوسي يشعر حاليا بحرج كبير، لأن معارضيه من القوى السياسية السنية يؤكدون عدم اهتمامه بهذه القضايا رغم أنها أصبحت مطلبا عاما للسنة، لذا أراد أن يسحب البساط من تحت أرجلهم بمطالبته بها حاليا، ويجعلها محور دعايته الانتخابية".
ولفت التكريتي إلى أن "رئيس الحكومة الحالية عندما قدم برنامجه لم يدرج مطالب تحالف السيادة فيه، بل جعلها في ورقة مستقلة، وهذا يعني أنه لا يمانع في تنفيذها لكنه لا يتبناها، لأن الأمر غير متعلق به بل بالقوى السياسية، وبالتالي فإن على الحلبوسي أن يتفق معهم".
وأشار الباحث إلى أن "قوى الإطار التنسيقي الشيعي تعاملت مع كل واحد من هذه المطالب بطريقة التسويف ذاتها التي اعتمدتها مع جميع القوى السياسية السنية، وبالتالي فإن الحلبوسي يحاول اليوم البقاء في منصبه حتى وإن لم تفذ ورقة الاتفاق، وأن طرحه لها حاليا دعائي لا أكثر".
ويشهد العراق أزمة جديدة تتعلق بمساعي إقرار قانون العفو العام والإفراج عن عشرات آلاف المعتقلين السُنة الذين زج بهم في السجون جراء وشاية مخبر سري، وانتزعت منهم الاعترافات تحت وطأة التعذيب، لتصدر بحقهم أحكام قضائية يصل الكثير منها إلى المؤبد والإعدام.
وأعلن خميس الخنجر زعيم تحالف السيادة (أكبر كتلة للسنة في البرلمان) خلال حديث تلفزيوني للصحفيين، الجمعة، أنهم أمهلوا الحكومة الحالية، وقوى "الإطار التنسيقي" الشيعي حتى نهاية شهر رمضان للوفاء بتعهداتهم في إقرار القانون قبل تشكيل الحكومة.
وتحدثت وسائل إعلام محلية عن نية تحالف "السيادة" السني تعليق حضوره في البرلمان، وبالتالي تأخير التصويت على الموازنة المالية التي أرسلتها الحكومة مطلع الشهر الماضي، لمدة ثلاث سنوات، في محاولة للضغط على القوى الشيعية لتمرير "العفو العام".