نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا تحدث فيه عن مشروع
الكابلات الجديد الذي أطلقته
السعودية والذي سيعيد رسم خريطة المستقبل.
وقال الموقع، في
تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الحياة الحديثة تعتمد على الإنترنت والمئات من كابلات الألياف الضوئية تحت الماء التي تجتاز العالم، وتحمل الخدمات الرقمية الأساسية من بلد إلى آخر في أجزاء من الثانية.
وهيمنت
مصر دائمًا على هذه الشبكة؛ إذ يمر حوالي 17 إلى 30 بالمئة من جميع اتصالات الإنترنت العالمية عبر البحر الأحمر وعبر مصر، وتربط أوروبا بآسيا. ومع ذلك؛ تعتبر مصر نقطة اختناق لصناعة كابلات الألياف الضوئية نظرًا لعدم وجود طرق بديلة عبر منطقة جغرافية إستراتيجية في جزء مهم من العالم.
وقد تمكنت مصر من استخدام هذه الميزة لصالحها لسنوات عديدة. ومع ذلك يقول بول برودسكي، كبير المحللين في شركة أبحاث الاتصالات "تيلي جيوغرافي" في واشنطن، إنه "كانت هناك شكوك بأن مصر تعد نقطة فشل للكابلات التي تعمل بين أوروبا وآسيا والشرق الأوسط وشرق أفريقيا؛ حيث يحتكر المشغل الصناعة بسبب نقص التنوع التجاري في خطوط الكابلات. لكن هل هناك طريقة للتخلص من هذا الاعتماد؟".
وأوضح الموقع أنه في أيلول/ سبتمبر 2020؛ عمدت اتفاقيات إبراهيم إلى تطبيع العلاقات بين "
إسرائيل" والإمارات والبحرين، مما يشير إلى مسار جديد محتمل للكابلات من البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الهندي لتجاوز مصر، ولكن هذه الخطة ستحتاج إلى تعاون ومشاركة السعودية، التي ليست من الدول الموقّعة على الصفقة.
وبحسب الموقع؛ فهكذا تم الإعلان عن مشروعين للكابلات سيمران عبر "إسرائيل" إلى الأردن، ثم بشكل منفصل إلى السعودية. ولكن هذه المشاريع الجديدة لن تطغى على هيمنة القاهرة على السوق، إذ يوجد حوالي 16 كابلا في جميع أنحاء مصر. ومع ذلك؛ يتم إعادة رسم خريطة الألياف الضوئية للشرق الأوسط، بدعم من الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية القوية.
كابل غوغل لزيادة السعة
وأفاد الموقع أن مشروع كابل "بلو رامان" التابع لشركة "غوغل" والذي تبلغ تكلفته 400 مليون دولار؛ سيكون أول خطوة لتجاوز مصر؛ حيث سيتم استخدام كابلين منفصلين، لذلك لا يبدو أنهما سيربطان بين إسرائيل والسعودية.
ويمتد الكابل الأزرق؛ المقرر افتتاحه السنة المقبلة، من أوروبا إلى تل أبيب في "إسرائيل"، ثم يعبر البر إلى الأردن، وهناك يلتقي بكابل "رامان" الذي يربط الأردن بالمملكة العربية السعودية.
ووفق الموقع؛ فقد أوضح برودسكي أن "نظام رامان يعتبر نظاما تقليديا تحت سطح البحر، ويمتد من عمّان حول شبه الجزيرة العربية، ويمر عبر باب المندب والبحر الأحمر، مثل جميع الكابلات". لكن الخدعة تكمن في أنه سيرتبط بمكانين فقط، وهما مدينة ضبا، على ساحل البحر الأحمر بالمملكة العربية السعودية - على بعد 25 كيلومترًا فقط من مشروع مدينة نيوم العملاقة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار - ثم يتجه الكابل بعد ذلك مسافة 400 كيلومتر شمالًا إلى ميناء العقبة الأردني، حيث سيلتقي بالكابل الأزرق على الجانب الإسرائيلي.
وذكر الموقع أنه من خلال إنشاء الكابل؛ تأمل شركة "غوغل" في تأمين طريقها الخاص إلى مراكز البيانات السحابية الثلاثة في إسرائيل، والاتصال أيضًا بثلاثة مراكز بيانات يتم تطويرها في المملكة العربية السعودية وأخرى في قطر. وقال برودسكي إن "شركة "غوغل" تحتاج إلى عرض نطاق ترددي كافٍ لمراكز البيانات السحابية الخاصة بها، وحتى إذا كان هناك نطاق ترددي كافٍ في الوقت الحالي، فإن هذه المتطلبات تحفز المزيد من الاستثمارات في الكابلات البحرية".
وبين الموقع أن السعودية تحتاج إلى مزيد من عرض النطاق الترددي لتحقيق إستراتيجيتها الخاصة برؤية 2030 للتنويع الاقتصادي، وهي تستثمر بكثافة لتصبح المركز الرقمي للشرق الأوسط.
ففي سنة 2022؛ أعلنت شركة الاتصالات السعودية المملوكة للدولة عن استثمار بقيمة مليار دولار لتطوير مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتعزيز خطط الرقمنة لتصبح واحدة من شركات الاتصالات الرائدة في المنطقة.
كما تعمل شركة الاتصالات السعودية على تطوير أول كابل محلي في المملكة، وهو كابل الرؤية السعودية، والذي يمتد على طول الساحل الغربي للمملكة من جدة شمالًا إلى مدينة نيوم، ويوصف بأنه "أول كابل بحري عالي السعة على الإطلاق" في منطقة البحر الأحمر.
ونقل الموقع عن جوليان راول؛ مستشار كابلات الألياف الضوئية البحرية في الولايات المتحدة، إن "السعودية تحتاج إلى بناء شبكة اتصال أكبر إذا أرادت جذب كبرى الشركات التكنولوجية، مثل "غوغل" و"ميتا" و"مايكروسوفت"، وإنشاء مراكز بيانات. والجدير بالذكر أن المملكة المتحدة تمتلك أكثر من خمسين وصلة كابل".
وأشار إلى أن شركة الاتصالات السعودية ستستخدم مركز الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتشغيل ممر البيانات من الشرق إلى المتوسط، والذي سيتضمن ستة مراكز بيانات جديدة وأربعة كابلات جديدة تحت سطح البحر؛ حيث يقول راول إن "ممر البيانات من الشرق إلى المتوسط يعتبر جزءًا مهما للغاية من رؤية السعودية 2030، لكنهم يلعبون دورًا في اللحاق بالركب في زيادة سرعة هذا البرنامج بينما تتقدم الكابلات الأخرى"، مشيرًا إلى أن "فكرة جلب كابلات الجهات الخارجية وتوفير مركز للتوصيل البيني بأنظمة الكابلات المختلفة يعتبر فكرة جديدة".
وذكر الموقع أن ستة كابلات جديدة ستستقر في السعودية في السنوات الثلاث المقبلة، بما في ذلك كابل "رامان" وكابل شركة الاتصالات السعودية، إضافة إلى الكابلات الخمسة عشر الموجودة بالفعل، وذلك وفقًا لبيانات شركة "تيلي جيوغرافي"، كما سيرتبط كابل "2 إفريقيا" التابع لشركة "ميتا" البالغ طوله 45 ألف كيلومتر في مدينة جدة وينبع وضبا، وعلى حد تعبير برودسكي، فإن "هذا الكابل هو الذي يوصل جميع الكابلات، وشبكاته تهبط في كل مكان".
لماذا تعتبر الكابلات الأرضية ثورية؟
وأفاد الموقع بأن مشروع الكابل السابع والأكثر ثورية المخطط له في المملكة العربية السعودية، والذي أطلق عليه اسم "نظام" سيمر عبر أوراسيا؛ تم تطويره بشكل خاص وسيمتد الكابل من أوروبا إلى الهند، متجاوزًا مصر، ولكن على عكس معظم الكابلات الأخرى، سيمر جزء منه عبر الأرض.
وسيتم تقسيم الكابل إلى قسمين مثل كابل "بلو رامان"، حيث سيمتد الكابل الشمالي من أوروبا تحت البحر الأبيض المتوسط إلى إسرائيل، ثم يعبر إلى عمّان برًّا، ومن هناك سوف يعبر شرقًا عبر المملكة العربية السعودية إلى رأس الخير في الخليج العربي.
في هذه الأثناء؛ يمر الكابل الجنوبي عبر إسرائيل، ثم جنوبًا إلى العقبة، نزولًا عبر البحر الأحمر، عبر خليج عدن، وفي النهاية يستقر مثل الكابل الآخر في مومباي، الهند.
وأوضح راول: "يعتبر كابل "نظام" عبر أوراسيا الشمالي نهجًا ثوريًا حيث إنه سيعبر أراضي المملكة العربية السعودية ويتجنب البحر الأحمر تمامًا".
ولفت الموقع إلى أنه من غير المعتاد أن يمر الكابل فوق سطح الأرض؛ فعادة ما يمر عبر البحر باعتباره أكثر أمانًا، كما أن عبور الأرض يعتبر أكثر تعقيدًا من الناحية الفنية، حيث يتعين على المشغلين مراعاة وجود السكان بالإضافة إلى المناخ الأكثر تنوعًا. وأشارت شركة "سنتوريون" إلى أن الكابلات "المثبتة في البيئات الصحراوية القاسية في الشرق الأوسط" تتطلب شروط تصنيع وتركيب خاصة، كما يتطلب الكابل الأرضي أيضًا المزيد من الوصلات التي تربطهم ببعضهم البعض، غير أن الكابلات الأرضية يمكن أن تتبع في بعض الأحيان مسارًا مباشرًا مقارنة بالكابلات تحت سطح البحر.
وتابع الموقع مع راول الذي أضاف أن "الكابل يمر في الغالب عبر الصحراء، التي لا تضم عددًا قليلًا من السكان. وفيما يتعلق بقضايا الصيانة، تعتبر الصحراء طريقًا بريًا أقل خطورة، وهو في الحقيقة مجرد مسألة توفر الموارد للصيانة لإجراء الإصلاحات عند الحاجة"، ويتم تمويل المشروع من قبل مستثمرين إسرائيليين وأمريكيين وبريطانيين وخليجيين.
ومع ذلك؛ بينما يتطور مشروع نظام عبر أوراسيا بوتيرة سريعة؛ تم توقيع اتفاقية في آذار/ مارس مع شركة "أليينس نيتوورك" البحرينية كشريك في هبوط الكابلات.
وقال راول إنه "نظرًا لكون شركة "سنتوريون" تعتبر شركة خاصة ناشئة، فقد استغرق الأمر وقتًا طويلاً لتطوير مشروع نظام عبر أوراسيا ولا تزال هناك بعض العقبات الكبيرة التي يجب التغلب عليها".
تجنب أخطاء مصر
وأكد الموقع على أنه إذا كانت السعودية ستصبح قوة رئيسية في سوق الكابلات، فعليها تجنب بعض الأخطاء التي ارتكبتها مصر، بما في ذلك عدم مفاقمة السوق من خلال الشحن الزائد، أو إهدار الفرصة لتصبح مركزًا للبيانات، حيث يقول راول إنه "إذا أراد السعوديون أن يكونوا مركزًا إقليميًا، فعليهم أن يجعلوا ذلك جذابًا بدرجة كافية. لقد اختارت مصر استغلال موقعها إلى أقصى حد ممكن لتوليد الإيرادات دون الاستثمار في أن تصبح مركزًا".
ونوه إلى أن مصر أصبحت قناة بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي بدلًا من تبني وجهة نظر على المدى الطويل، مثلما تفعل المملكة العربية السعودية على ما يبدو. ومع ذلك، يرى راول أن "السعودية تقدم بديلاً لمصر، ويمكن أن تصبح مركزًا للمنطقة".
ورأى أنه من المتوقع أيضًا أن يؤدي الصراع المستمر بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى أن تصبح السعودية المركز الاقتصادي والرقمي للخليج؛ فيقول جيمس شايرز، باحث أول في معهد "تشاتام هاوس" ومؤلف كتاب سياسات الأمن السيبراني في الشرق الأوسط، إنه ما لم يتعرض الوضع الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة للتهديد، فسيكون هناك دائمًا المزيد من المنافسة في السوق الحرة بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
واختتم الموقع التقرير بالقول إن القاهرة عرفت التنوع المتزايد في قطاع الكابلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبحسب ما ورد، خففت مصر من رسوم العبور التي تفرضها على المشغلين، فيما قال راول إنه "إذا تم تشغيل كل هذه الكابلات الجديدة، فسيكون هناك توازن جديد في سوق الكابلات الإقليمية. ولن يكون هناك رابحون أو خاسرون، ولكن ستكون هناك مرونة أفضل في الشبكة التي تربط الشرق بالغرب".