عشية الاتفاق السعودي- الإيراني، وبينما كانت الأنظار
متّجهة إلى الصين لرصد خطوات الاتفاق التدريجية والتي ترجمت بلقاء وزيري الخارجية
السعودي والإيراني، عادت الجبهة الجنوبية
اللبنانية إلى واجهة الأحداث، من خلال
رشقات الصواريخ التي أُطلقت من لبنان في اتجاه بعض المستعمرات
الإسرائيلية، وفيما
أكد
حزب الله عدم مسؤوليته عنها من خلال رسائل عدة.
تعتقد العديد من الأطراف الإقليمية أن الضربات
المتكررة الإسرائيلية لدمشق، معطوفة على التطورات في القدس والضفة وحالة الضيق
السياسي لحزب الله في لبنان، كلها عوامل أنتجت تشنجات كبيرة في المنطقة، بالإضافة
لتهديد الجهاد الإسلامي بالرد على اغتيال المسؤول الأمني وأحد كوادر الحركة علي
الأسود في دمشق، وهذه الإشارة تعبير جلي من قبل فصائل المقاومة عن أن غرفة
العمليات العسكرية المباشرة مفعّلة بين قوى المقاومة، ما يعني أن الرد هو تعبير عن
موقف موحد لكل هذه القوى، بغض النظر عن الجهة التي عملت على إطلاق الصواريخ بشكل
مباشر.
هذه الإشارة تعبير جلي من قبل فصائل المقاومة عن أن غرفة العمليات العسكرية المباشرة مفعّلة بين قوى المقاومة، ما يعني أن الرد هو تعبير عن موقف موحد لكل هذه القوى، بغض النظر عن الجهة التي عملت على إطلاق الصواريخ بشكل مباشر
وزاد التطورات تشنجاً موقف مجلس الأمن المنحاز لإسرائيل،
كل هذا استجلب وسيستجلب ردّات فعل في غياب أي موقف دولي منصف. أما الواقع في لبنان
الذي يتسبب به المجتمع الدولي الداعم لإسرائيل سيولّد تحلّلاً على مدى قدرة الدولة
في بسط سيطرتها الكاملة على الأرض.
والأكيد أن مجموعة العمليات من لبنان والداخل
ومؤخراً في غور الأردن، تنطوي على أكثر من رسالة وإشارة، في سياقاتها وتوقيتها،
كما تعيد تثبيت قواعد جديدة للاشتباك في إطار الرد على أي ضربة إسرائيلية تستهدف إيران
أو حزب الله في سوريا أو لبنان. أما ميدانياً فتشي الوقائع بأن ما جرى هو إعلان عن
التجربة الأولى لمشروعية وحضور "غرفة العمليات المشتركة" بين الحزب
وحماس والجهاد الإسلامي.
وثمة اعتقاد بأن الاتصالات الدولية والديبلوماسية التي
جرت بعد التصعيد الحاصل هي للتأكيد الفعلي على عدم وجود قرار دولي بأي تصعيد. أما
الأمر الوحيد الذي يختلف بالمعطى الميداني هذه المرة فهو كمية الصواريخ التي
أطلقت، وأنها لم تطلق باتجاه مساحات خالية، إنما أصابت مواقع ومحال تجارية وسيارات
وأدت إلى سقوط جرحى من الجانب الإسرائيلي. وهذه بحدّ ذاتها إشارة جديدة ذات بعد
تصعيدي متدرج في طبيعة العمليات لمحور الممانعة وحلفاء إيران.
بالتوازي فإن العملية تزامنت مع حالة الإرباك الإسرائيلية
الكبرى في الداخل وفي الخارج، ما يضع إسرائيل نفسها في حرج سياسي وشعبي نتيجة
الانقسام الداخلي، ووضع مربك نتيجة جنوحها اليميني للعنف في الضفة وغزة ومؤخرا في
المسجد
الأقصى. كما أن الإرباك الأوسع والأشمل يبقى في توتر علاقة حكومة نتنياهو
مع إدارة جو بايدن، في ظل سريان مفاعيل الاتفاق السعودي الإيراني الذي باغت حكومة
اليمين التي كانت تعتقد بقدرتها في إنشاء تحالف عربي- إسرائيلي ضد إيران. وهذا من
مسببات الإرباك في آلية الردّ، الذي سارع نتنياهو إلى البحث في مداه وحجمه، علماً
أن معارضيه وبعض أعضاء حكومته حاولوا الضغط عليه لاستدراجه إلى معركة أوسع، وهو ما
سعى للتهرب منه.
الاتفاق الذي حصل بين السعودية وإيران في العاصمة الصينية له أسبابه وظروفه الداخلية لكلا البلدين، وهو اتفاق يحمل موجبات أمنية أكثر منه شراكة سياسية بالمعنى الحقيقي للكلمة
في المقابل يجري تكثيف إيراني لحركة توريد السلاح إلى سوريا
ومنها إلى لبنان خلال الأشهر والأسابيع المنصرمة، وهذا ما يفسّر تكثيف الهجمات الإسرائيلية
على مواقع إيرانية في سوريا والتي جاءت قاسية في بعضٍ منها وأدت إلى سقوط مستشارين
إيرانيين من الحرس الثوري. وهذه الاعتداءات الجوية الإسرائيلية مرشحة لأن تبقى
ناشطة خلال المرحلة الحالية توازياً مع تكثيف الحركة الإيرانية، لا سيما وفق
اعتقاد إسرائيل أنّ الحملات الجوية كانت قد نجحت في الماضي في منع إيران من تدعيم
حضور قوي لها في سوريا، كما أدت إلى تقليص برنامج توريد الأسلحة إلى حزب الله.
وهذه الصورة دفعت بالبعض إلى اعتبار أن الاتفاق الذي
حصل بين السعودية وإيران في العاصمة الصينية له أسبابه وظروفه الداخلية لكلا
البلدين، وهو اتفاق يحمل موجبات أمنية أكثر منه شراكة سياسية بالمعنى الحقيقي
للكلمة، وخاصة بعد الانكشاف الاستراتيجي للسعودية أمام الهجمات الصاروخية من خلال
الأزمة اليمنية والتي راكمت العديد من الخسائر لكل الأطراف، لذا فإن الرياض أرادت
من الاتفاق ضماناً أمنياً لها، واستقراراً طويلاً يسمح لها بالشروع في مشاريع
التنمية والتطوير في نيوم. أما إيران فقد اكتشفت أنها باتت بعيدة عن بعض شرائح شابة
وناشئة في إيران والدول المجاورة، مع الأزمة المالية والعقوبات، وهو ما دفعها للاتفاق،
بعد خطط مركزة لإضعاف الالتفاف الشعبي حول سلطاتها، وهي كانت قد اتهمت السعودية بتحشيد
إعلامي ومالي للحراك الشعبي الذي يستمر منذ أشهر عدة.
طالما أن إسرائيل لا تريد الذهاب إلى حرب مفتوحة، إلا أن ردها على ما جرى قد يحصل على مراحل في الجغرافيا السورية أو الفلسطينية، من خلال إعادة تفعيل عمليات الاغتيال، كالتي حصلت من خلال تصفية مسؤولين في حزب الله والحرس الثوري. وهذا أيضاً سيستدعي ردوداً أمنية وعسكرية من قبل الحزب
وبعيداً عما جرى أمس من تصعيد عسكري مضبوط، فإن اتفاق
بكين ذهب إليه الطرفان السعودي والإيراني لأسباب أمنية واقتصادية مهمة، لا عن
اقتناع سياسي ووفق مشروع تصاعدي. والتوصيف الأكثر واقعية هو أنّ الحرب القاسية
التي كانت قائمة وفق مبدأ الحديد والنار، في اليمن أو حتى في سوريا ولبنان، تم
استبدالها بوقف لإطلاق النار في اليمن، ولكن مع استمرار للتباين في سوريا ولبنان.
لذا فإن الصورة التي جمعت وزيري خارجية إيران
والسعودية، دفعت الأطراف الإقليمية وتحديداً مصر وقطر لمنع أي تطور عسكري في
المنطقة من خلال الاتصالات التي جرت، بينما على المقلب اللبناني كان حزب الله متأكداً
من الظرف الإسرائيلي العاجز عن فتح حرب شاملة، بسبب عدم وجود أي غطاء أمريكي في
ظل الانشغال الحاصل في الحرب الأوكرانية، وبسبب استمرار خطة تصدير الغاز الإسرائيلي
لأوروبا، لأن تضررها سيؤدي إلى مشاكل متنقلة وتخريب للتوازنات.
وطالما أن إسرائيل لا تريد الذهاب إلى حرب مفتوحة، إلا
أن ردها على ما جرى قد يحصل على مراحل في الجغرافيا السورية أو
الفلسطينية، من
خلال إعادة تفعيل عمليات الاغتيال، كالتي حصلت من خلال تصفية مسؤولين في حزب الله
والحرس الثوري. وهذا أيضاً سيستدعي ردوداً أمنية وعسكرية من قبل الحزب، على قاعدة
أنه لا يمكن استباحة لبنان أو سوريا من دون رد مقابل.