نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" الأمريكية
تقريرًا تحدثت فيه عن الوضع المضطرب في
السودان مع اقتراب الموعد النهائي للجنرالين
اللذين توليا السلطة في انقلاب عسكري في السودان لتسليم سلطتهما إلى حكومة مدنية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته
"عربي21"، إن الجدار الخرساني الطويل المُشيّد في قلب العاصمة السودانية
يرمز إلى الانقسامات المحفوفة بالمخاطر في بلد ممزق. ويقطع الجدار المنطقة التي احتشد
فيها المتظاهرون قبل أربع سنوات عند بوابات الجيش للمطالبة بالإطاحة بالرئيس عمر حسن
البشير، حيث جلب انتصارهم آمالاً مبهجة بسودان جديد.
وأوضحت الصحيفة أن الثورة خرجت عن مسارها قبل
18 شهرا عندما وحّد أقوى جنرالين في السودان قواهما للاستيلاء على السلطة في انقلاب. فمنذ
ذلك الحين؛ تراجعت البلاد، وتواصلت الاحتجاجات في الشوارع وانهار اقتصادها، فيما كافح
الجنرالان لفرض سلطتهما، وهما يقاتلان حاليا بعضهما البعض للفوز بالسلطة.
وبحسب الصحيفة؛ فقد أقنعت القوى الأجنبية القلقة، بقيادة
الأمم المتحدة والولايات المتحدة، الجنراليْن بتسليم السلطة للمدنيين - على الورق على
الأقل - بحلول 11 نيسان/ أبريل - والذي يوافق الذكرى الرابعة للإطاحة بالبشير - لكن في
ظل استمرار المحادثات في الأيام الأخيرة، تصاعدت التوترات بين القوتين العسكريتين المتنافستين.
وتصاعد القلق يوم الأربعاء عندما انتشرت صور دبابات تعبر النيل على منصات التواصل الاجتماعي،
ولا أحد متأكد مما إذا كان الجنرالان سيقودان البلاد إلى الديمقراطية، أم إنهما سيواصلان
القتال.
وذكرت الصحيفة أن العاصمة الخرطوم أصبحت بؤرة
للشائعات والتكهنات؛ حيث يتابع السكان القلقون منصات التواصل الاجتماعي بحثًا عن مقاطع
فيديو وأدلة أخرى لتقييم مدى توتر العلاقات بين الجنرالات. وتنتشر معسكرات الجنود المتنافسة
في جميع أنحاء المدينة، وأثارت التقارير عن تحركات القوات في وقت متأخر من الليل مخاوف
من اشتباك المعسكرين، فيما يشعر معظم السكان بأنهم عالقون في غياهب النسيان.
وأكدت الصحيفة أن الانقلاب كلف السودان ثمنًا
باهظًا وحرمه من المساعدات الخارجية التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات، وحرمه من
الإعفاء من الديون، كما أن أسعار المواد الغذائية ارتفع، وبات التيار الكهربائي ينقطع
بشكل متكرر، فضلا عن تراجع قيمة العملة وارتفاع معدل التضخم.
وذكرت الصحيفة أن الجدار أصبح عاملاً في القتال.
فعندما بدأ إنشاؤه منذ حوالي السنة؛ رأى العديد من السودانيين أنه محاولة من قبل الجيش
لإحباط ثورة شعبية أخرى، ولكن بات يُنظر إليه حاليا على أنه رمز للانقسامات داخل الجيش.
وقال شقيق الفريق الأول محمد حمدان دقلو، عبد الرحيم دقلو، إن
"عبد الفتاح
البرهان بنى الجدار ليحمي نفسه؛ إنه لا يهتم بما يحدث خارج الجدار،
وهو لا يهتم إذا كانت بقية البلاد تحترق".
وأوردت الصحيفة أن دقلو هو نائب قائد قوات الدعم
السريع، التي انبثقت عن مليشيات الجنجويد سيئة السمعة التي أرهبت المنطقة الغربية
من دارفور في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ولكن دقلو أوضح حاليا
طموحه لقيادة البلاد، ويصر هو وإخوانه على أنهم المدافعون الرئيسيون عن الديمقراطية،
وهم حريصون على إجراء انتخابات.
وفقًا للصحيفة؛ فإن واحدة من العديد من التحولات
المشوهة للواقع في السياسة السودانية اليوم، هو تحالف الفريق دقلو مع سياسيين مدنيين
كانوا ينظرون إليه ذات مرة على أنه عدو لدود، كما أنه وصف انقلاب 2021 بأنه "خطأ".
ولكن بالنسبة للآخرين؛ يجب أن تتوقف طموحات دقلو.
واعتبرت الصحيفة أن الجنراليْن المتنافسْين أبرز
الفاعلين في مجموعة محيرة من القوى -المتمردون والثوريون والإسلاميون والشيوعيون ورجال
الأعمال وأنصار نظام البشير المخلوع- الذين يتنافسون على تشكيل مستقبل السودان.
وأضافت الصحيفة أن القوى الخارجية تلعب دورًا
مهمًّا أيضًا؛ فقد ساندت مصر، القوة الاستعمارية القديمة، الجنرال برهان والجيش، وتمتلك
الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتان تنظران إلى السودان كمصدر
مستقبلي للغذاء، حلفاء من الجانبين. وتضغط الولايات المتحدة والدول الأوروبية من أجل
إرساء الديمقراطية؛ جزئيًا لصد الروس، الذين يطمعون في ذهب السودان ويسعون إلى الوصول
إلى موانئ البحر الأحمر للسفن الحربية الروسية.
وأشارت الصحيفة إلى أن السيطرة على السودان لن
تكون سهلة؛ حيث عثرت الصحيفة على مجموعة من عمال مناجم الذهب الروس في مجمع في وسط
الخرطوم، وقد كانوا ينتمون لمجموعة "فاغنر"، المجموعة العسكرية الخاصة التي
قادت حملة روسيا في أفريقيا في السنوات الأخيرة,
ومع اقتراب الجنرالين من قتال بعضهما البعض؛ فإن
العديد من الشباب السودانيين الذين ساعدوا في الإطاحة بالبشير في سنة 2019 يقفون مكتوفي
الأيدي هذه المرة. لكن بالنسبة للآخرين، فإن الحلم بتحسن الأوضاع في السودان لا يزال
مستمرا.
واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن مجموعة من
تجمع شبان وشابات ينتمون إلى مجموعة "غضب بلا حدود"، وهي مجموعة من المتظاهرين
المتشددين الذين يقودون الاشتباكات الأسبوعية مع قوات الأمن. ولكن المخاطر أصبحت عالية؛
إذ تناقل العديد منهم صورًا لأصدقائهم القتلى؛ حيث قُتِلَ 125 شخصًا، وجُرح 8000 شخص
منذ الانقلاب، ومع ذلك؛ فقد خرجوا مرة أخرى إلى الشوارع حيث تصاعدت أعمدة الدخان من الجسر
المؤدي إلى حي بحري جرّاء الحرائق التي أشعلها شباب سودانيون يصرون على أنهم لن يقبلوا
أبدًا حكم جنرالاتهم أو ألعاب القوة بين الأطراف.