فجرت وثائق أمريكية استخباراتية مسربة عن تورط
مصر في إنتاج وتسليم 40 ألف صاروخ إلى
روسيا، في إطار حربها في أوكرانيا العديد من التساؤلات والتكهنات بشأن مستقبل العلاقات الأمريكية – المصرية، التي يسودها الفتور في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن.
وقالت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، في تقرير ترجمته "عربي21"، إن وثيقة استخباراتية مسربة ضمن وثائق البنتاغون تعود إلى 17 شباط/ فبراير الماضي تؤكد أن محادثات أجراها رئيس النظام المصري عبد الفتاح
السيسي مع كبار المسؤولين في جيشه، أمرهم فيها بالحفاظ على سرية الإنتاج والتصدير "من أجل تجنب المشاكل مع الغرب".
وأشارت الوثيقة المسربة إلى أن السيسي أصدر التعليمات في الأول من شباط/ فبراير، والخطاب كان موجها إلى شخص يشار إليه باسم صلاح الدين فقط، وأنه يجب إخبار عمال المصنع بأن المقذوفات سيتم إنتاجها للجيش المصري، ورجحت الصحيفة أن صلاح الدين هو محمد صلاح الدين وزير الدولة للإنتاج الحربي، فيما لفتت الوثيقة إلى أن
الصواريخ سيتم إنتاجها من مصنع 18 الحربي.
ونقلت الوثيقة عن صلاح الدين قوله إنه "سيأمر شعبه بالعمل بنظام الورديات إذا لزم الأمر لأنه كان أقل ما يمكن لمصر أن تفعله لسداد روسيا مقابل مساعدة غير محددة في وقت سابق"، ولا توضح الوثيقة ماهية المساعدة الروسية السابقة. وتنقل الوثيقة المسربة عن صلاح الدين قوله إن الروس أخبروه بأنهم على استعداد "لشراء أي شيء".
نفي مصري وتدقيق أمريكي
في تصريح مقتضب، نفى مصدر مصري مسؤول لقناة القاهرة الإخبارية، التابعة لجهاز المخابرات المصرية العامة، ما أورته صحيفة واشنطن بوست، في حين قال منسق البيت الأبيض للاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي جون كيربي، إنه لا توجد مؤشرات على تقديم مصر أسلحة فتاكة إلى روسيا، مشيرا إلى أن "مصر شريك أمني مهم، وستظل كذلك في المنطقة".
اللعب تحت الطاولة
اعتبر الباحث في العلاقات الدولية والدراسات الأمنية، أحمد مولانا، أن السيسي يحاول اللعب على الحبل في علاقات بلاده مع روسيا وأمريكا من تحت الطاولة، قائلا: "السيسي يسعى للاستفادة المالية عبر بيع أسلحة لروسيا وأوكرانيا دون إعلان رسمي، لكن بطبيعة الحال يصعب إخفاء ذلك".
وفي حال صحة الوثائق المسربة، توقع مولانا في تصريحات لـ"عربي21" أن الحدث "سينعكس سلبا على العلاقات المصرية الأمريكية، عبر تشديد الضغوط على النظام المصري في ملفات حقوق الإنسان والإصلاح الاقتصادي، وربما استمرار الخصومات من المساعدة العسكرية الأمريكية السنوية".
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي أعلن مسؤولون أمريكيون أنهم سيحجبون 130 مليون دولار عن مخصصات مصر السنوية البالغة 1.3 مليار دولار كمساعدات أمنية بسبب سجل القاهرة الحقوقي.
وأشاروا إلى خطوات تجاه إطلاق سراح السجناء السياسيين في قرارهم عدم حجب المزيد من المساعدات، كجزء من محاولة الإدارة لموازنة القلق بشأن حقوق الإنسان مع المصالح الأمنية الأمريكية والإقليمية.
مناورة السيسي في حلبة النفوذ الأمريكي
وبشأن
تداعيات تورط مصر في إرسال صواريخ إلى روسيا، قال مدير مركز مونتغومري للدراسات القانونية في بنسلفانيا، سعيد عفيفي، إن "الإدارة الأمريكية تتعامل مع النظام المصري كمنفذ لطلباتها لأنها تعتبر مصر منطقة نفوذ أمريكية وبالتالي لن يسمح لها أن تذهب أكثر إلى الحاضنة الروسية أو الصينية، وستعمل الإدارة الأمريكية على الضغط على النظام المصري بفتح نوافذ جديدة مع المعارضة – وقد تم هذا بالفعل في الصيف الماضي – للبحث عن بديل لهذا النظام يتوافق مع متطلبات الهيمنة الأمريكية في المنطقة".
وأضاف لـ"عربي21": "كما هو معلوم أن النظام العسكري في مصر تمكن من ترسيخ سلطته في مصر بدعم أمريكي خلال فترة رئاسة ترامب وتم دعمه في كافة القضايا التي كانت تعترض النظام، إلا أن ملف حقوق الإنسان سيصبح أهم الأوراق التي ستلعب بها الإدارة الأمريكية مع هذا النظام، ونظام السيسي يدرك تماماً أن الإدارة الأمريكية لا تريد أن يذهب هذا النظام إلى الصين وروسيا".
ورأى عفيفي أن "العلاقة بين مصر وأمريكا هي علاقة استراتيجية ولكن السيسي يحاول المناورة لإرضاء جميع الأطراف والتقرب إلى الصين وروسيا، إلا أنه لن يذهب بعيداً في عقد صفقات قد توحي للإدارة الأمريكية أنها قد فقدت حليفاً مهماً في الشرق الأوسط".
وفي تقديره، علق الباحث الرئيسي في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط، يزيد صايغ، في تغريدة له على حسابه الشخصي بموقع "تويتر" قائلا، إنه "من الواضح أن بحث السيسي اليائس عن العملات الأجنبية دفعه إلى التفكير في بيع إمدادات الحرب إلى روسيا. يجب أن يكون قد أدرك أن هذه كانت مناورة عالية الخطورة".
خطوط حمراء في العلاقات المصرية الأمريكية
الباحث بالشأن العسكري في المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، محمود جمال، قال، إن العلاقات ما بين السيسي وبوتين بدأت في 2013 في الوقت الذي توترت فيه العلاقة مع إدارة أوباما التي أوقفت جزءا من المعونات، وفي هذا التوقيت اندفع السيسي نحو بوتين الذي حال دون سقوط نظام بشار الأسد في سوريا تحسبا من فقدان الدعم الأمريكي لنظامه العسكري الجديد، لكن العلاقة بين مصر وأمريكا علاقة استراتيجية، وهناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وتمثل ذلك في تراجع السيسي عن إتمام صفقة طائرات سوخوي الروسية".
وأوضح لـ"عربي21" أن "السيسي يناور، ويعول على روسيا في حال رغبت الإدارة الأمريكية في التضييق عليه والدفع ببديل عسكري غيره، لكن علاقة الأمريكان بالأساس مع الجيش المصري كمؤسسة عسكرية وليس مع السيسي كحاكم من أجل مصالحها في المنطقة، لذلك فإن العلاقة بين السيسي وبايدن هي علاقة استراتيجية وليست تكتيكية وهو يضع نصب عينيه قدرة روسيا في دعمه في الحكم في حال ساءت العلاقات مع أمريكا ولكنه لن يحاول الوصول إلى هذه الدرجة".
وبشأن انعكاس تلك التسريبات على العلاقات بين القاهرة وواشنطن، توقع جمال، أن "تقوم الإدارة الأمريكية بإيقاف بعض المساعدات (المعونات) العسكرية إلى مصر والتي تعد أحد أهم أوراق الضغط الأمريكية على مصر نظرا لحجمها الكبير واستمرارها منذ عقود، ولكن في حال اتخذ السيسي خطوات تقارب أكثر مع بوتين، وهو مستبعد حاليا، فقد تفرض أمريكا عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية".