أعلن وزيرا خارجية
مصر وتركيا في المؤتمر الأخير الذي جمع بين سامح
شكري وتشاووش أوغلو مؤخرا عن تطابق موقفهما تجاه سبيل حل الأزمة الليبية، وتم
التأكيد على ضرورة الجمع بين أطراف النزاع الليبي ودعم الجهود لإجراء الانتخابات،
هذا على مستوى
المواقف المعلنة، أما السياسات فالوضع قد يكون مختلفا.
من المهم الالتفات إلى التطور في العلاقة المصرية التركية والتي
انحدرت من قمة التأزيم منذ العام 2013م، فالقاهرة اتهمت أنقرة بدعم الإخوان والعمل
على تقويض استقرار البلاد فيما رفضت أنقرة الاعتراف بالتغيير الذي وقع في مصر بعد
إسقاط الرئيس محمد مرسي واعتبرته انقلابا على الشرعية مركزة على العنف الذي تورط
فيه النظام المصري تجاه معارضيه. من قمة التأزيم إلى تطابق الموقف في العديد من
الملفات والتي أعلن عنها رئيسا الدبلوماسيتين المصرية والتركية في مؤتمرهم الصحفي.
من الطبيعي أن تكون مصالح الطرفين سببا لتغيير مواقفهما المتشنجة،
فالقاهرة تواجه أزمة اقتصادية حادة قد تكون لها تداعيات سياسية واجتماعية كبيرة
وأنقرة تظلل بجناحها على قطاع مهم من المعارضة المصرية وقد نجحت القاهرة عبر
التدرج في انفتاحها على أنقرة في تحييد قطاع من المعارضة في
تركيا.
على الضفة الأخرى، أردوغان يواجه تحديا غير مسبوق منذ توليه السلطة
العام 2003، وانتخابات الشهر المقبل حاسمة بالنسبة، وهو في حاجة للتهدئة داخليا
وتفكيك بؤر التوتر الخارجية التي اتسعت خلال العشر سنوات الماضية، كما تسعى أنقرة
إلى سحب البساط من تحت أقدام الحلف الثلاثي، اليوناني القبرصي المصري، حول النفط
والغاز في شرق البحر المتوسط عبر استمالة مصر، هذا علاوة على تعزيز مركزها التجاري
بعد أن صارت الصادرات التركية ذات تنافسية جيدة والسوق المصري واعد.
بالنسبة للأتراك صارت ليبيا مجالا أكثر حيوية بعد تفجر النزاع حول غاز ونفط شرق المتوسط، وارتبط الاهتمام التركي الكبير بليبيا بتوقيع اتفاقية النفوذ الاقتصادي البحري العام 2019م، بحيث أصبحت الاتفاقية ورقة مهمة للضغط وكرت قيم للتفاوض. هذا بالإضافة للسوق الليبي الذي بات يعتمد بشكل كبير على المنتجات التركية، ثم الإعمار الذي يمكن أن تكون الشركات التركية منافسا قويا فيه.
ليبيا مسألة محورية بالنسبة للبلدين، فهي عمق استراتيجي طبيعي
بالنسبة لمصر، سياسيا وأمنيا واقتصاديا، فالقاهرة تستميت في أن لا يكون على رأس هم
السلطة في ليبيا طرف معادٍ، والسوق الليبي قابل لاستقبال ما يزيد على 20% من
العمالة المصرية في المنطقة العربية وذلك في أوقات الذروة، أيضا الصادرات المصرية
تجد لها مكانا هناك، والأهم من ذلك الفرص الذهبية أمام شركات البناء والتشييد، إذا
يشكل هذا الملف أحد أسباب التنافس بين البلدين ويتطلب تفاهما في حال انتهى الموقف
الدولي إلى الدفع باتجاه استقرار البلاد.
بالنسبة للأتراك صارت ليبيا مجالا أكثر حيوية بعد تفجر النزاع حول
غاز ونفط شرق المتوسط، وارتبط الاهتمام التركي الكبير بليبيا بتوقيع اتفاقية
النفوذ الاقتصادي البحري العام 2019م، بحيث أصبحت الاتفاقية ورقة مهمة للضغط وكرتا قيما للتفاوض. هذا بالإضافة للسوق الليبي الذي بات يعتمد بشكل كبير على المنتجات
التركية، ثم الإعمار الذي يمكن أن تكون الشركات التركية منافسا قويا فيه.
غير أن عاملا بعيدا عن مصالح البلدين يبدو أنه مهد للتقارب المصري
التركي، وهو المراجعة الأمريكية لسياساتها الخارجية بعد مجيء جو بايدن للبيت
الأبيض، والاتجاه إلى إعادة ترتيب الأوضاع والملفات في منطقة الشرق الأوسط وشمال
أفريقيا بشكل يقلل من تأثير الاختراق الروسي المدعوم من الصين ويحمي المصالح
الأمريكية ومصالح حلفائها.
وكان لحلحلة النزاع والاستقطاب بين كتلتين في المنطقة،
الأولى جمعت مصر والسعودية والإمارات والبحرين، والثانية اصطفت فيها تركيا خلف
قطر، أثره في عودة المياه إلى مجاريها، ولأن نقاط التماس المصرية التركية عديدة
وحساسة فقد تأخر التطبيع المصري التركي، كما أنه لم يصل إلى مستوى التسوية
النهائية للملفات التي وقع حولها نزاع، فلا يزال الخلاف حول النفوذ الاقتصادي
البحري في المتوسط قائما، كما أن التطابق حول حل الأزمة الليبية لا يزال في
العموميات، وما لم يتم التطرق للتفاصيل فإن التوتر يمكن أن يعود ويؤثر على التقارب
برمته، وفي قول أوغلو "من الآن فصاعدا سنعمل مع مصر على توثيق التعاون بشأن
ليبيا"، ما يفهم منه أن نقاط الخلاف لم تحسم بعد.