تتواصل الاشتباكات المسلحة في
السودان، بين قوات الدعم السريع بقيادة
محمد حمدان دقلو "
حميدتي"، والجيش السوداني بزعامة عبد الفتاح
البرهان،
في مشهد ينذر بحرب بين العسكريين الذين يسيطرون على مقاليد الحكم في السودان.
ومنذ استقلال السودان عام 1956، شهدت البلاد صراعات وحروبا أهلية،
بهدف السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، التي انفصل عنها جنوبها بعد سلسلة من
الحروب والصراعات.
وبدأت الانقلابات العسكرية بعد عام واحد من الاستقلال، حيث نفذت
مجموعة من ضباط الجيش بقيادة إسماعيل كبيدة، انقلابا ضد أول حكومة وطنية ديمقراطية،
لكن رئيس الحكومة إسماعيل الأزهري، أفشل المحاولة الانقلابية.
وسيطر الفريق إبراهيم عبود مع مجموعة من الضباط على حكومة ائتلافية
بين حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي عام 1958، بيد أن اندلاع ثورة شعبية عام 1964 أدى إلى سقوط حكم عبود.
دخلت الأطراف السياسية والعسكرية في السودان بين أعوام 1964 – 1969 حلقة
جديدة من الصراعات على السلطة استمرت أربع سنوات، وانتهت بتنفيذ مجموعة
"الضباط الأحرار" بقيادة جعفر النميري انقلابا عسكريا، بعد فترة من
الأزمات السياسية والمؤامرات والتحالفات المتهافتة على السلطة.
النميري وإفشال الانقلابات
ومنذ سيطرة جعفر النميري على السلطة في السودان، شهدت البلاد عددا من
الانقلابات العسكرية الفاشلة.
وقاد الضابط هاشم العطا ومجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب
الشيوعي في الجيش السوداني انقلابا استولوا فيه جزئيا على السلطة لمدة يومين، لكن
النميري استعاد سلطته وحاكم الانقلابيين وعددا من المدنيين.
وفي عام 1973، وقع خلاف داخل المؤسسة العسكرية تحول إلى تمرد عسكري
جديد، قام به مجموعة من الضباط معلنين عزمهم محاربة "الاستعمار الجديد"
وإنهاء التبعية للغرب التي اتهموا بها نظام النميري.
لكن التمرد لم يستمر سوى 3 أيام، تدخلت بعدها قوى دولية وإقليمية
تتقدمها مصر وليبيا بشراكة بريطانية، إلى جانب دعم داخلي لهذا التدخل قاده رجل
أعمال سوداني هو خليل عثمان، الأمر الذي ساعد في القضاء على التمرد في وقت قياسي، وأعيدت
السلطة للنميري، وفق "بي بي سي".
وأفشل النميري خلال عامي 1975 و1976 محاولتي انقلاب فاشلتين، إحداهما بقيادة
ضابط الجيش حسن حسين، والثانية بقيادة العميد محمد نور سعد، واستمر بعد ذلك حكم
النميري حتى عام 1985 حيث أعلن الجيش السوداني انتهاء حكم النميري، إثر عصيان مدني
شامل واحتجاجات على الغلاء.
وحاول الفريق عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب، التصدي لعملية عزل
النميري معلنا تشكيل مجلس عسكري أعلى لإدارة المرحلة الانتقالية تحت رئاسته، وحدّد
مدة هذه الفترة في سنة واحدة تجرى الانتخابات في نهايتها.
قبضة البشير
ومع بداية عام 1986 بدأت الأحزاب الإسلامية تظهر على الساحة
السودانية، لكن الانقلاب العسكري الذي نفذه عمر حسن البشير ضد الحكومة المدنية
المنتخبة برئاسة رئيس الوزراء الراحل الصادق المهدي آنذاك، تسبب في تراجع دور
الإسلاميين، حيث شن الانقلابيون حملة اعتقالات طالت قادة جميع الأحزاب السياسية
بمن فيهم حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية.
وسيطر البشير بقوة على السودان، وعمل على اجتثاث جميع الحركات
المناهضة لوجوده على سدة الحكم، حيث أعدم 28 ضابطا عام 1990 بعد محاولة انقلاب نفذها
اللواءان عبد القادر الكدرو ومحمد عثمان، كما أنه سجن العقيد أحمد خالد بعد محاولة
انقلاب فاشلة عام 1992، نسبت حينها إلى "حزب البعث".
وفرض البشير سيطرته على السودان، حتى عام 2019 بعد أن أطاح مجلس
عسكري بنظام البشير الذي حكم البلاد 30 عاما، بعد أشهر من انتفاضة شعبية تزعمتها
نقابة المهنيين السودانيين وطلاب الجامعات بمساندة من قوى إعلان الحرية
والتغيير.
البرهان وحميدتي
وفي عام 2021 أعلن الجيش السوداني إحباط عدة محاولات انقلابية،
واعتقل خلالها عشرات الضباط، الذين اتهمهم بالارتباط بنظام الرئيس المخلوع عمر
البشير، ومن بينهم رئيس أركان الجيش حينها، هاشم عبد المطلب أحمد، بوصفه قائد
ومخطط محاولة الانقلاب.
وفي 25 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2021، قاد رئيس مجلس السيادة في
السودان الفريق عبد الفتاح البرهان انقلابا عسكريا، أعلن فيه عن إجراءات
استثنائية، حل بموجبها مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وجرى خلالها إعلان
حالة الطوارئ واعتقال مسؤولين وسياسيين وإقالة ولاة (محافظين).
ومنذ ذلك اليوم، يشهد السودان احتجاجات شعبية تطالب بعودة الحكم
المدني وترفض الإجراءات الاستثنائية التي يعتبرها معارضو البرهان "انقلابا
عسكريا".