عندما نتحدث عن النفط السعودي وعن
العلاقات الجيوسياسية، فإننا نتكلم عن دولتين: الأولى هي الماضي، والأخرى هي المستقبل. أما الماضي فهو الولايات المتحدة التي كانت أكبر سوق للنفط السعودي، وكانت
السعودية مصدر النفط الأول للولايات المتحدة.
اليوم تغيرت المعادلة، وأصبح المستقبل نحو
الصين، وهذا أمر كلنا كنا نتوقعه منذ سنوات، مع تزايد نمو الاقتصاد الصيني، وتوقعات تربعه على عرش أكبر اقتصاد في العالم خلال عقد من الزمان أو حول هذه المدة.
ومن البديهي أن تكون السعودية ترى في الصين مستقبلاً لنفطها، لأن الاقتصاد الصيني لن ينمو دون طاقة، وبالتالي دون نفط سعودي.
التباعد بين السعودية والولايات المتحدة كان واضحاً، منذ أن بدأت ثورة النفط الصخري التي جعلت الولايات المتحدة تبتعد أكثر وأكثر عن النفط السعودي، وبالتالي تراجعت الأهمية السياسية، وضعف ذلك التوافق التاريخي بين البلدين، الذي كان النفط محوره.
كل هذه أمور تمت مناقشتها من قِبَل المحللين والحديث عنها بصورة أشمل، إذن فما الجديد الذي يمكن لهذا المقال أن يضيفه؟ لا نريد تحليل كيف وصلنا إلى هنا، بل إلى أين المستقبل من هنا؟
3 أمور يجب أن نتوقعها. الأول تحول السعودية إلى نظام خارجي قائم على تعدد الأقطاب، وهذا ما نراه من خلال الاتجاه سياسياً نحو الشرق، سواء من التقارب مع الصين ورعايتها الأخيرة لاتفاق تاريخي مع إيران، أو من خلال التنسيق عالي المستوى مع روسيا حول أسواق الطاقة والتوسع في الاستثمار المباشر بين البلدين. كما أن السعودية تريد أن تكون جزءاً من تحالف «البريكس» العالمي لتزيد من تنوعها السياسي خارجياً.
الأمر الثاني هو توجه السعودية لبناء منظومة طاقة أعمق مع الصين قائمة ليس فقط على مبيعات النفط الخام إلى الصين، ولكن على تعميق التبادل النفطي والمشاريع المشتركة؛ سواء في مجال التكرير أو حتى الدخول في تقنيات جديدة، مثل تحويل النفط الخام إلى كيماويات بصورة مباشرة، أو البحث عن حلول في مجالات مرتبطة بالنفط، مثل صناعة محركات السيارات. ولو شاهدنا خطوات «أرامكو السعودية» الأخيرة فسوف نرى هذا الاتجاه واضحاً، حيث دخلت في شراكة مع «رينو» و«جيلي» الصينية في مجال المحركات الهجين (محرك كهربائي ويعمل على الوقود في الوقت نفسه).
الأمر الثالث هو البحث عن طرق أخرى لبناء مستقبل مع الولايات المتحدة لا يعتمد على النفط وحسب، بل على الطاقة بشكل أكبر، لأن الولايات المتحدة مهما اعتمدت على نفطها الصخري اليوم، فمستقبلها النفطي ليس مضموناً. ولهذا فإن سباقها للتحول إلى مصادر أخرى للطاقة سيكون للسعودية دور فيه من خلال تصدير الهيدروجين الأخضر إليها، أو حتى العمل معها عليه، وهناك مجالات الطاقة النووية وحبس الكربون.
هذه بعض الأمور التي ستكون واضحة، وكل هذه الاتجاهات سيكون لها انعكاسات جيوسياسية كبيرة على المدى البعيد، وستغير المعادلة فيما يتعلق بالطاقة والنفط وحتى السياسة في المنطقة.
(الشرق الأوسط اللندنية)