اقرأ، كانت أول آية، وأول كلمة أنزلت من القرآن الكريم، اقرأ باسم الله، ما شاء لك الله
القراءة.
وكان خير جليس في الزمان كتاب، كما قال شاعر
العربية أبو الطيب المتنبي، لأنك لا تخشى غوائله ويؤدبك بآدابه، ويؤنسك عند الوحشة بحكمه، ولا يتعبك بالجدال.
القراءة محادثة، كل الكتب تحاورك، تبادلك المشاعر والآراء، لكن
الكتاب الجيد جليس أنيس يحسن الاستماع إليك أيضا.
للكتاب قوة سحرية تصنع جسرا يصل بين الماضي والحاضر والمستقبل، جسر يربط بين الأجيال على مدى مئات السنين عبر الثقافة والإبداع.
وتكريما للكتاب الذي لا يزال يستحوذ على العقول منذ مئات السنين يحتفل سنويا في 23 نيسان/ أبريل بـ"اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف"، بعد أن قررت منظمة
الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في عام 1995 الاحتفال بالكتاب ومؤلفي الكتب وناشريها.
اختيار اليوم كان رمزيا وغير مرتبط بأي حدث على وجه التحديد لكنه وافق ذكرى وفاة وميلاد عدد من الأدباء والمؤلفين العالميين، مثل الكاتب المسرحي البريطاني وليم شكسبير، والشاعر البيروفي غارثيلاسو دي لا فيغا، والروائي الإسباني ميغيل دي ثيربانتس (دي سرفانتس).
لكن الفكرة الأساسية استلهمت من إسبانيا تحديدا حيث كان الإسبان يتبادلون الورود في هذا اليوم، وفي عام 1926 توفي في ذلك اليوم دي سرفانتس صاحب رواية "دون كيشوت" الرواية الأشهر في التاريخ، فتبادل الناس الكتب، بدلا من الورود تكريما له، واستمر هذا التقليد في إسبانيا حتى اليوم.
يوم في السنة يخصص لإبراز مكانة الكاتب وأهمية الكتاب على الصعيد العالمي، ولتشجيع القراء، والشباب على وجه الخصوص، على اكتشاف متعة القراءة، واحترام الإسهامات الفريدة التي قدمها أدباء دفعوا بالتقدم الاجتماعي والثقافي للبشرية إلى الأمام، والذين ساهموا في إثراء الحضارة الإنسانية.
قوة الكتاب تأتي بوصفه وسيلة للتعبير عن القيم ونقل المعارف والمعلومات، ومستودعا للتراث غير المادي، ونافذة يستشرفون منها على التنوع الثقافي ووسيلة للحوار، وثمرة لجهود مبدعين يكفل قانون حقوق المؤلف حمايتهم.
وفي عام 2000، انبثقت من "اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف" مبادرة أخرى صادرة عن المنظمات المهنية مدعومة من "اليونسكو"، وهي "مبادرة العاصمة العالمية للكتاب". وأصبح في كل سنة يقع الاختيار على مدينة تأخذ على عاتقها عبر مجموعة من المبادرات والأنشطة الاحتفال بالكتاب لكي يصل أثر الكتاب، جغرافيا وثقافيا، إلى أقصى مدى ممكن.
ومنحت مدينة "أكرا" في غانا لقب العاصمة العالمية للكتاب لعام 2023، وتحل "أكرا" خلفا لمدينة "غوادالاخارا" المكسيكية التي كانت العاصمة العالمية للكتاب لعام 2022، وتعد "أكرا" المدينة رقم 23 التي تحمل شعلة العاصمة العالمية للكتاب منذ عام 2001.
عربيا، فقد اهتم العرب الأوائل بالقراءة والكتابة ونمت ظاهرة الاهتمام بجمع الكتب وتأسيس المكتبات وانتشار الوراقين مع انتشار الإسلام في بلاد العرب وغيرها. وحين نتحدث عن الكتب لا يمكننا القفز من فوق مكتبة "بيت الحكمة" في بغداد التي أصبحت أكبر مركز ثقافي في العالم آنذاك. إضافة إلى مكتبة "دار العلم" أو "دار الحكمة" في القاهرة، وغيرها.
وسطعت شمس العرب على الحضارة الإنسانية بكتابها الكريم وبكتبها وكتابها وعلمائها وفلاسفتها، فأنارت ظلمات الغرب الذي كان يعيش عصور الظلام والتخلف.
لكن خير أمة أخرجت للناس باتت حاليا موضوع إحصائيات متباينة تباينا شديدا، تضع العرب في أسفل سلم الشعوب في القراءة ونشر الكتب، رغم أن بعضها منصف، ففي مؤشر القراءة العربي في 2016، وهي دراسة رصينة محكمة شارك فيها أكثر من 145 ألف مواطن من كافة الوطن العربي، خلصت الدراسة إلى أن متوسط قراءة المواطن العربي هو 16 كتابا في السنة، ما يساوي 35،24 ساعة سنويا، وهذا الرقم أعلى بكثير من بعض الإحصائيات التي تحدد المدة الزمنية للقراءة في 6 دقائق فقط، وهو ما يفند أننا أمة لا تقرأ حاليا.
من المؤكد أن غالبية العرب هجروا الكتاب لصالح منصات التواصل الاجتماعي التي سرقت القارئ من القراءة، فوضعت التكنولوجيا العرب في أزمة قراءة، وفي خصومة مع الكتاب.
في عدد المهرجانات الثقافية ومعارض الكتب والجوائز الأدبية وضعنا أفضل بكثير، لكن الأوضاع الاقتصادية المتردية في غالبية الدول العربية وارتفاع نسبة الأمية وتسرب الطلاب من المدارس بسبب الحروب والأوضاع الاقتصادية تصيبنا بالغم والحزن.
القراءة تحفز الذهن وتحد من التوتر، تحمي العقل من الإصابة بالكثير من الأمراض، وتوسع الإدراك المعرفي واللغوي.
نخسر الكثير حين نتوقف عن القراءة التي تمنحنا أجنحة نطير بها تأخذنا إلى عالم من النور والسكينة، تعيد صقل أرواحنا بعذب المعاني ورقيق الكلام، وبديع البيان.
نخسر خير جليس في الزمان، صديق لا يمل ولا يجادلك ولا يحملك فوق طاقتك، كتاب ورد بصيغه المختلفة في القرآن الكريم 261 مرة.
لذلك بدأ الكتاب الكريم بـ(اقرأ) ثم اقرأ واقرأ واقرأ.