نشرت صحيفة "لوفيغارو"الفرنسية تقريرًا، سلطت فيه الضوء على مجموعة
البريكس التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، والتي تشير التوقعات بأن يكون لها وزن في
الاقتصاد العالمي أكبر من
مجموعة السبع (الولايات المتحدة واليابان والمملكة المتحدة وألمانيا وكندا وإيطاليا وفرنسا).
وقالت الصحيفة، في
تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن خطاب تنصيب ديلما روسيف كرئيسة لبنك التنمية الجديد، في منتصف نيسان/ أبريل الجاري، وهو مؤسسة مالية دولية تسمى أيضًا "بنك بريكس"، ترك انطباعًا عن نظام عالمي جديد في طريقه للتشكل؛ حيث قالت حينها روسيف، الرئيسة السابقة للبرازيل، في شنغهاي: "فيما يتعلق بـ"تعادل القوة الشرائية"".
وتشير التقديرات إلى أن اقتصادات هذه الدول مجتمعة أكبر من الاقتصاد الكلي لدول مجموعة السبع، الأمر الذي يؤكد تحول ميزان القوى الاقتصادي الذي تم تأسيسه على مدى عقود، من مجموعة السبع إلى مجموعة بريكس.
وأشارت الصحيفة إلى أن تصريحات ديلما روسيف جاءت تحت أنظار لولا، الرئيس الحالي للبرازيل والذي كان في زيارة إلى
الصين، لتنضم إلى صدى الأصوات المناهضة للعولمة التي ظلت تنادي على الشبكات الاجتماعية والمشهد الإعلامي منذ بداية هذا الشهر.
ففي هذا السياق؛ نشرت مجموعة من المواقع الإخبارية مقالات ذات عناوين مذهلة: "لأول مرة، أصبحت هذه الدول أقوى اقتصاديًا من مجموعة السبع" (جورنال دو ديمانش، 5 نيسان/أبريل). "
الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة بريكس يتجاوز مجموعة السبع" (إي إم بيزنس، 3 نيسان/أبريل). "دول بريكس تتفوق على مجموعة السبع لأول مرة" (وكالة الأنباء الحكومية/أذربيجان، 18 نيسان/أبريل). فهل هذا الأمر صحيح؟
وذكرت الصحيفة أنه وفقًا لرسم بياني قدمته شركة "أكورن ماكرو كونسلتينغ"، وهي شركة استشارات استثمارية بريطانية، لتطور مساهمة دول بريكس ومجموعة السبع في "الناتج المحلي الإجمالي العالمي"؛ تمثل هذه الدول 31.5 بالمئة من "الناتج المحلي الإجمالي العالمي"، بينما تمثل مجموعة السبع 30.7 بالمئة فقط، في سنة 2023، وفور نشر الرسم البياني من طرف ريتشارد دياس، مؤسس شركة "أكورن ماكرو كونسلتينغ"، على موقع تويتر في 9 آذار/مارس، سرعان ما التقطه مستخدمو الإنترنت ووسائل الإعلام، حيث يوضح التحليل الموجر للبيانات أن هذه الدول تمتلك حصة أكبر من الاقتصاد العالمي مقارنة بمجموعة السبع.
وأفادت الصحيفة أن هذا الأمر دفع المحللين الاقتصاديين إلى تبني افتراضين: إما أن البيانات خاطئة، وفي هذه الحالة يكون تأكيد التفوق الاقتصادي لدول بريكس على مجموعة السبع خاطئًا أيضًا. وإما أن تكون الأرقام صحيحة ومن الضروري حينها تحليل معناها الحقيقي لمعرفة ما إذا كانت المساهمة الأكبر في "الناتج المحلي الإجمالي العالمي في تعادل القوة الشرائية" كافية لتأكيد التفوق الاقتصادي.
بيانات حقيقية؛ تحليل مزيف
ووفق الصحيفة فإن المحللين يعتقدون أن الملاحظة الأولى على البيانات المستخدمة تأتي من خلال مقارنتها بتلك الخاصة بصندوق النقد الدولي؛ حيث تبدو النتائج التي تم الحصول عليها متشابهة، مع ملاحظة صغيرة أن التجاوز المزعوم لمجموعة السبع من قبل دول بريكس ليس بالأمر الجديد، فمنذ 2020، أصبحت مساهمة هذه الدول في "الناتج المحلي الإجمالي العالمي في تعادل القوة الشرائية" أعلى من مساهمة مجموعة السبع.
ولكن ما أهمية الخبر، وماذا تعني هذه البيانات حقًا؟
لفهم ذلك، يجب أن نفهم أولًا تعادل القوة الشرائية. هذه هي معدلات التحويل النقدي التي تجعل من الممكن التعبير عن القوة الشرائية للعملات المختلفة في وحدة مشتركة وبالتالي القضاء على تحيز الفروق في مستويات الأسعار القائمة بين البلدان.
وتقول سيلفي ماتيلي، الخبيرة الاقتصادية ونائبة مدير معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية إنه نوع من مؤشر لكنه أكثر تعقيدًا، ومؤشر "بيغ ماك" هو مقياس لـ "تعادل القوة الشرائية" اخترعته المجلة الأنجلو ساكسونية "ذي إيكونوميست" في سنة 1986، ويعبر عن عدد الوحدات النقدية اللازمة لشراء نفس البرغر في بلدان مختلفة.
وعلى الرغم من كونها مفيدة جدًا لمقارنة اقتصادات البلدان التي يتشابه فيها مستوى المعيشة، فإن "تعادل القوة الشرائية" يؤدي ميكانيكيًا إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي للبلدان ذات المستوى الأدنى من التنمية.
وعلى العكس من ذلك، كلما تقدمت البلدان في التصنيع، كلما اقترب الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي من "الناتج المحلي الإجمالي في تعادل القوة الشرائية"، وتشرح سيلفي ماتيلي قائلة: "على سبيل المثال، في البرازيل، يبلغ متوسط دخل الفرد 9000 دولار في السنة، لكنه يرتفع إلى 15000 دولار في السنة إذا تم حسابه في "تعادل القوة الشرائية"".
ونتيجة لذلك، فإن "الناتج المحلي الإجمالي في تعادل القوة الشرائية" للبرازيل أكبر بكثير من "الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي" للبرازيل.
وحسب سيلفي ماتيلي؛ حتى وإن استمرت حصة دول بريكس في الزيادة من عام إلى آخر، فإن هيمنتها الاقتصادية على مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى ليست حقيقية بعد، فبرأيها، فإن ارتفاع قوة هذه الدول هو في الواقع بسبب قوة الصين حيث تمثل وحدها 69 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي في هذه الدول.
وهو الطرح الذي يؤيده جيروم هيريكورت، أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعتي إيفري وباريس ساكلاي، الذي يصرّ على وجود عدم تجانس للقوى في منطقة البريكس، وبأن الصين هي الدولة الوحيدة من بين الدول الخمس التي لديها ناتج محلي إجمالي للفرد يضاهي مثيله في مجموعة الدول السبع، لذا من حيث القيادة الاقتصادية، فهي الدولة الوحيدة حتى حاليًا التي يمكنها المنافسة، وسيكون من المناسب تحليل توازن القوى بين هذه الدول ومجموعة السبع، من منظور "الناتج المحلي الإجمالي للفرد".
وتابعت الصحيفة مع جيروم هيريكورت، الذي أكد على أهمية ملاحظة أنه بفضل عدد السكان المتزايد، اكتسبت دول بريكس إمكانات إنتاجية، لدرجة تجاوزت هذه الدول مجموعة السبع في حصتها في النمو العالمي، هذا الانقلاب في المسؤولية في النمو العالمي يثير تساؤلات حول المؤسسات العالمية الحالية.
ويواصل قائلًا: "في صندوق النقد الدولي، كل دولة لديها حصص، وكلما احتفظ به، زاد تأثيرها في صنع القرار، ولا سيما في إدارة المؤسسة. ومع ذلك، فإن النسب الحالية للحصص لا تمثل الثقل الاقتصادي للبلدان".
على سبيل المثال، تمثل الصين 18 بالمئة من "الناتج المحلي الإجمالي العالمي"، ولكن ليس لديها سوى 6.4 بالمئة من الأسهم المتاحة. وهذا هو السبب في أن دول تعمل ضد المؤسسات المالية الدولية القائمة مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وتقوم بتطوير مؤسساتها الخاصة، مثل بنك التنمية الجديد، والتي لا تزال غير مجمع على الاعتراف بها كبدائل صلبة.
وختمت الصحيفة تقريرها بالقول إن هذه الدول ليست - حتى الآن - أقوى اقتصاديًا من مجموعة السبع، لأن المساهمة الأكبر في "الناتج المحلي الإجمالي العالمي في تعادل القوة الشرائية" لا تعني التفوق الحقيقي. ومع ذلك؛ فإن ثقلها في الاقتصاد العالمي يستمر في النمو، ونظرًا لكونها مسؤولة عن 31.2 بالمئة من الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بين سنتيْ 2021 و2022، فإن هذه الدول هي المحرك الرئيسي للنمو، في حين أن مجموعة السبع تمثل 25.6 بالمئة، لكنْ تبقى القوة الاقتصادية لبلدان بريكس معتمدة بالكامل تقريبًا على قوة الصين التي تمثل 69 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول.