قضايا وآراء

السودانيون بين سندان الجيش ومطرقة الدعم السريع.. وتخاذل القوى المدنية!

جيتي
لم يكن مفاجئاً ولا غريباً ما يحدث في السودان الآن، من مواجهات عسكرية بين قوات الجيش السوداني بقيادة "عبد الفتاح البرهان"، رئيس مجلس السيادة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وبين قوات الدعم السريع بقيادة "محمد حمدان دقلو" الملقب بـ"حميدتي"، نائب رئيس مجلس السيادة، فسير الأحداث منذ أن قام البرهان بانقلابه عام 2019، ضد الرئيس "عمر حسن البشير"، كانت تشير وتنبئ بقرب الصِدام المسلح بينهما، وخاصة مؤخراً بعد الخلاف الحاد حول شروط البرهان لدمج قوات الدعم السريع في الجيش السوداني، وصدور بيان من قيادة الجيش في الرابع عشر من شهر نيسان/ أبريل الحالي، أي قبل حدوث الصدام المسلح، يتهم فيه حميدتي وقواته بالتمرد والخروج عن القانون والشرعية ومعادة الدولة، ويظهر البرهان بالرجل المسالم المحافظ على وحدة وأمن البلاد وسلامة المواطنين.

وكان هذا مؤشرا قويا على تصاعد التوتر بين القوتين المتنافستين أو المتصارعتين على حكم السودان، حيث يقول البيان في بعض فقراته إنه "يقع على عاتق القوات المسلحة دستورياً وقانونياً حفظ وصون أمن وسلامة البلاد، يعاونها في ذلك أجهزة الدولة المختلفة". وأضاف أن "القوانين نظمت كيفية تقديم هذا العون، وبناء على ذلك وجب علينا أن ندق ناقوس الخطر بأن بلادنا تمر بمنعطف تاريخي وخطير، وتزداد مخاطره بقيام قيادة قوات الدعم السريع بحشد القوات داخل العاصمة وبعض المدن دون موافقة قيادة القوات المسلحة أو مجرد التنسيق معها، مما أثار الهلع والخوف في أوساط المواطنين وفاقم من المخاطر الأمنية وزاد من التوتر بين القوات النظامية". وقال إن "هذه التحركات تخالف مهام ونظام عمل قوات الدعم السريع وفيها تجاوز واضح للقانون، واستمرارها سيؤدي حتما إلى المزيد من الانقسامات والتوترات التي ربما تقود إلى انفراط عقد الأمن بالبلاد". وحذر من خطر وقوع مواجهة بين تحركات وحشد لقوات الدعم السريع في الخرطوم ومدن أخرى، مؤكدا "محاولات القوات المسلحة في إيجاد الحلول السلمية لهذه التجاوزات، وذلك حفاظا على الطمأنينة العامة وعدم الرغبة في نشوب صراع مسلح يقضى على الأخضر واليابس".

كما هو واضح من بياني حميدتي، فقد أراد أن يغازل الغرب المعادي للتيار الإسلامي وأنه يعمل لإقصائهم عن الجيش وباقي مفاصل الدولة بعدما أدمج البرهان بعضهم مؤخراً في الجيش وبعض المناصب المهمة في الدولة. كما أنه يحاول استمالة القوى المدنية المعادية لتيار الإسلام السياسي، إلى معسكره أو إلى صفه، والمتمثلة في قوى "الحرية والتغيير"

وقد أثار هذا البيان غضب حميدتي واعتبره تحريضاً ضده وتقزيماً لدوره في حكم البلاد، وتمهيداً لإقصائه عن المشهد السياسي، كما رأى فيه انتقاصاً متعمداً من مهام قوات الدعم السريع والتي لولاها ما تمكن البرهان من نجاح انقلابه ضد البشير. فعلى الفور أصدر بياناً رداً على بيان الجيش قال فيه إن "قوات الدعم السريع تنتشر وتنتقل في كل أرجاء الوطن من أجل تحقيق الأمن والاستقرار، ومحاربة ظواهر الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، ومكافحة التهريب والمخدرات والجريمة العابرة والتصدي لعصابات النهب المسلح أينما وجدت". وأضاف أنه نادم على الانقلاب ويدعم اتفاق المرحلة الانتقالية المدعوم من الأمم المتحدة والغرب والخليج لمنع عودة الإسلاميين الموالين للبشير إلى المشهد السياسي. كما أكد في بيان آخر بعد اجتماع مشترك عبر الهاتف مع مبعوثين خاصين من الولايات المتحدة وبريطانيا والنرويج، حرصه على تعزيز الاستقرار، والعمل على دعم مسيرة التحول الديمقراطي في البلاد، وأنه لا يزال ملتزماً بما تم التوقيع عليه في الاتفاق الإطاري في كانون الأول/ ديسمبر 2022.

وكما هو واضح من بياني حميدتي، فقد أراد أن يغازل الغرب المعادي للتيار الإسلامي وأنه يعمل لإقصائهم عن الجيش وباقي مفاصل الدولة بعدما أدمج البرهان بعضهم مؤخراً في الجيش وبعض المناصب المهمة في الدولة. كما أنه يحاول استمالة القوى المدنية المعادية لتيار الإسلام السياسي، إلى معسكره أو إلى صفه، والمتمثلة في قوى "الحرية والتغيير"، وهو المكون السياسي الذي قاد الثورة ضد البشير عام 2019، واتخذها البرهان مطية لتمر من فوقها دباباته وتكون الغطاء المدني لانقلابه، وهذه القوى تتشكل من المهنيين وتحالف قوى الإجماع الوطني وتجمع الاتحاد المعارض، ولكن سيطر على هذه المكون الشيوعيون والجناح اليساري بصفة عامة، واختزلوا الثورة فيهم وتكلموا باسمها، فهم أصحاب حناجر رنانة وبضاعتهم التي يروجونها عفا عليها الزمن وأكل الدهر منها وشرب، ولكنهم يجدون ضالتهم أو حمايتهم في الجيش للوصول إلى الحكم.

فهؤلاء القوم ممن يطلقون عليهم النخب، يعيشون في أبراج عاجية فوق الشعب الذي يجب أن يخضع لهم ويحكمونه ولو بالقوة، ورأوا أن ذلك لن يحدث إلا بالتحالف مع الجيش؛ فركضوا إليه ليكونوا تحت مظلته لحمايتهم بدلاً من مظلة الشعب الذين يسفهونه ويحطون من قدره ويقللون من وعيه السياسي، ولا يريدون الاحتكام إليه في انتخابات حرة نزيهة؛ لأنهم يدركون حجمهم الطبيعي في الشارع السوداني، فلن يفوزوا عبر صناديق الانتخاب، وبالتالي لن يتحقق حلمهم بحكم السودان. لذلك توافقت رغبتهم مع رغبة المجلس العسكري، الذي أيقن أيضا أن الشعب يرفض حكم العسكر، فأطاحوا بقائدهم الأعلى ورئيسهم (البشير) لخمد هذه الثورة الشعبية التي كادت أن تطيح بهم جميعا.

من السخرية بمكان أنه حينما أعلن المجلس العسكري، الذي تظاهر جنرالاته وعلى رأسهم "عبد الفتاح البرهان" أنهم من أنصار الثورة وحماة لها، أن مدة الفترة الانتقالية عام واحد، في محاولة منه لمغازلة الشعب وطمأنته، خشي هؤلاء القوم على أنفسهم، وطالبوا بمدها لعامين ثم عادوا وطالبوا أن تزيد ولتكن أربعة أعوام

فلقد كانت جماهير الثورة تطمح في اجتثاث جذور العسكر من تربة الحياة السياسية تماماً ويطالبون بحكم مدني خالص، ولكن الشيوعيين عطلوا تلك المسيرة واستقووا بالجيش ورضوا بالدنيّة من العسكر على أن يشاركوهم في الحكم، وبرروها لأنفسهم ولجماهير الثورة الغفيرة التي ركبوا عليها وسرقوها منهم، على أنها فترة انتقالية لاستقرار البلاد تعود بعدها الحياة الديمقراطية السليمة والحكم المدني الخالص.

ومن السخرية بمكان أنه حينما أعلن المجلس العسكري، الذي تظاهر جنرالاته وعلى رأسهم "عبد الفتاح البرهان" أنهم من أنصار الثورة وحماة لها، أن مدة الفترة الانتقالية عام واحد، في محاولة منه لمغازلة الشعب وطمأنته، خشي هؤلاء القوم على أنفسهم، وطالبوا بمدها لعامين ثم عادوا وطالبوا أن تزيد ولتكن أربعة أعوام، وكان لهم ما أرادوا!!

 وها نحن بعد أربعة أعوام يرفض البرهان توقيع الاتفاق بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب 2019، ويُحمّل حميدتي بقواته أو مليشياته غير الشرعية المسؤولية الكاملة على تعطيل الاتفاق، وإدخال البلاد في أتون الحرب التي تنذر بوقوع حرب أهلية في السودان، وها هي تلك النخبة الفاسدة تختفي وتغيب عن الصراع الدموي الدائر الآن، فلا صوت لهم مما اعتدنا سماعه منهم وصدعوا رؤوسنا به، ولا تحرك سلميا يُوقف سلسال الدماء الذي يجري على أرض السودان، كما خذلت القوى المدنية التي حملت لواء الثورة عام 2019، السودانيين في أخطر منعطف تمر به البلاد!!

ها نحن بعد أربعة أعوام يرفض البرهان توقيع الاتفاق بين العسكريين والمدنيين لإنهاء الأزمة التي تعيشها البلاد منذ انقلاب 2019، ويُحمّل حميدتي بقواته أو مليشياته غير الشرعية المسؤولية الكاملة على تعطيل الاتفاق، وإدخال البلاد في أتون الحرب التي تنذر بوقوع حرب أهلية في السودان، وها هي تلك النخبة الفاسدة تختفي وتغيب عن الصراع الدموي الدائر الآن

هناك مثل مصري يقول "ما أسخم من سيدي إلا ستي"، وهذا المثل ينطبق على البرهان وحميدتي، فكلاهما أسوأ من بعضهما البعض، فكلاهما يريدان الانفراد بحكم السودان والاستحواذ على السلطة منفرداً ولو على أنقاض الشعب السوداني الغارق في الدماء والدمار، والذي يدفع ثمن هذا الصراع الدائر حالياً بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع.

فأغلب ضحايا تلك المعارك الدائرة حالياً من المدنيين، الذين يواجهون سندان الجيش ومطرقة الدعم السريع، وهذان الخصمان اللدودان لا يهمهم ما يتعرض له السودان من مخاطر جسيمة قد تؤدي إلى حرب أهلية مدمرة؛ ينتج عنها تقسيم دولة السودان إلى عدة دويلات وانفصال بعض الأقاليم في الشمال كدارفور، حيث معقل نفوذ حميدتي وقوات الدعم السريع، كما حدث في انفصال الجنوب عام 2011، ويتحول السودان كدولة كبيرة موحدة، إلى كيانات صغيرة متفككة ومتشرذمة تقاتل بعضها البعض. فهم لا يعبأون بكل ذلك ولا يقيمون حرمة لدماء السودانيين المهدرة في طول وعرض الشوارع، ولا يأبهون لما يمر به الشعب السوداني الطيب، أطيب الشعوب العربية، من كوارث وأزمات اقتصادية تفاقمت حدتها منذ حدوث انقلاب 2019، إن ما يهمهم فقط هو كرسي الحكم.. لعن الكرسي الملوث بدماء الشعب ومَن يجلس فوقه على أنقاض البلاد..
وللحديث بقية..

twitter.com/amiraaboelfetou
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع