نشرت صحيفة
"نيويورك تايمز" الأمريكية مقال رأي للخبير الاقتصادي الأمريكي، وأستاذ الاقتصاد في مركز الدراسات العليا بجامعة مدينة نيويورك، بول كروغمان تحدث فيه عن انحسار
الدولار الأمريكي وتأثير ذلك على اقتصاد الولايات المتحدة ومكانة الدولار كعملة احتياطية رئيسية في العالم.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن الجدل القائم حاليًا حول "التخلي عن
الدولرة" وعواقبها الوخيمة على الاقتصاد الأمريكي سببه أنصار
العملات المشفرة وبيتكوين على وجه الخصوص ومؤيدو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذين يريدون الترويج لفكرة عقاب الولايات المتحدة على "تسليح" الدولار في خضم الغزو الروسي لأوكرانيا.
وذكر الكاتب أن إيلون ماسك من بين الذين حذروا من أن تسليح الدولار سيدمر مكانته كعملة احتياطية، إلى جانب خبراء في العلاقات الدولية مثل فريد زكريا الذي حذر من أن مكانة الدولار العظمى ستهتز. وحتى المحللون الاقتصاديون مثل مايكل بيتيس الذي يعتبر من أصحاب رؤى حول الصين، يبدو أنه يعتقد أن هيمنة الدولار هي السبب الوحيد الذي يجعل الولايات المتحدة تعاني من عجز تجاري كبير ومستمر.
وأكد الكاتب أن كل هذه التحليلات غريبة إلى حد ما لأن مجرد إلقاء نظرة على ما تنطوي عليه هذه الهيمنة في الواقع ستوضّح أن أهمية التحكم في احتياطي العملة العالمية مبالغٌ فيها إلى حد كبير.
وتُسلّط ورقة بحثية كتبها كل من جيتا جوبيناث، التي تعد مسؤولة كبيرة في صندوق النقد الدولي، وجيريمي شتاين الضوء على المبادلات التجارية العالمية التي يتم تسويتها بالدولار الأمريكي وتقديم العديد من البنوك خارج الولايات المتحدة ودائع مقومة بالدولار واقتراض الشركات غير الأمريكية بالدولار وامتلاك البنوك المركزية حصة كبيرة من احتياطياتها في الأصول الدولارية؛ وحتى أسعار الفائدة تكون أقل عندما تقترض بالدولار.
وأشار الكاتب إلى أن حرص الولايات المتحدة على أن تكون العقود المبرمة بين المصدرين الصينيين والمستوردين البرازيليين بالدولار بدلاً من اليوان أو الريال تعكس الدور الذي يضطلع به الدولار في منح الولايات المتحدة قدرة فريدة على إدارة عجز كبير في ميزان المدفوعات، ربما لأن مكانة الدولار تجبر البلدان الأخرى على قبولها كوسيلة للدفع.
وأكد الكاتب أنه بعد إلقاء نظرة على ميزان المدفوعات للحسابات الجارية اتضح أن هناك عدة دول قادرة على تحمل عجز تجاري مستمر، والعديد منها تعاني من عجز أكبر مقارنة بحجم اقتصاداتها. كانت بريطانيا، التي تعاني من أكبر عجز، تمتلك عملة مهيمنة عالميًا - لكن الجنيه الإسترليني توقف عن لعب أي دور دولي مهم منذ أجيال. ولم يعد يُستخدم الدولار الأسترالي والدولار الكندي على نطاق واسع خارج الدول المصدرة لهما.
وفيما يتعلق بالمزايا الخاصة التي تكسبها الولايات المتحدة من هيمنة الدولار، من المحتمل أن استخدام الدولار في جميع أنحاء العالم خلق تصورًا بأن السندات الدولارية هي أصول آمنة، بحيث يمكن للولايات المتحدة الاقتراض بسعر أرخص من الدول الأخرى. لكن من الصعب معرفة ذلك، نظرًا لوجود العديد من العوامل التي تؤثر على أسعار الفائدة.
وحسب الكاتب، فإن هيمنة الدولار لا تساوي أكثر من جزء من 1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة، ناهيك عن أن التقارير المتعلقة بزوال الدولار في المستقبل ربما تكون مبالغًا فيها إلى حد كبير ولا تقدم الورقة البحثية المذكورة أعلاه من قبل غوبيناث وشتاين سوى سبب واحد من شأنه الحفاظ على هيمنة الدولار.
وخلص الكاتب إلى أن الدولار اكتسب هيمنته من رواج استخدامه على نطاق واسع وجميع الأدوار التي يلعبها تخلق شبكة من التعزيز الذاتي من شأنها أن تحافظ على تفوقه. وحتى إذا أعربت بعض الحكومات عن رغبتها في إجراء مدفوعات بعملات أخرى، فليس من الواضح على الإطلاق أنها تستطيع تحقيق ذلك نظرًا لأننا نتحدث في الغالب عن قرارات لا تشمل سوى القطاع الخاص. وحتى إذا تمكنوا من دحر هيمنة الدولار نسبيا، ستظل جميع المزايا الأخرى للدولار كعملة مصرفية وعملة اقتراض قائمةً.