نشر موقع "
بلومبيرغ" الأمريكي مقال رأي للكاتب بوبي غوش
تحدث فيه عن التداعيات المتوقعة لمحاولة الدول العربية تطبيع العلاقات مع
الدكتاتور السوري بشار الأسد، التي تشمل تفاقم الأزمات الحالية في المنطقة واندلاع
أزمات جديدة.
وقال الكاتب، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه بعد
أشهر من المناورات الدبلوماسية تحركت الكتلة العربية المكونة من 22 عضوًا لإخراج
نظام الأسد من عزلته الدولية، ومن المتوقع أن تضفي قمة رؤساء الدول في الرياض
الأسبوع المقبل الطابع الرسمي على هذه العملية.
وأشار الكاتب إلى أنه يتم تصوير عملية إعادة تأهيل النظام الأكثر
وحشية في العالم العربي على أنها تسوية معقولة مع المعطيات على أرض الواقع - ولكن
بدرجة يصعب تبريرها مع ما حدث من وقائع - واستراتيجية جيوسياسية ذكية (أي سحب دمشق
بعيدًا عن مدار طهران). وتعتبر هذه الافتراضات معيبة للغاية ذلك أن عودة
سوريا إلى
الحظيرة العربية ستؤدي إلى تفاقم الأزمات الحالية في المنطقة وخلق أزمات جديدة
بدلا من حلّ أي مشاكل.
في المقابل، سيستخدم
نظام الأسد هذه الفرصة لإثراء نفسه مع توسيع الأسواق لتصدير عقار الكبتاغون، وهي
آفة تكافحها العديد من الدول العربية ويجب أن تستعد لما هو أسوأ في المستقبل.
وذكر الكاتب أن أيّ دعم مالي تقدمه جامعة الدول العربية الآن للأسد
لإعادة إعمار البلاد التي دمرها على امتداد السنوات الـ 12 الماضية سيتم تحويله في
الغالب إلى خزائنه وخزائن أصدقائه المقربين. وسيؤدي التعامل مع النظام السوري إلى
دخول الدول العربية - وأي شركات عربية تتبع سياسات حكوماتها - في صراع مباشر مع
العقوبات الأمريكية والأوروبية.
أما بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا، فإن هذا يشكل معضلة صعبة:
كيف تعاقب أصدقاءك على إيمانهم بإرساء الدبلوماسية مع العدو؟ تصر إدارة بايدن على
أن موقفها لم يتغير. وقد صرح وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأن "الولايات
المتحدة لن تطبّع العلاقات مع نظام الأسد ولن تدعم تطبيع الدول الأخرى حتى يتم
تحقيق تقدم سياسي حقيقي بوساطة الأمم المتحدة بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن
الدولي رقم 2254".
ويرى الكاتب أن الاختبار الحقيقي للإدارة الأمريكية سيكون عندما
تبدأ الدول العربية في وضع أموالها مكان ذرائعها الدنيئة، وتطلب من الولايات
المتحدة تجاهل ذلك. ويقول بعض قادة جامعة الدول العربية إنهم يرغبون في تقديم
المساعدة لملايين السوريين الذين عانوا عشرات السنين من المذابح والدمار من قبل
النظام. وسوف يجادلون بأن الأموال المخصصة لإعادة إعمار المدن المدمرة يجب أن
تُعفى من العقوبات لأسباب إنسانية.
فهل يستطيع الغرب الصمود بعد أن تراجعت الدول العربية عن إدانة
الأسد؟ إن دعوات واشنطن للموافقة على إنهاء عزلة سوريا الدولية أمر لا مفر منه،
وإذا غيّر أشد المؤيدين للعقوبات رأيهم الآن، فلماذا لا تغيّر رأيها أيضًا؟ لن
يمثل هذا خيانة للمبادئ فحسب، بل سيعيق السلاح الرئيسي غير العسكري الذي يمكن
للغرب استخدامه ضد الطغاة في كل مكان. وقد يكون تطبيق العقوبات بطيئا، لكنها تظل
قيودً، وبدونها لكان الأسد بلا شك قد ذبح أضعاف المدنيين الذين سقطوا في الحرب
الأهلية السورية والبالغ عددهم 300 ألف مدني.
ونبّه الكاتب إلى أن السماح للدول العربية بمساعدة دمشق سيكون
أيضًا خطأ جيوسياسيًا فادحًا، فهو يعني مكافأة الجهود الروسية والإيرانية لحماية
الأسد من شعبه ومنحهم انتصارًا دعائيًا على الغرب. فبعد أن زوّدت الطاغية بالأسلحة
لتدمير بلده، فإن موسكو وطهران لن ترغبا في شيء أكثر من حمل الدول العربية على دفع
تكاليف إعادة إعمار سوريا وإعادة تأهيل الأسد. ومما لا شك فيه أن الأسد سيبقى
مواليًا لأولئك الذين دعموه عندما كان العالم ضده.
من المحتمل أن تستغل إيران عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية
لاستخدامها كغطاء لخرق العقوبات المفروضة عليها. وستكون هذه أخبار سيئة
لإسرائيل، ففي الشهر الماضي فقط، تم الكشف عن استخدام إيران رحلات جويّة تهدف إلى
توفير المساعدات الإنسانية للأجزاء التي ضربها الزلزال في سوريا كغطاء لشحن
الأسلحة إلى المليشيات التي تعمل بالوكالة عنها. ويعتمد بعضها، مثل حزب الله اللبناني على مثل هذه التدابير للحصول على المزيد من الصواريخ والقذائف لاستخدامها ضد
إسرائيل.
وأشار الكاتب إلى أن الأسد سيكون سعيدًا بقبول أي أموال يقدمها
العرب، إلا أنهم لن يؤثروا في المقابل بشكل كبير على سياساته. ويجب أن تعلم جامعة
الدول العربية من خلال الأماكن الأخرى التي تمارس فيها طهران نفوذًا ضارًا -
لبنان على سبيل المثال - أن المال لا يشتري النفوذ.