ما بين السوريين
والفلسطينيين أكثر من تضامن وتعاطف في أوقات الأزمات، ثمة مسار مشترك من الآمال والآلام
حفر خطوطه على أجساد الشعبين، وفي جميع مفاصل المراحل السابقة ومحطاتها، كانت
الشراكة السورية
الفلسطينية عنوانا بارزا. والمفارقة أنهما كانا جسدا واحدا أيضا، يوم قرر حاكم دمشق قتل حلم السوريين في الحرية والكرامة، ومن ضمن ارتكاباته معاملة مخيم اليرموك مثل شقيقاته
في
سوريا من حيث الحصة في البراميل المتفجرة والدمار.
ما قبل خروج
الدولة العثمانية من المشرق العربي، لم تكن ثمّة حدود بين فلسطين وسوريا، كان
ميناء حيفا رئة البر السوري للعالم ومكانا تترزق منه آلاف العمالة السورية الوافدة
من دمشق وحوران، ومن دمشق كانت تتجهز عرائس فلسطين، لم يكن ذلك نتيجة أقدار
الجغرافيا وحكمها البائن وحسب، بقدر ما كان نتيجة اختلاط الدم والأنساب، ويذكر
الباحث الفلسطيني علي بدوان مفارقة في هذا المجال، إذ إن أغلب عائلات دمشق العريقة
جاءت من صفد، وأن جزءا لا بأس به من عائلات حيفا أصولها سورية.
حاولت أنظمة الانقلابات العسكرية السورية، وخاصة أولئك الذين سيطروا على السلطة باسم حزب البعث، احتكار العلاقة مع الفلسطينيين وضبط تفاعلات السوريين وتقنينها، ضمن أطر معينة تصب في صالح ادعاءات النظام الحاكم، الذي اعتبر أن ادعاء العمل على تحرير فلسطين يشكّل أحد أهم مصادر شرعيته الداخلية والإقليمية، ومثلما سعى إلى إخضاع القوى التحررية الفلسطينية لرؤيته للصراع مع الصهيونية، التي لا تتناسب مع حركة التحرر الفلسطيني، عمل على ملاحقة أي سوري يتعاطف مع فصائل العمل الفلسطيني.
هذا التشارك في
النسيج الاجتماعي، انعكس بشكل جلي على ترابط المصير بين الشعبين، فمنذ البدايات
الأولى لدخول المشروع الصهيوني مراحله الأولى، ظهرت مطالبات النخب في بلاد الشام في
الرغبة بالعيش المشترك ضمن دولة مستقلة من الإسكندرون إلى رفح، وذلك نتيجة إحساسهم
بخطر يهدد مصائرهم. لن يطول الزمن حتى يتكشف عبر وعد بلفور المشؤوم الذي سيرفضه
الشعبان، وهو ما عبرت عنه بوضوح وثائق لجنة" كينغ- كرين"، التي أرسلها
الرئيس الأمريكي ودور ويلسون لاستقصاء رأي الناس في بلاد الشام.
هذا الرفض، سيتطور
في مرحلة لاحقة على شكل مشاركة في النضال ضد الاستعمارين البريطاني والفرنسي
لفلسطين وسوريا، حيث سيشارك أبناء فلسطين في ثورات السوريين ضد المستعمر الفرنسي،
كما سيذهب كثر من السوريين لمشاركة الفلسطينيين في النضال ضد بريطانيا ومشروعها
الصهيوني، والمثال المعروف هنا الشيخ عز الدين القسام، الذي لا تزال الذاكرة
الفلسطينية تحفظه، وسمّت حركة المقاومة الفلسطينية حماس أحد أهم أجنحتها العسكرية باسمه
"كتائب عز الدين القسام".
حاولت أنظمة الانقلابات
العسكرية السورية، وخاصة أولئك الذين سيطروا على السلطة باسم حزب البعث، احتكار
العلاقة مع الفلسطينيين وضبط تفاعلات السوريين وتقنينها، ضمن أطر معينة تصب في صالح
ادعاءات النظام الحاكم، الذي اعتبر أن ادعاء العمل على تحرير فلسطين يشكّل أحد أهم
مصادر شرعيته الداخلية والإقليمية، ومثلما سعى إلى إخضاع القوى التحررية
الفلسطينية لرؤيته للصراع مع الصهيونية، التي لا تتناسب مع حركة التحرر الفلسطيني،
عمل على ملاحقة أي سوري يتعاطف مع فصائل العمل الفلسطيني بالسجن والعقاب؛ بذريعة
تهديد الأمن السوري.
غير أن النسيج
الاجتماعي الذي ازداد تشابكا بين الفلسطينيين والسوريين؛ جراء المصاهرة والعمل
والجيرة، جعل شرائح سوريا كثيرة "تتفلسطن"، سواء عبر انخراطها بالعمل
المقاوم من خلال الفصائل، حيث تؤكد الوثائق التحاق آلاف من الشباب السوري بالعمل الفدائي
واستشهاد الكثير منهم، أو من خلال اختيار الكثير من السوريين العيش في
المخيمات
الفلسطينية في سوريا أو على تماس معها، واندماجهم ثقافيا واجتماعيا في الوسط
الفلسطيني، وتزايد حالات الزواج بين الطرفين. وهنا ثمّة قصّة مشهورة في هذا
الإطار، إذ حين اندلاع الثورة السورية ضد نظام الأسد، وصلت تعليمات من السلطة
برام الله بضرورة الوقوف على الحياد، بل وصل الأمر إلى حد التهديد بالفصل لكل عضو
في التنظيمات الفلسطينية يخالف هذه المعلومات، فما كان من الكثير من الشباب
الفلسطيني سوى الاستقالة من هذه التنظيمات؛ كتعبير عن ارتباطهم بالشعب السوري.
الحالة الأبرز
كانت في درعا، عندما ذهب وفد من المنظمة في دمشق يطالب بعدم التدخل في الحدث
السوري، فكان جواب الناس للوفد؛ إننا لا نستطيع فعل ذلك؛ لأن أبناء درعا إما أولاد
خالاتنا وأخوالنا أو أولاد عماتنا. كذلك فعلت حركة حماس في مخيم اليرموك والحجر
الأسود، حيث رفضت قيادة الحركة المشاركة في قمع السوريين، بذريعة رد الوفاء لنظام
الأسد، ولم تكتف الحركة بذلك، بل انحازت كوادرها للثورة، وسيدفع الفلسطينيون في
سوريا حصتهم الكبيرة من الدم واللجوء والاعتقال والإخفاء والغرق في البحار،
وسيساوي النظام بالعدل بينهم في توزيع البراميل المتفجرة والدمار الذي طال المدن
وحوّلها إلى أطلال، ولا يزال مخيم اليرموك شاهدا على المساواة الأسدية.
تجاوز عدد اللاجئين الفلسطينيين في سوريا النصف مليون، جزء منهم عاصر النكبة الأولى، ليجددوا مع الأجيال الجديدة النكبة الثانية، وعاش الفلسطينيون التغريبة الثانية بعد اضطرارهم للخروج من المخيمات التي أخرجها نظام الأسد من قائمة الأماكن القابلة للعيش، ليهيموا على وجوهم، نازحين في سوريا، وأغلبهم لاجئ في الخارج.
على إثر
النكبة
الفلسطينية، كان قد لجأ بحدود مئة ألف فلسطيني أغلبهم من أقضية صفد وطبريا وحيفا
وعكا والناصرة ويافا، واستقر الجزء الأكبر منهم حول دمشق في مخيمات جرمانا وخان
دنون وخان الشيح والست زينب وسبينة، ومخيم اليرموك الذي يُطلق عليه تسمية عاصمة
الشتات الفلسطيني؛ نظرا لمكانته الاقتصادية والسياسية والثقافية بالنسبة للفلسطينيين
في سوريا، بالإضافة إلى مخيم درعا في الجنوب، والرمل في اللاذقية، والعائدون في
حمص، والعائدون في حماة، والنيرب وحندرات في حلب.
في عام 1956 أقر
مجلس الشعب السوري القانون رقم 260، ووافق عليه وقتها الرئيس "شكري
القوتلي"، الذي منح الفلسطينيين حقوقا متساوية مع السوريين، باستثناء الانتخاب
والترشح، دون أن يمنع هذا الأمر الفلسطينيين من العمل في هياكل الدولة السورية وفي
المواقع السيادية، بصفة مستشارين ومدراء.
في بداية الثورة، تجاوز عدد
اللاجئين الفلسطينيين في سوريا النصف مليون، جزء منهم عاصر النكبة الأولى، ليجددوا مع الأجيال الجديدة النكبة الثانية، وعاش الفلسطينيون التغريبة الثانية بعد اضطرارهم للخروج من المخيمات التي أخرجها نظام الأسد من قائمة الأماكن القابلة للعيش، ليهيموا على وجوهم، نازحين في سوريا، وأغلبهم لاجئ في الخارج.
twitter.com/ghazidahman1