تشكل الجماعات والطوائف الإسلامية أحد العناصر الرئيسية في الحياة السياسية والاجتماعية في تركيا التي تعد أن لها تأثيرا خاصا في بعض الأطياف المجتمعية، مما يجعل دورها مهما في الخريطة السياسية للبلاد.
وتشير بعض الدراسات إلى أن في تركيا نحو 30 طائفة و400 فرع تابع لها، ورغم انخفاض عدد المنتسبين لها إلا أن حجم تأثيرهم كبير جدا، وفقا لمراقبين وشركات استطلاع.
وتنشط
الجماعات الإسلامية الصوفية بشكل أكبر في إسطنبول، وسرت، وديار بكر وماردين وأديامان، وباطمان، وفان، وهكاري، وشرناق، وآغري، وموش، وبيتليس، وغازي عنتاب، وشانلي أوروفا.
والطرق الصوفية التركية لها جذور تاريخية ترجع إلى مئات السنين، ورغم التحولات التي مرت بها البلاد، إلا أنها عملت على الحفاظ على تأثيرها في المجتمع التركي لتكريس الثقافة الإسلامية كشريعة.
أولا: الطريقة النقشبندية
والطائفة النقشية أو النقشبندية هي الطائفة الصوفية التي لها أكبر عدد من الفروع، وبالتالي الأكثر أتباعا، وهي متشابكة مع المؤسسة السياسية في تركيا.
وشارك النقشبنديون في كل الأحداث التي ثارت في وجه علمنة تركيا، ومع إقرار نظام التعددية الحزبية عاودت نشاطها، وعملت على تعزيز حضورها في أوساط أساتذة الجامعة وموظفي الدولة وأصحاب المهن الحرة لا سيما القطاع التجاري.
ونشطت الطريقة النقشبندية في تفعيل علاقاتها مع الأحزاب السياسية لا سيما المحافظة في تركيا، وفي البداية كانت تدعم حزب "النظام الوطني" ثم "السلامة الوطني" اللذين أسسهما نجم الدين أربكان، وبعد انقلاب عام 1950، انتمت غالبيتها إلى حزب "الوطن الأم" بقيادة تورغوت أوزال، وجزء آخر لحزب الرفاه.
وبالإضافة إلى
جماعة إسماعيل أغا التي برز اسمها مؤخرا بوفاة زعيمها محمود أوسطى عثمان أوغلو المعروف بــ"محمود أفندي"، تنشط أفرع صوفية أخرى في تركيا، وهي السليمانية، والمنزل، وجماعة إسكندر باشا، وإرينكوي، والنور.
أولا: جماعة إسماعيل آغا
وتعد إحدى التشكيلات التي تمثل طائفة النقشبندية، وأسسها محمود أوسطى عثمان أوغلو في أوائل الثمانينيات.
وتعد جماعة "إسماعيل آغا" أحد الفروع الرائدة للطائفة النقشبندية في إسطنبول، إلى جانب جماعة "طريق الحق" التي أسسها محمد زاهد كوتكو، وجماعة وإرينكوي.
وعلى عكس الجماعات الأخرى، فإن جماعة إسماعيل أغا، تعد الأكثر تنظيما بشأن المدارس الدينية، وتهتم بتعلم اللغة العربية، وتطبق نظام الفصل بين النساء والرجال، وفي الجنازة المهيبة لشيخها محمود أوسطى عثمان أوغلو، لم تشارك النساء بناء على توصيته.
وتشير بعض الدراسات، إلى أنه من بين حوالي 4.5 ملايين شخص يتبعون الطرق النقشبندية، هناك 7.2 بالمئة ﻳﻨﺘﻤﻮن إﱃ جماعة إسماعيل آغا.
وسميت الجماعة بهذا الاسم، نسبة إلى جامع إسماعيل آغا في منطقة الفاتح، والذي شيده شيخ الإسلام آنذاك أبو إسحاق إسماعيل أفندي.
وكان جامع إسماعيل آغا، مهجورا في أواخر حقبة الإمبراطورية العثمانية، والعهد الأول لتأسيس الجمهورية، وقد قام بترميمه الشيخ علي حيدر أفندي المتوفى عام 1960.
وتتركز أنشطة جماعة إسماعيل آغا، التي تضم وسائل الإعلام والمدارس الدينية والمدارس الخاصة ودورات القرآن في هيكلها، بشكل عام في مجال الخدمات الدينية والاجتماعية، وتشرف على دورات القرآن الصيفية.
ولطالما دعمت الجماعة رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان، واعتادت على التصويت لحزب الرفاه خلال حقبة التسعينيات، ووقفت ضد محاولة الانقلاب عام 2016، واعتاد أردوغان على زيارة شيخها قبل وفاته ليأخذ مباركته بالانتخابات، وأصدرت تعميمات على منتسبيها للتصويت لصالح حزب العدالة والتنمية.
ثانيا: السليمانية
وهي جماعة أسسها سليمان حلمي توناهان توفي عام 1959، والذي يطلق عليه "الأستاذ"، وتعود أصوله إلى شيخ النقشبندية صلاح الدين بن سراج الدين.
وقد كانت أبرز فعالياته تعليم القرآن الكريم في الخفاء، خلال فترة التضييق التي مورست عليهم بعد سن قانون "توحيد التدريس" عام 1924.
واتبع توناهان مسارا مستقلا، كان يمارس أنشطته خلالها تحت اسم "جمعيات المساعدة لطلاب الدورات والمدارس"، والجماعة تملك دورات للقرآن الكريم في كل محافظة تركية ومجموع الدورات والمساكن الطلابية بلغ 1500 بعموم تركيا، كما تركزت الجماعة في ولايات منطقتي بحر إيجه والبحر الأبيض المتوسط.
ويقود الجماعة حاليا علي خان كوريش، وذلك بعد وفاة عمه عارف أحمد دنيزولغون عام 2016، والذي كان ناشطا ضمن الحزب الديمقراطي التركي.
وتتبنى السليمانية مسارا قائما على أن تبليغ الدين وإقامته لا يمكن عمله من خلال مؤسسة رسمية حكومية مثل وقف الديانة الذي تم إنشاؤه بعد تأسيس الجمهورية، واتبعت استراتيجية قائمة على افتتاح الجمعيات لتبليغ رسالتهم.
كما تنشط الجماعة في الخارج، لا سيما في ألمانيا وأشرفت على بناء المساجد هناك، ومن أبرز مؤسساتها، جمعية المراكز الثقافية الإسلامية (IKMB) في كولونيا بألمانيا، وسط تقديرات بوجود نحو 400 جمعية لها في أنحاء أوروبا.
واتهمت الحكومة التي يشكلها حزب العدالة والتنمية، هذه الجماعة بالتورط مع جماعة "غولن" خلال محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو 2016. وفي الانتخابات المحلية عام 2018، أصدرت الجماعة قرارها بالتصويت لحزب الجيد، وفي الانتخابات المحلية عام 2019 لرئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وفي انتخابات 2023 قررت دعم كمال كليتشدار أوغلو وحزب الشعب الجمهوري.
ثالثا: جماعة النور
وهي الجماعة الكردية التي تأسست على يد الشيخ سعيد النورسي من منطقة بيتلس، وصاحب كتاب "رسائل النور"، الذي دعا في رسائله إلى إقامة دولة قائمة على الشريعة الإسلامية.
وعاصرت الجماعة العهدين العثماني والجمهوري، وعارضت "القومية التركية"، وركزت في مناهجها على التوحيد والتربية الإيمانية، ومواجهة الأفكار المعادية للدين.
وبعد وفاة النورسي، انقسمت جماعة النور إلى أكثر من 10 مجموعات، منها من شارك بالسياسة مثل جماعة فتح الله غولن المتهمة بمحاولة الانقلاب عام 2016، وأخرى بقيت على النهج القديم للشيخ النورسي.
ومع ذلك كان هناك اسم لم يفقد مكانته كزعيم لمجموعة "الطلاب الستة"، بعد وفاة النورسي، وهو الشيخ محمد كركنجي الذي توفي في شباط/ فبراير 2016.
كما أن الشيخ حسنو بايرام أوغلو الذي توفي في نيسان/ أبريل 2021، أحد الطلاب الستة، أعلن دعمه مرارا للرئيس التركي أردوغان، وحرص دائما على الوقوف إلى جانبه.
ورغم إعلان الجماعة دعمها لأردوغان، فإن مجموعة "Yeni Asya" الإعلامية التابعة لها، قررت دعم "تحالف الأمة"، ومعروف بأن أصواتها للحزب الديمقراطي.
رابعا: جماعة المنزل
وتسمى بهذا الاسم، نسبة إلى قرية المنزل في ولاية أديامان، والتي كان يمارس فيها شيخها النقشبندي محمد راشد أرول (توفي عام 1993) فعالياته الموجهة إلى محاربة العادات المنافية للإسلام مثل شرب الخمر والقمار وغيرها.
وتنشط الجماعة في إسطنبول وسكاريا وأفيون وأنقرة وأديامان، وعملت سابقا على زيادة قوتها الاقتصادية خاصة مع المناقصات الواردة من البلديات من قبل الشركات التي أسسها التلاميذ الذين يطلقون على أنفسهم الدراويش.
وبعد وفاة راشد أرول، يتزعمها الشيخ عبد الباقي أرول، كما أعلنت الجمعيات التابعة لها وهي "وقف سمرقند"، ومجلة بشير، و"تومسياد" و"قينتشكون"، دعمها لتحالف الجمهور وللرئيس التركي رجب طيب أردوغان في انتخابات 2023، كما تعرف الجماعة بقربها لحزب الحركة القومية.
خامسا: جماعة اسكندر باشا
والتي كان لشيخها محمد زاهد كوتكو الذي توفي عام 1980 دور مهم في تأسيس حركة الإسلام السياسي لمواجهة النفوذ العلماني في تركيا.
وبعد وفاة زعيمها أسعد جوشان في شباط/ فبراير 2001، الذي خلف كوتكو، ترأسها نور الدين جوشان.
وعمل جوشان على توسيع الجماعة، من خلال إنشاء مؤسسات للعلوم والثقافة والفنون والصحة، في البلاد، واتجهت أيضا لتشكيل الجمعيات النسائية، كما تنشط الجماعة بشكل كبير في إسطنبول وأنقرة وتعرف أيضا بجماعة "طريق الحق"، وكان لها دور في تأسيس حزب يدعى "حزب الفطرة السليمة".
وتعرف الجماعة بدعمها في كل انتخابات لحزب العدالة والتنمية، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
سادسا: جماعة إرينكوي
وتأسست الجماعة في عهد الجمهورية التركية، وتتألف من تجار ورجال الأعمال، وتتزايد أعمالها وانتشارها في المجتمع التركي.
وعندما أغلق نزل الدراويش، استقر محمود سامي رمضان أوغلو، خليفة مؤسسها الأربيلي محمد أسعد أفندي، في منطقة أرينكوي بإسطنبول، وبعد وفاته عام 1984، واصل موسى طوباش زعامة الجماعة، خلفه بعد ذلك عثمان نوري طوباش الذي يتزعمها الآن.
وكان رئيس بلدية إسطنبول الكبرى قادر طوباش، عضوا في جماعة إرينكوي الدينية، كما أن الجماعة لديها العديد من الجمعيات أبرزها "وقف عزيز محمود هدائي"، ناهيك عن المؤسسات الإعلامية مثل قناة "Beyaz TV و"Kanal A"، بالإضافة لمركز الأبحاث العلمية "İLAM".
وتبدي الجماعة دعمها الدائم لحزب العدالة والتنمية، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ثانيا: الطريقة القادرية
والقادرية هي إحدى الطرق الصوفية السنية والتي تنتسب إلى عبد القادر الجيلاني، وتعد قريبة من السياسة بعد النقشبندية. ويعد مؤسس حزب تركيا المستقلة حيدر باش، جزءا من جماعة الإجماليين التابعة للطريقة، وتنشط في ولاية طرابزون، وأعلن حسين حيدر باش زعيم حزب "تركيا المستقلة" دعمه لحزب الجيد في الانتخابات البرلمانية، ولكليتشدار أوغلو بالانتخابات الرئاسية عام 2023.
ومن فروع القادرية، "الغالبية" نسبة إلى شيخها غالب حسين كوش أوغلو (توفي عام 2013)، وتتركز أنشطتها في إسطنبول (بيلكدوزو)، وأنقرة وتشوروم، والعديد من المدن في تركيا. و"التلوية" وهم من أتباع الشيخ سلطان ممدوح (توفي عام 1847) الذي يوجد قبره في مدينة تيلو في ولاية سرت، وتنشط في سيرت وأنقرة وإسطنبول وإلازيغ.
والمحمدية، وهم أتباع محمد أوستا أوغلو والذي يلقب نفسه بـ"الشيخ سيد"، ويعيش في إسطنبول، وتنشط الجماعة في إسطنبول وأنقرة وقيصري ودوزجه، ورغم أنها قادرية لكنها تعتبر نفسها جزءا من التقاليد النقشبندية والمولوية، وفي احتفالاتها السنوية تحشد نحو ألف شخص.
ثالثا: الطريقة الخلوتية
هي إحدى الطرق الصوفية نسبة إلى محمد بن أحمد بن محمد كريم الدين الخلوتي المتوفى في مصر.
وتبرز "الجراحية"، والتي تعود أصولها إلى محمد نور الدين الشيراحي، الذي عاش في إسطنبول في القرنين السابع عشر والثامن عشر. ويقع نزلهم بجوار مسجد جانفيدا خاتون في منطقة كاراجمروك في الفاتح بإسطنبول، وينتشر أتباعها في إسطنبول وبورصة.
و"الشعبانية" والتي تشتهر بمشاركة الرجال والنساء معا في احتفالات الذكر التي يؤدونها بانتظام، وبالإضافة إلى إسطنبول تنشط الطريقة في بورصة وإسكشهير وأنقرة وأفيون.
و"العشاقية" مؤسسها حسن حسام الدين ومركزها في منطقة قاسم باشا في ولاية إسطنبول، والتي يتواجد فيها قبر مؤسسها، وتنشط في إسطنبول وأنقرة وتشورم وبولو، واعتقل زعيمها المصارع السابق فاتح نور الله شعبان بتهمة الاعتدء الجنسي على أطفال عام 2020، كما أثار الجدل في تركيا بعد أن قال لأتباعه في وقت سابق إن عليهم الاستعداد لعصر جديد، وطلب منهم أن يتمركزوا في أماكن حساسة من الدولة.
رابعا: الطريقة المولويةوهي إحدى الطرق الصوفية السنية. ومؤسسها سلطان ولد نجل جلال الدين الرومي والذي يوجد قبره في قونية وسط الأناضول والتي تعتبر مركزا للمولويين.
وقد أخذت الموسيقى التركية الصوفية الكثير من أشعار وقصائد كتابي "مثنوي" و"ديوان الكبير" للرومي. وينتشر أتباع الطريقة المولوية في أنحاء عدة في تركيا، وبخلاف الطرق الأخرى لا ينقسمون إلى فروع.
كما تظهر العديد من الطرق الرفاعية والملامتية، لكن لا يوجد لها أي تأثير سياسي في البلاد، ويبقى تأثيرها الاجتماعي محدودا.